ارتعاش وتردد «حكومة الببلاوى» ستصل بالبعض للكفر بثورة يونيو بعد أزمات جماهيرية من نوعية تطبيق الحد الأدنى للأجور فى يناير 2014 تزامنًا مع الانهيار أمام كارثة التراجع عن الضبطية القضائية لحرس الجامعة.. الأخطر من ذلك أن المحللين يرون فى هذه الخدعة تدميرًا لكل المستقبل المصرى خاصة أن التكلفة الحقيقية لهذه الزيادة لو تحققت بشكل صحيح ستكون أكثر من 200 مليار جنيه، الصدمة فى هذه الأزمة أن الحديث يدور حول المساواة المهنية بين موظف جديد وموظف قديم فى الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه!.. مطالبين بضرورة أن يتم المساواة بينهم والزيادة النسبية بين القديم والجديد حتى يشعر كل المصريين بالعدالة الاجتماعية ! الحد الأدنى لِلأجور شُغل المِصريين الشاغل طيلة ثورتين لِتطبيق «العدالة الاجتماعية»، إلا أن هذا الأمر حتى الآن لم يتحقق، وتظل الحُكومات تِلو الحُكومات تعد المِصريين بِأشياءً دون تنفيذها.. حُكومة «د. حازم البِبلاوى» وعدت فى بداية الأمر بِتنفيذه، ثُم أعلنت عجزها عن تطبيقُه، ليخرُج «البِبلاوى» فى آخر المَطاف بإصدار القرار المفاجئ أنهُ سيتُم أخيراً تطبيق الحد الأدنى لِلأجور بِ 1200 جُنيه، إلا أن هذا سيتم تطبيقُه فى بداية عام 2014 ليثير بَلبلة حقيقية فى الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية كان من المهم رصدها!
الخبير الاقتصادى «د.عبد الخالق فاروق» يرى أن قرار «البِبلاوى» بِخُصوص «تطبيق الحد الأدنى» لِلأُجور «غشيم»، بل واحتيال سياسى على الشعب ! .: «تحديد يناير 2014 لِتطبيق هذا القرار يؤكد على ما أقولهُ، فهُناك مُشكلات داخل وِزارة البِبلاوى وكُلنا نعلمُ هذا، وبِالتالى خوف البِبلاوى مِن أن تتفجر حُكومتهِ بِسيل الاستقالات، خاصةً مع عدم تنفيذ ما طالب بِهِ المِصريون، لهذا وصل لِهَذا القرار أو لِهذِهِ الصِفة التلفيقية، فشهر يناير القادم سيكون بِمَثابة الشهر الأخير لِحُكومة البِبلاوى، التى ستكون بِالفِعل قد لملمت أوراقها، فستكون لجنة الخمسين قد انتهت مِن الدُستور، وسيكون وقتها تم تحديد ما إذا كانت الانتخابات التشريعية قبل الرِئاسية أم العَكس، وهو نفس ما فعله عِصام شرف حينما أعلن أنهُ سيقوم بِتطبيق قرار الحد الأدنى لِلأجور فى يوليو، ثُم عاد ليؤخرهُ حتى سِبتمبر، وهذه المُماطلة أو اللعب بِهذهِ الطريقة هو نفس ما يقوم بِهِ البِبلاوى.
ويُضيف: «هُناك عِدة عوامل تُواجه مَن يُريد تطبيق هذا القرار، أولها أن هذا القرار سيخلق جوًا وظيفيًا مَسمومًا، فلو افترضنا أنهُ تم تطبيق هذا القرار بِالفِعل، فهُناك موظفون وصل دخلهُم بعد 5 أو 6 سنوات إلى 1200 جُنيه، ليُفاجأوا بِأن الموظفين الجُدد قد وصلت مُرتباتهِم فى أول عامٍ لهُم كموظفين لِنفس المُعدل! .. كما أن ال 1200 جُنيه هذهِ عليها جدل، فيُقال أن هذا المُرتب يكفى رجُلاً وزوجتهِ وطفلين، إذن فى حالة أن الرجُل وزوجتهِ يعملان أو أن الرجُل أعزب مثلاً، فهل سيكون هذا الرقم فى هذه الحالة دقيقاً؟!.. هُناك مُشكلات يجب الانتباه إليها على الصعيد العِلمى والفنى لِمُناقشة مِثل هذهِ الأمور.. مثلاً يجب الانتباه إلى أن 30 ٪ لِ 40 ٪ مِن عاملى الإدارة المَحلية دخلهُم الشامل لن يصل لِ 1200 جُنيه، لكن بقية الموظفين دخلهُم الشامل يصل إلى أكثر مِن 1200 جُنيه، لأن الأجور فى الحُكومة مُقسمة لأجر أساسى وأجر مُتغير - أى المُكافآت وغيرها - قد نجد أن أشخاصًا يأخذون 250٪ إضافى مثلاً، وفى رئاسة الجُمهورية يأخذون 1800 ٪ - ووِزارة المالية 1000٪ - وفى مجلس الوزراء 1300٪ أى حوالى أربعة أضعاف المُرتب الأساسى! .. فى حين لدينا 40٪ - أى حوالى 5,3 مليون موظف - لا يصل دخلهُم 1200 جُنيه»! .
الحل فى رأى «فاروق» هو الاقتراب مِن جوهر المُشكلة لأن الجهل بِها ليس حلاً، بإعادة هيكلة الموازنة أى الجداول الخاصة بِالتدرُج المالى لِكُل وظيفة، فلا بُد مِن إعادة بِنائها مِن جديد، لِنبدأ مِن أول سُلم الكادر العام، وهؤلاء هُم الغالبون فى الإدارة الحُكومية، وهذا الخلل موجود مُنذ 1987 إلى اليوم بِسبب الفساد الإدارى، والذى قام بِهِ جُزء كبير مِن الدرجات الوظيفية العُليا، الذين كانوا يستحلون أموالاً تحت مُسميات المُكافآت والصناديق الخاصة وغيرها، بِالتالى الخلل فى جوهر الإدارة المالية وكيفية إعادة هيكلة السياسة المالية والموازنة العامة لِلدولة، فإذا لم يتِم تصحيح النِظام لن يؤدى هذا لأى نتيجةٍ تُذكر». ويتفق مع رأى د. فاروق الخبير الاقتصادى «د.رشاد عبدُه» - أُستاذ الإقتصاد بِجَامعة القاهرة - الذى أكد أن قرار تحديد الحد الأدنى لِلأجور الذى مِن المُفترض أن يتم تطبيقهُ فى يناير مِن العام القادم هو قرار سياسى فاشل، ويُمثل خُطورة بالغة على الاقتصاد المَصرى، خاصةً أنهُ قرار مُندفع، صدِرَ عن حُكومة ضعيفة ورئيس وزراء ضعيف لا يعلم شيئاً عن الاقتصاد .. ويقول «عبدُه» : «لا أقبل أن يُقال عن البِبلاوى أنهُ خبير اقتصادى، لأن هذا القرار لا يمت لِلاقتصاد المَصرى بِصِلة، فالحكومة تُريد بِهَذا القرار الشُهرة فقط والShow الإعلامى والضحك على الناس، فرئيس الوُزراء لم ينتظر رأى الجِهة المُختصة بِقَضية تحديد الحد الأدنى لِلأُجور بعد تضارُب أقوال حُكومة البِبلاوى الفاشلة، فالمَجلس القومى لِلأجور الذى يضُم مَجموعة مِن الحُكوميين ومُمثلين عن العُمال ومُمثلين عن القِطاع الخاص وهو المَجلس المُنوط بِهِ دِراسة هذا القرار، والحُكومة الحالية اتخذت قرارها دون دِراسة لأبعادُه، والتكلفة التى ستُوضع على عاتق الاقتصاد المَصرى بعد تطبيقهُ، والتى تصل إلى 70 مليار جُنيه على الاقل، ولذلك هذا القرار هو وبال ورِدة لِلاقتصاد المصرى الذى سيعود بِنا إلى 100 عام».
يُضيف «عبدُه» : «هذا القرار لم ينظر إلى الأقدمية فى زيادة الأجر، والمُوظف الجديد سيُعامل إذا طُبِق هذا القرار كالمُوظف القديم وهذا خطأ، كما أنهُ لم يلتفت لأصحاب المَعاشات الذين خدموا الدولة لِسنَواتٍ، ومِن حَقهِم أن يُرفع مَعاشهُم طِبقاً لِهَذا القرار الجديد،وهو ما سيكلف الدولة الكثير، لِتَصل التكلفة الإجمالية لارتفاع الأُجور والمَعاشات معاً إلى 200 مليار جنيه على الأقل، وبِتطبيق هذا القرار فالدولة لن يكون أمامها سِوى أن تقوم بِطِباعة نُقودٍ إضافية، وهذه كارثة،كما أنهُ فى ظِل عدم وجود إنتاج فستكون الكارثة أكبر، وبِالتالى ترتفع الأسعار ويزيد التضخُم ويهرب المُستثمرون مِن مَصر وترتفع نِسبة عجز الموازنة العَامة، وفى المُقابل سيزيد الإقبال على المُنتجات الأجنبية - كالمُنتجات الصينية - لِرُخص ثمنها، فى مُقابل ارتفاع ثمن المُنتج المَصرى، وهو ما سيؤثر على الشَركات المَصرية التى ستُنتج ولا تستطيع بيع إنتاجها بِسببَ المَطالب الفئوية التى سيُخرج بِها العُمال لِلمُطالبة بِرَفع أجورهم لِمَواجهة غِلاء الأسعار،وتتحول هذه الشركات إلى شركاتٍ خاسرة بِسببَ فَرق المُرتبات،أى أن 90٪ مِن شركات قطاع الأعمال العام ستتحول إلى شركاتٍ خَاسرة،فضلاً عن القطاع الخاص الذى سيقوم بِرَفع أسعارهُ، بِدءاً مِن الغَد بِنِسبة تزيد عن الزيادة التى حصل عليها الموظف، وهذا فى ظِل عدم وجود خُطة لِلحُكومة الغائبة عن الوعى لِمُراقبة السوق، وتطبيق هذا القرار سيتم فى بداية العام القادم لِلضَحك على الناس، لأن الحُكومة لديها أمل فى أن يتولى إدارة البِلاد رئيس جديد،ليتحمل أعباء الدولة ويقوم هو بِوَقف القرار أو ألغائه، ولكن رئيس الوزراء لا يستطيع التراجُع عنهُ».
الحل فى رأى «عبدُه» أنهُ بدلاً مِن أن تقوم الحُكومة باتخاذ قراراتٍ تُخرب وتُحطم الاقتصاد المَصرى، كان مِن الأولى العَمل على زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار، وقتها كان المواطن سيشعُر بِأنهُ يستطيع العيش، ولن يُطالب بِزِيادة فى راتبهِ، ولكن اليوم الأسعار ترتفع بِشكلٍ تدريجى لترتفع بِنِسبة 60٪ فى يناير المُقبل، ولا أحد يتخيل أن دولة كَمِصر خرجت عنها ثورتان عظيمتان وتكون هذه هى النتيجة!
«د.نبيل عبدالفتاح» - المُحلل السياسى ورئيس مركز تاريخ الأهرام - يرى أن هذا القرار ناتج عن اختلاف الرؤية فى وضع الحد الأدنى لِلأجور والمُحاولة لِلخُروج مِن الأزمة الاقتصادية التى يُواجهها النِظام الاقتصادى والسياسى فى مصر، خاصةً أن هُناك مَن يرى أن هذا القرار خلق حالة مِن الرِضا داخل الحُكومة وقِطاع الأعمال العام، لِيؤثر بِشكلٍ إيجابى على البيئة الأمنية لأنهُ يخلق حالة مِن التعاطُف بين القِطاعات المؤثرة،وهذه الحالة ستكون بين الموظفين والعُمال والسُلطة، وهو ما سيؤدى لتيسير عمل الحُكومة خِلال المَرحلة الانتقالية الحَالية، خاصةً أن هذه الإيجابيات ستؤثر مِن النَاحية السياسية على مناخ الانتخابات البرلمانية والرِئاسية المُقبلة ومبلغ 1200 جُنيه هى البداية.
«عبد الفتاح» يوضح أن «الاتجاه الاقتصادى الفنى يرى أن هذا القرار سيؤدى إلى ارتفاع نِسبة التضخُم وغِلاء مُتتال لِلأسعار قبل تطبيق القرار، كما أنهُ لا يُمكن تطبيقهُ على بعض شركات القِطاع الخَاص التى يتراوح الأجر فيها ما بين 500 لِ 800 جُنيه،ولكنهُ سيؤثر على قرارات القِطاع بِاستبعاد من لم يُطالبوا بِه، وكذلك سيتم اغلاق المَشروعات الصغيرة، سيؤدى إلى احداث توتر بين العاملين بِالدَولة والعاملين بِقِطاع الأعمال العام والعاملين بِالقِطاع الخاص، كما أن هذا القرار لن يُوقف مُطالبات الشعب بِزيادة الأجور، خاصةً مع ارتفاع الأسعار الوشيك، فالحُكومة عاجزة، وتفتقر لِلرُؤية السياسية - حتى رئيس الوزراء د.حازم البِبلاوى - فعدد قليل مِن أفراد الحُكومة لديهِ الكفاءة، لكن غالبية الوزراءلا يعرفون كيفية أداء عملهم . ويُضيف «عبد الفتاح»: «تأجيل تطبيق القرار إلى يناير العام القادم يرجع إلى عدم وجود موارد فى الدولة لِتغَطية هذه الزيادة بِالأجور، والغريب فى الأمر وغير المَفهوم هو أن الحُكومة صبت كُل اهتمامها بِالحَد الأدنى لِلأُجور، ولم تتحدث أو تهتم بِالحَد الأقصى لِلأُجور، وهذا يعنى أنهُ هُناك إفراطًا وتقصيرًا هُنا،على الرغم مِن أنهُ يجب تطبيق الحد الأقصى على كُل مَؤسسات الدُولة،وفى النِهاية هُناك مُشكلة حَقيقية، ولكن لا بُد أن تترك الأزمات، لِتَأخذ مَسارها، خاصةً فى ظِل نُخبة تفتقر لِلعَمل السياسى والقَرار السياسى المَدروس مِن حُكومة غير مُنتخبة، فرضت علينا دون إجراء انتخابات».