وكأن الساحة «ناقصة» ألغاز.. لكن ما أحلاه لغز بعد وصول «الشيخ د. شوقى إبراهيم عبدالكريم» لكرسى مفتى الديار المصرية الرجل المجهول للجميع، لم يكن أحد يعرفه نهائياً، وكانت المفاجأة الطيبة حتى الآن على الأقل، بعد ابتعاد الأسماء الإخوانية والسلفية المتشددة عن الصورة، الرجل الذى تم اختياره بالاقتراع السرى المباشر من بين هيئة كبار العلماء أرهقنا فى رحلة البحث عن هويته لنطمئن الشارع والساحة، فهل هو إخوانى تنظيمى، أم من المحبين، وبعدما ترددت بعض الشائعات عنه بأنه من الخلايا النائمة للإخوان فى الأزهر، أم أن الرجل سلفى المنهج والعقيدة، أم أنه أزهرى صوفى وسطى المنهج؟!
عندما سألنا عنه فى كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر فرع القاهرة، لم يملك أحد من الأساتذة أو الطلاب القول الفصل، فحاولنا الوصول إلى بعض الكتب الدراسية الخاصة به التى تدرس على طلاب الشريعة فلم نجد نهائياً، حيث اكتشفنا أن كتبه تدرس فقط فى فرع جامعة الأزهر بطنطا. وبالتالى كانت كلية الشريعة والقانون بطنطا هى مقصدنا للوصول إلى المعلومات التى تعرفنا قبلة المفتى الجديد، خاصة أنه درس بها وعين معيدا عام ,1985 وحصل على رسالة الماجستير والدكتوراة منها، وتدرج فى المناصب العلمية فى الكلية حتى وصل مؤخراً إلى رئيس قسم الفقه المقارن، ويصنف بأنه من الأساتذة النادرين المتخصصين فى تدريس المذهب المالكى فى الأزهر، وسافر فى إعارة إلى سلطنة عمان ومكث بها أكثر من 7 سنوات كاملة، ثم عاد للعمل بكلية الشريعة والقانون فرع طنطا. لم يغادر الكلية نهائياً، فالرجل كان يكتفى بالسفر عبر القطار من مسقط رأسه كوم حمادة إلى طنطا يوميا، وحياته عادية لا تختلف نهائياً عن حياة أساتذة الجامعات فى الأقاليم، ولم يفكر فى مغادرة مسقط رأسه محافظة البحيرة نهائياً، واكتفى بالعمل قريبا منها حتى لا يبعد عن أسرته الصغيرة المكونة من 3 أبناء هم: محمد وفاطمة الزهراء ويمنى. طلابه يقولون عنه إنه هادئ الطباع وغير صدامى.. أكاديمى بصورة مبالغ فيها، صوفى الهوى، متشدد فى تحقيق فتاواه يتحرى الدقة فيها لأبعد الحدود، من تلاميذ مدارس ابن تيمية وابن حزم الأندلسى، وله أطروحات كثيرة فى مذهب الإمام مالك. البعض جزم بأن الرجل أزهرى وسطى وهو ما ساعد الشيخ «أحمد الطيب» الإمام الأكبر فى تصعيده بعد إصرار الشيخ على جمعة على عدم قبول المطالبات بالتجديد له كمفتى، وبالتالى كان أمر الإطاحة بعبدالرحمن البر مفتى جماعة الإخوان من الجولة الأولى سهلاً جداً، خاصة أنه لا ينطبق عليه أحد شروط الترشح للمنصب، لأنه ينتمى لفصيل سياسى، الأمر الذى قابله البر «بقوله: إنه لم يترشح من الأساس للمنصب، وهو ما نفاه لنا عضو كبير بهيئة كبار العلماء قائلاً: بأن «البر» تقدم بطلب للأزهر لاختياره مفتيا لمصر وتقدم ببحثين دراسيين «أحدهما» تنقية الأحاديث الغريبة والدخيلة على الإسلام وتنقيتها وفقا لسند البخارى ومسلم، و«صحيح الفتاوى على المذاهب الأربعة»، ولكن تم استبعاده من الجولة الأولى؟! رغم الجدل الكبير الذى أثير حوله قبيل انتخابات المفتى الجديد، كان البر يحرص على الظهور بالزى الأزهرى، عقب أحداث الثورة ورفض كثيراً فكرة وصفه بمفتى جماعة الإخوان، وقال بالنص: لو أحد أطلق عليه لقب مفتٍ فيجب أن يكون وقتها مفتيا للمصريين. وكشفت لنا مصادرنا عن أن «الطيب» ساعد المفتى الجديد، خاصة أنه قام بنفسه بمراجعة الأبحاث التى تقدم بها للترشح لمنصب مفتى الديار، وأثنى عليها، خاصة أن علام اعتمد على المذاهب الأربعة فى الاحتكام إلى آرائه وكثير الرجوع إلى المصادر الرئيسية من أمهات الكتب، وهو ما أثنى عليه كل من الطيب وعلى جمعة والقرضاوى والقوصى، ناهيك عن كون المفتى الجديد يدرس نفس المذهب الذى يدرسه شيخ الأزهر فى الجامعة وهو المذهب «المالكى». وتجلى ذلك عقب أول ظهور للمفتى المنتخب مساء الأربعاء الماضى، وهو يرتدى الزى الأزهرى «الجلباب والعمامة» لأول مرة، حيث كان يحرص على ارتداء البدل، فى لقائه مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذى أشاد بعلمه ورصانته وغزارة أبحاثه العلمية، وطالبه بالسير على نهج الأزهر ودرب «د. على جمعة» مفتى الديار السابق فى علمه وغزارته واستقلاله ومنهجه الأزهرى الوسطى. وأكدت بعض المصادر المطلعة لنا أن اختيار «شوقى» يرجع لمعرفة شيخ الأزهر به معرفة عن قرب، وأن الرجل لن يحيد عن منهج الأزهر الوسطى، وهو على رأس الإفتاء، وأن الطيب يحاول بشتى الطرق عدم اختطافها مثل الأوقاف التى أصبحت فى حضن الإخوان والسلفيين بعد صعود طلعت عفيفى السلفى، وهو الأمر الذى دفعه لعدم ضم الأخير لهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية فى إطار صراعه فى الحفاظ على مؤسسة الأزهر من الاختراق من الإخوان والسلفيين. ويمكننا الوقوف على الخلفية الحقيقية للمفتى المنتخب فى حالة إذا قام شيخ الأزهر بضمه لمجمع البحوث الإسلامية، واختير ضمن هيئة كبار العلماء فى تلك الحالة يكون الرجل أزهريا ومن رجال شيخ الأزهر، ولكن إذا تعامل معه الأزهر مثلما فعل مع وزير الأوقاف الحالى ولم يضمه للمجمع ولا لهيئة كبار العلماء وقتها يمكننا تصنيفه على أنه مفروض على «الطيب» بعد استبعاد «البر». المفتى الجديد له 15 مؤلفاً والعديد من الأبحاث والرسائل العلمية، منها رسالة الدكتوراة التى حصل عليها وتحمل عنوان «إيقاف سير الدعوى الجنائية وإنهاؤها بدون حكم فى الفقه الإسلامى، والقانون الوضعى دراسة مقارنة» والتى حصل عنها على رسالة الدكتوراه فى عام 1995وقتها كان يعمل مدرسا مساعدا بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فرع طنطا، وسجلت الرسالة فى كلية الشريعة والقانون بالقاهرة الفرع الرئيسى قسم الدراسات العليا «قسم الفقه العام»، وأشرف عليها، الأستاذ الدكتور «محمود نجيب حسنى» أستاذ القانون الجنائى بكلية الحقوق جامعة القاهرة وقتها، والاستاذ الدكتور عبدالعزيز محمد عزام «أستاذ الفقه الإسلامى بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، الرسالة سجلت برقم 1416 - 8354 - وحملت رقم 125096 رسائل جامعية ش م 255 وأشرف على الجانب الشرعى فى الرسالة الأستاذ الدكتور «محمد عبدالرحمن مندور». الرسالة التى تقع فى 385 صفحة من القطع الكبير، خص فيها المفتى الجديد أبناءه الثلاثة «محمد وفاطمة الزهراء ويمنى» بالإهداء. بداية يقول الباحث وقتها شوقى علام فى مقدمته: لابد من العودة إلى حكم الله فى ديار المسلمين، فى كل مناحى الحياة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونتمنى اليوم الذى يأتى على الأمة، ولا يعرض لها عارض إلا وعرضته على الكتاب والسنة المحمدية. وإن كان الدستور المصرى - يقصد به دستور 71 وقتها - ينص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فيجب على المشرع المصرى أن يضع هذا المبدأ موضع التنفيذ فى كل الأحكام والقوانين الوضعية التى لا تخرج عن الشريعة الإسلامية. وتطرق إلى شرح تفاصيل الرسالة الخاصة، والتى تركز على القوانين الإجرائية الخاصة بتفاصيل الجريمة الجنائية قبل الوصول الى مرحلة الحكم، إذ اعتبر أن الجريمة عندما تقع توجد لها عقوبات رادعة، سواء كانت أحكاماً وضعية أو حدوداً وشرائع سماوية تحدد العقاب، ولكن التفاصيل الخاصة بإثبات التهمة والإجراءات الخاصة بها، والتى تثبت الجريمة على الجانى وصولا إلى الحكم، وزعم الباحث أن فقهاء الإسلاميين لم يتركوا كبيرة ولا صغيرة فى أحكام العقوبات الخاصة بالحدود والشرائع ولكنهم لم يتطرقوا نهائيا إلى إمكانية إنهاء العقوبات وانتفاء الجريمة قبل وصولها إلى منطوق الحكم. الهدف الرئيسى من الرسالة هو التخفيف على القضاء فلا يعرض على القضاة إلا القضايا المهمة التى يرى فيها جهاز الحكم أهمية الحكم والمحاكمة، واستبعاد القضايا التى يمكن أن تنهى قبل وصولها للحكم لضمان السيولة، وعدم تكدس المحاكم وتأخير سير العدالة مما يعطى انطباعا هاما عند المجنى عليه بعدم تحقيق العدالة. رسالة الدكتوراة الخاصة بالمفتى الجديد مقسمة على 4 أبواب، مستندة على عدد من المذاهب الفقهية خاصة مذهب الإمامين مالك والشافعى، واعتمدت على عدد كبير من أساتذة القانون المشاهير واعتمد على كتب ابن تيمية وابن القيم وابن حزم الأندلسى فى تحقيق رسالته. الفصل الأول من الرسالة خصصه بالكامل لتعريفات «الدعوى الجنائية وخصائصها فى الفقه الإسلامى - الدعوى بصفة عامة، وتطرق فيها إلى خصائص الدعوى الجنائية فى الفقه الإسلامى، وحدد المعيار المميز بين حق الله وحق العبد. وتطرق فى الفصل الثانى من الرسالة لتعريف الدعوى الجنائية وخصائصها فى القانون الوضعى، وعمومية الدعوى الجنائية ومدى قابليتها للتنازل، وتطرق إلى تعريف الدعوى الجنائية وخصائصها بين الفقه الإسلامى، والقانون الوضعى وتطرق فى الفصل الثالث إلى شرح سلطة القضاء فى إيقاف سير الدعوى الجنائية والأدلة التى تثبت الجريمة: تقدير القاضى للدليل، وجود أدلة كافية، شرعية الدليل اقتناع القاضى بالدليل، وتقف فى حالة عدم كفاية الأدلة. وقام بعقد مقارنة بين أركان الجريمة فى القانون الوضعى والفقه الإسلامى وحدد الجناية والجانى والمسئولية الجنائية وعناصرها وقال إنه من شروط انتفاء الحكم فى الجناية أن يكون الجانى «لم يصل إلى مرحلة العقل والبلوغ والمرحلة التى تسبقها والتى تليها، بالإضافة إلى الجنون والعته والنوم والإغماء والسكر». وفى الفصل الرابع تطرق إلى أسباب عدم وقوع الحكم فى القضية الجنائية مثل أسباب انتفاء الاختيار، مسئولية المكره جنائيا ونطاقها، أثر الإكراه فى حالة زنى الرجل فى القانون الوضعى يترك لسلطة القاضى تقدير الإكراه، أما فى الفقه الإسلامى فالإكراه فى الزنى يحط معه فى درء الحدود بالشبهات.