عادت بورصة الأسماء المرشحة لتولى منصب رئيس الوزراء إلى الاشتعال مرة أخرى بعد الزيارة الأخيرة للدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الاسبق إلى رئاسة الجمهورية منذ عدة أيام. دارت التكهنات حول احتمالية عودة الجنزورى مرة أخرى للوزارة ولكن كبر السن مثّل عائقا شديدا أمام منافسة الجنزورى للأسماء المتداولة حاليا ومنها أسماء وزراء حاليين وسابقين بالإضافة إلى طرح اسم مستشار رئيس الجمهورية للشئون الاستراتيجية مصطفى حجازى على الساحة.
من أكثر الأسماء التى كانت متداولة اسم الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء ولكن جاءت مبادرته فى شهر أغسطس الماضى فى أعقاب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة لحل الأزمة السياسية كضربة قوية ضد هذا الترشيح، حيث نصت المبادرة على إنهاء فورى لحالة الطوارئ وإشراك كل الأحزاب فى العملية السياسية وضمان حقوق الإنسان بما فى ذلك حق التظاهر وقوبلت المبادرة برفض شعبى وخصمت الكثير من رصيد بهاء الدين للمنافسة على المنصب .
ويأتى اسم المهندس إبراهيم محلب وزير الإسكان من أقوى الأسماء المرشحة للمنصب ويبلغ من العمر 64 عاما وكان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب، ومنذ توليه منصبه فى شهر يوليو الماضى لا يكف محلب عن النشاط والحركة الميدانية لمتابعة العمل بجميع المواقع والإعلان عن معاقبة من يتقاعس عن تنفيذ المهام الموكولة له ونجاحه فى جلب مشروعات لشركات المقاولات المصرية فى أفريقيا والدول العربية خلال تلك الفترة القصيرة من توليه منصبه.
وإن كان ما يميز محلب هو عمله الميدانى ومتابعته المستمرة للمشروعات وهو ما تحتاج إليه مصر فى الفترة الحالية إلا أن منافسه من داخل الوزارة يتسم بوضع الاستراتيجيات والدراسات فى مجالات التنظيم الصناعى والتجارة الدولية واقتصاد المؤسسات ويدعو بصفة مستمرة إلى دمج القطاع الاقتصادى غير الرسمى (الورش الصغيرة والمتوسطة التى لاتستخرج تراخيص لمزاولة عملها ولا تدفع ضرائب) فى القطاع الرسمى، حيث يمثل قطاع العمل غير الرسمى نسبة 30٪ من الناتج المحلى الإجمالى ويستوعب حوالى 6 ملايين عامل، وفى حالة انضمامه للقطاع الرسمى سيؤدى إلى طفرة فى معدل النمو، وهو الدكتور أحمد جلال وزير المالية والذى يبلغ من العمر 16 عاما وينافس جلال على المنصب من واقع خبراته السابقة فى المنظمات الدولية التى عمل بها طيلة حياته، حيث شغل منصب مستشار الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى البنك الدولى والعضو المنتدب لمنتدى البحوث الاقتصادية للدول العربية وشمال أفريقيا وإيران.
وإن كانت الأسماء السابقة فى الوزارة الحالية فإن هناك أسماء رفضت أن تنضم للوزارة ومع ذلك تدور التكهنات حولها، حيث يأتى ترشيح اسم د.أحمد درويش وزير التنمية الإدارية السابق والبالغ من العمر 45 عاما على خلفية أدائه بوزارة دكتور أحمد نظيف، فهو من الفاعلين الرئيسيين فى مشروع الحكومة الإلكترونية المصرية وله جهد بالغ فى هذا المشروع، وقد اعتذر عن توليه حقيبة وزارية بالوزارة الحالية شارحا أسباب رفضه بأن خبراته فى مجالات شبكات الأمان الاجتماعى (الدعم) والحوكمة (إجراءات مكافحة الفساد) وهيكلة الجهاز الإدارى لن تكون على قائمة أولويات وزارة الببلاوى كما بدا له (لدرويش) عند عرض الحقيبة الوزارية عليه وأنه قد لايحصل على المؤازرة والتمكين اللازمين لتنفيذ المنظومة، ولهذا رأى أن يدخر جهده حتى تكون الحكومة جاهزة لتنفيذ هذه الخطط. وإن كان ماسبق رأى درويش فى رفضه للوزارة إلا أن المعلومات تؤكد بأنه (درويش) كان سيصبح رئيسا لوزراء مصر إلا أن العامل الإنسانى فى تحقيق أمنية حازم الببلاوى بأن يكون رئيس وزراء أطاح بكفاءة درويش.
ويعتبر الدكتور مصطفى حجازى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الاستراتيجية أصغر المنافسين على المنصب، حيث يبلغ من العمر 15 عاما ويلقى استحسانا من الشارع نظرا لإجادته لغة التعامل مع الرأى العام العالمى وهو خبير دولى فى مجال التطور المؤسسى والتخطيط الاستراتيجى وحوكمة الكيانات الاقتصادية والاجتماعية، وكان أول من أصل لمعنى «أنسنة الإدارة» فى الثقافة المؤسسية للشركات فى منطقة الشرق الأوسط.
الترشيحات السابقة لم تأت من فراغ بعد إثبات الحكومة الحالية لفشلها الذريع فى مواجهة ما تتعرض له مصر حاليا من تحديات أمنية فى المقام الأول واقتصادية فى المقام الثانى، حيث أتاحت سياسة الأيدى المرتعشة والمتراخية فى حفظ الأمن الفرصة أمام استفحال خطر الإخوان مرة أخرى حتى بات المواطن العادى غير آمن على نفسه أو أبنائه فى المدارس والجامعات.. أخطأت الحكومة سابقا فى التعامل مع ملف اعتصام رابعة العدوية حيث تركت الأمر يستفحل من مجرد اعتصام لبضع مئات من المؤيدين للرئيس المعزول إلى الآلاف من المجاذيب والمستفيدين ماديا الذين تم توريدهم من مقاولى الأنفار بالمحافظات ومنحوا التنظيم الدولى للإخوان الفرصة الذهبية للمتاجرة بهذا الاعتصام وكسب التعاطف العالمى الذى رأيناه عقب فض الاعتصام.. وما يحدث اليوم شبيه لما حدث بالأمس فالحبل متروك على الغارب للإخوان للتخريب.. وهنا يثور التساؤل من يطمئن على استثمار أمواله فى بلد يشهد هذه الاضطرابات سواء من الإخوان أو استمرار التظاهرات الفئوية لبعض القطاعات العمالية المطالبة بزيادة الأجور أو صرف الحوافز، ولا يتم حل مشكلاتهم إلا بمسكنات تعلم الحكومة تماما تكلفتها الباهظة على الموازنة العامة للدولة.
وقف دكتور حازم الببلاوى أمام الحاضرين لمنتدى الاستثمار المصرى الخليجى منذ أيام، والذين لم يقل عددهم عن 005 مستثمر من الإمارات والسعودية والكويت وحتى قطر جاءت بوفد من المستثمرين وتحملت نفقات إقامته دولة الإمارات تشجيعا للاستثمار فى مصر.. وقف رئيس الوزراء متحدثا للمستثمرين بأن تظاهرات الإخوان لن تهدأ وعنفهم لن يقل بل العكس سيزيد خلال الفترة القادمة، وهذا دليل أن مصر تسير على خطى صحيحة نحو الديمقراطية.. كان باسما ويتحدث بنبرة هادئة.. بالتأكيد هؤلاء المستثمرون متابعون لما يحدث فى مصر وخاصة من الناحية الأمنية بصورة دقيقة من قبل أن يأتوا للمؤتمر ولكنهم أتوا ليعرفوا هل سيستثمرون أم لا.. أتوا ليعرفوا هل مصر قادرة على السيطرة على الأمور وإعادة الأمن للشارع، وهل تستطيع الحكومة حماية ممتلكاتهم أو مشروعاتهم وبالتالى يدفعون بأموالهم فى مشروعات لدينا أم لا.. فى اعتقادى بأنهم سيراجعون أنفسهم مرات عديدة قبل اتخاذ أى خطوة فعلية للاستثمار فى مصر من بعد ما سمعوه من رئيس الوزراء حتى لو نشرت الصحف وأذاعت الفضائيات عن فرص واعدة ودراسة للمشروعات الاستثمارية المقدمة وجميع ما سبق حديث براق ولكن الواقع مختلف.
هل تستطيع أن تمنح أموالك لشخص يعانى المشاكل مع بعض أبنائه داخل منزله مما يدعوهم لتكسير هذا المنزل والصريخ باستمرار وعدم ارتياح باقى الأبناء.. هل تأمن على أموالك والأب يقف أمامك يقول لك بأن هذا طبيعى نتيجة إصلاحات داخلية بالمنزل.. بالطبع ستفكر ألف مرة قبل أن تتخذ أى خطوة فى هذا الطريق.. بالضبط هذا مثال مبسط للأمور وبمقارنة أداء الببلاوى بأداء إبراهيم محلب مثلا فى نفس المنتدى.. نجد بأن الأخير أجاد التعامل مع نفسية صاحب المال حيث قال ادخلوا مصر آمنين على استثماراتكم ولم يراوغ محلب فى طرح مشاكل مصر ولكنه أكد بصيغة حاسمة بأن هناك إصرارا على المضى نحو الديمقراطية.
ويبدو أن هذا المنتدى كان مرآة عاكسة للمرشحين الرئيسيين لخلافة الببلاوى.
حيث نجد أحمد جلال وزير المالية يشخص أسباب نجاح أى شراكة مصرية خليجية ستقوم على المنفعة المتبادلة، وذلك بصوت قوى وكلمات مركزة علمية لا تقوم على أسلوب الاستجداء ولكن أسلوب طرح الحقائق كاملة ما لنا وما علينا مما يطمئن متلقى الرسالة إلى أن هذا الشخص لا يضلله وإنما يطرح الفرص كما هى.
مصر فى حاجة إلى قيادات لا تستجدى المساعدات وتعيد الأمن إلى الشارع والطمأنينة إلى المستثمرين.. فهل هذا كثير؟؟