طوال الطريق من مطار «دبى» إلى إمارة «الفجيرة» - الذى يستغرق ساعة كاملة بواسطة الطريق الجديد الذى تم الانتهاء منه مؤخرا بالتعاون بين إمارتى «الفجيرة» و«الشارقة» الذى يربط بينهما الطريق الحريرى المعد بأحدث تقنيات إنشاء الطرق عالميا بعد أن كانت المسافة فى السابق تستغرق ساعتين كاملتين - وسط هذا الطريق الذى تحفه على جانبيه الجبال الشاهقة الرائعة التى تتميز بها إمارة «الفجيرة» التى يلقبونها ب«عروس الإمارات العربية المتحدة» لموقعها المتميز القابع بين حضنى البحر والجبل فيما يشبه لوحة طبيعية - إلهية الصنع - دارتفى ذهنى أسئلة كثيرة، ظلت تلح على فيما يتعلق بموضوع المؤتمر الإعلامى العربى الرابع الذى تقيمه سنويا إمارة «الفجيرة» ممثلة فى «هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام» وتستضيف فيه نخبة كبيرة من إعلاميى الوطن العربى. الأسئلة أكيد هى نفسها أو كثير منها يدور فى ذهن كثير من الإعلاميين فى وطننا العربى، خاصة المخلصين منهم بعد أن وصل حال الإعلام إلى أسوأ مراحل التردى التى نراها اليوم والبعيدة كل البعد عن المهنية، بعد أن تحول الإعلام إلى آلة حرب ذات حدين.. حد منها دوره الأساسى تصفية الحسابات على الأصعدة الداخلية، والحد الآخر دوره حرق الوطن العربى من خلال نشر الشائعات والأكاذيب التى تتسبب فى إحداث فوضى مجتمعية، وكلا الحدين هدفهما الأساسى تدمير الوطن لصالح الأجندات الخارجية.
معظم الأسئلة حصلت على إجاباتها خلال جلسات الملتقى، التى وصلت إلى (5) جلسات شرفت بإدارة واحدة منها، وهى الجلسة الختامية التى شارك فيها كل من د. «وليد فتح الله» الأستاذ بكلية الإعلام - جامعة القاهرة ود. «نجلاء العمرى» المدير الإقليمى لتليفزيون ال«B.B.C» بالقاهرة و«فيصل الشبول» مدير وكالة الأنباء الأردنية - بترا والإعلامى الأردنى «معن البيارى»، الجلسة كانت بعنوان «الجمهور الحائر.. أين يجد مطلبه» التى ناقشنا فيها مدى التجاوز الإعلامى الذى وصل إلى حد التلفظ بألفاظ بذيئة لا تخدش فقط الحياء العام، وإنما تعد من جرائم السب والقذف التى يعاقب عليها القانون، ووصلات الردح التى ملأت الشاشات بما تحمل من شماتة وتلاسن، فيما يشبه الحرب اللاأخلاقية!! وكله - للأسف - على الهواء مباشرة على مرأى ومسمع من الجميع، ليصل إلى الناس دون فلترة، وهو ما كشف الوجه القبيح لبعض قنوات الإعلام العربى وتحديدا الخاص منها الذى كسر كل القواعد الأخلاقية والمهنية.
الجلسات الأربع الأخرى التى حملتعناوين «الإعلام العربى.. هل نجح فى كسب ثقة الجمهور»، «الإعلام الغربى... وتأثير مصداقيته على الإعلام العربى»، «تأثير الأحداث العربية المتشابكة على مصداقية إعلام الحكومات»، «مصداقية مواقع التواصل الاجتماعى» كلها - من خلال المشاركين فيها - حذرت من أن الإعلام الآن لم يعد تتحكم فيه أخلاقيات مهنة بقدر ما أصبح المتحكم الرئيسى فيه هو رأس المال، حتى لو كان الطريق إلى التربح هو السير على جثة الوطن والمواطنين، فصاحب السلعة - أيا كانت هذه السلعة - لا يهمه من الإعلام سوى نسبة المشاهدة التى لا تتحقق إلا فى برامج النميمة والإسفاف - وهى للأسف - البرامج التى يقبل عليها المواطن البسيط المغيب عقليا بشغف، متصورا أن فيها الخلاص، خاصة أن المجتمعات العربية الأمية التعليمية فيها نسبتها تزيد على ال50٪ بينما تزيد فيها نسبة الأمية الثقافية علي 90٪.
البعض أكد أنه رغم وجود هذه النسبةالكارثية من الأمية فى الوطن العربى، فإن كثيرا من المواطنين بدأوا يعون أن هذه البرامج لا تحمل بين سطورها إلا السم من أجل خراب الوطن، وأن ما يقدم لهم ليس إعلاما، بقدر ما هو تصفية حسابات لتحقيق المكاسب المادية - وليست الإعلامية - سواء للمعلنين أو لأصحاب القنوات أو لمقدمى هذه البرامج.
الملتقى الإعلامى الذى أقيم برعاية سمو الشيخ «محمد بن حمد الشرقى ولى عهد الفجيرة وحضره سمو الشيخ «راشد بن حمد الشرقى رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام وسعادة «محمد سعيد الضنحانى» مدير الديوان الأميرى ونائب رئيس الهيئة وسعادة «محمد سيف الأفخم» رئيس بلدية الفجيرة، شهد حضورا كثيفا لكبار الشخصيات فى الوطن العربى منها: الأميرة «ريم العلى» - زوجة الأمير «على بن الحسين» شقيق ملك الأردن «عبدالله بن الحسين» - التى تشغل منصب رئيس المعهد الأردنى للإعلام، ود.«رياض نعسان أغا» وزير الثقافة السورى الأسبق، والشاعر «جريس سماوى» وزير الثقافة الأردنى الأسبق، ومن مصر «د. عمار على حسن».
معظم المشاركين أكدوا أن الإعلام لم يكن منحازا للبسطاء من عامة الناس فليذهب إلى الجحيم لأن الإعلامى المحترم الصادق من المفترض أن يكون أمينا على مصائر المواطنين وأن يضع نصب عينيه البسطاء منهم فى المقام الأول وأن يطبق قواعد الإعلام المحترم - لأنه فى الأول وفى الآخر شغال عند هؤلاء البسطاء لا عند الذين يضخون فى جيوبه الأموال ويملون عليه توجهاتهم، التى يكون أغلبها ضد هؤلاء المساكين الذين يتخذونهم أصحاب القنوات وإعلاميوهم وقودا لأغراضهم.
الكل اتفق على أنه من الصعب أن يكون هناك إعلام محايد، ولكن قالوا: إن الذى صعب هذا الأمر، فالإعلام المحايد من الممكن أن يكون إذا ما نبع من ضمير الإعلامى الذى يكون حريصا على نقل الحقيقة دون زيادة أو نقصان ولا تحركه أهواؤه ومصالحه الشخصية، بل لابد منتغليب مصلحة الوطن والمواطن الذى من المفترض أن يكون الإعلامى قدوة له، ولكن - للأسف - ما يحدث من فوضى فى الإعلام يحدث فجوة تتزايد يوما بعد يوم بين الإعلام والمواطن ويتولد فقدان الثقة بينهما سواء كان ذلك فيما يخص الإعلام العام أو الخاص، وهو ما يحدث على السطح الآن.
الملتقى فى النهاية طالب بضرورة تفعيل ميثاق الشرف ووضع ضوابط للعمل الإعلامى، دون المساس بحريته، كما طالب الملتقى بضرورة الانتباه إلى الإعلام الإليكترونى الذى ينتشر دون رابط ولا ضابط.