الفارق بين ثورة 25 يناير 2011 وثورة 23 يوليو 1952 أن الأخيرة كانت رأسا بلا جسد، بينما الأولى هى جسد بلا رأس! في أغلب الأحيان إن لم يكن في الأغلب علي الإطلاق يكون الرأس أهم من الجسد، فهو الذي يفكر ويدبر ويخطط ليعطي أوامره وإشارته للجسد للتنفيذ وهذا ما حدث في ثورة يوليو جاء الرأس الذي يمثل المحرك الرئيسي للثورة من الضباط الأحرار الذين شكلوا فيما بعد مجلس قيادة الثورة. هذا الرأس هو الذي قاد الجسد- الذي يمثل الشعب، فانجذب إليه وسار بأوامره ليستكملا معا مسيرة الثورة التي حققت أهدافها وأكملت نجاحها. أما ثورة يناير فهي جسد بلا رأس، فالجسد- الذي يمثل الشعب- مازال حائرا حتي الآن في البحث عن رأس له يهديه إلي أهداف الثورة لتكمل نجاحها، فما أكثر الذين قفزوا علي أكتافها وركبوا قطارها وتسلقوا عليها، وهو ما أدي فى النهاية إلى ضياع الثورة وكأنها «سلقط * ملقط»!
«سلقط * ملقط» هى المسرحية التى عبرت عن انقضاض كل أطياف المجتمع على الثورة وادعاء الجميع أنه صاحب الفضل فيها رغم أنها فى حقيقة الأمر ثورة إلهية لم يكن لأحد فضل فيها. المسرحية اسمها الأصلى.. «المحقق الذى يفقد عقله ليسترجع ظله»، من تأليف رأفت الدويرى وهى أول مسرحية كتبها فى حياته عام 1973 والاسم البديل من اختيار «إميل شوقى» مخرج المسرحية ولم يمانع أو يعترض «الدويرى»، بل وافق أيضا على إجراء بعض التعديلات التى قام بها المخرج على النص التزاما بمدة عرض المسرحية التى لا تزيد على الساعة ونصف الساعة، فى حين أن النص الأصلى يستغرق وقتا يصل إلى الثلاث ساعات. المسرحية التى تعرض على مسرح الطليعة يقوم ببطولتها مجموعة من الممثلين المتميزين سواء من الوجوه المألوفة التى أمتعتنا فى أعمال كثيرة سابقة مثل: مجدى فكرى- بطل المسرحية و«عبير الطوخى»- بطلة المسرحية و«حسان العربى» ومن خلال وجوه واعدة كشفت عن موهبة حقيقية بداخلها ولها مستقبل واعد مثل «هانى النابلسى» و«مراد فكرى» و«أحمد زايد»، المسرحية تحكى عن ثورة الشعب ضد الفساد الذى يمثل أحد رموزه شخصية «الجساس» الذى يظهر مقتولا مع بداية المسرحية كإشارة إلى القضاء على الفساد، ليبدأ صراع أهل القرية جميعهم فى محاولة للاعتراف على أنفسهم- أثناء التحقيقات- والادعاء بأن كل واحد منهم هو قاتل «الجساس»، الشعب الذى يمثله أهل القرية عددوا مساوئ النظام الفاسد الذى يمثله «الجساس» خلال تعليلهم لأسباب القتل، ف«مرة- من المرارة- والتى تؤدى دورها «عبير الطوخى» أعلنت أنها قتلته لأنه قتل أباها وأخاها «وهمام» الذى يقوم بدوره «عبدالله الشرقاوى» قال إنه قتله بعد أن تحرش بزوجته و«الحانوتى» الذى أدى دوره «ناجح نعيم» قتله لأنه «بتاع نسوان» و«بيجيب مزز»، حتى الغازية التى تؤدى دورها «نهاد سعيد» اعترفت أنها قتلته بعد ما قتل زوجها طمعا فيها. - على حد تعبيره فى المسرحية- «غندور»- أحد شباب القرية الوطنيين- الذى يؤدى دوره «مراد فكرى» قتله لأنه دمر القرية ودمر شخصية أبناء القرية وهو ما فعله مبارك وأعوانه فى مصر وأهل مصر، ورغم أن المسرحية كتبت عام 1973 فإن ما جاء فيها يصلح لكل العصور طالما أن بها فسادا، وما جاء فى المسرحية كأنه يحكى عن الواقع الذى نعيش، وكما تاهت الحقيقة بين كل أطياف المجتمع ولم يتم التوصل حتى الآن للأب الشرعى للثورة، تاهت خيوط القضية بين يدى المحقق الذى قام بدوره المتميز وصاحب الحضور الرائع «مجدى فكرى» الذى ظهر أداؤه كخليط بين الجدية والوطنية وروح الدعابة وخفة الظل والدهاء إلى أن وصل الأمر فى النهاية لأن يحذو حذوهم ويقفز على الثورة ويدعى أنه هو الآخر الذى قتل «الجساس» لتظل الحقيقة غائبة تائهة طالما أن الثورة لم تكتمل بعد ومازالت ملامحها لم تتضح بعد وأهدافها لم تتحقق بعد!! السخرية من جماعة الإخوان المسلمين كانت فى المسرحية على أشدها وخرج الحوار مليئا بالعبارات التى تستهزئ بهم ومن تصرفاتهم وتصريحاتهم، فعلى سبيل المثال أحد الممثلين قال إنه مصاب «بذقون على الكبد» ويقصد «دهون على الكبد» وقال الآخر «هاتولى راجل.. أنا عايز راجل» وقال ثالث: اللى هايعترف إنه قتل «الجساس» «هايدوله قزازة زيت وكيس سكر»، بينما بدأ المحقق الذى لعب دوره «مجدى فكرى» كلامه ب«أهلى وعشيرتى» بينما قال آخر: كل واحد ياخد عياله ويلبسوا قطونيل ويقعدوا فى البلكونة. العرض ينتقد القصور الخدمى الشديد الموجود فى قرى ونجوع مصر التى غابت عنها الخدمات لسنوات طويلة ومازالت تعيش نفس المعاناة. ديكور المسرحية كان شديد الاتساق مع الثورة، خاصة صور الشهداء التى امتلأت بها أركان المسرح وعلى الجدران، كذلك شعارات الهلال مع الصليب التى تؤكد أن الشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه نسيج واحد، كذلك الموسيقى التصويرية وأغنية «سنة أولى مدرسة» التى جاءت معبرة عن الموقف وكانت شديدة الشجن وهى من كلمات «كوثرمصطفى» وكما يقولون «الشاطرة تغزل برجل حمار» نجح مصمم الاستعراضات «عزت أبوسنة» فى الاستعانة بكومبارس من المسرحية ودربهم كراقصين لأداء بعض الحركات التعبيرية للتخديم على بعض المشاهد وذلك لعدم وجود ميزانية تمكنه من الاستعانة براقصين محترفين. المسرحية فى النهاية تؤكد أن الثورة مستمرة مهما كان حجم القفز عليها، ولكن الإنذار الأخير الذى وجهه العرض للجمهور جاء على لسان بطل المسرحية «مجدى فكرى: ممنوع من السفر.. من الغنا.. من الكلام.. من الاستياء.. وكل يوم فى حبك يا مصر.. تزيد الممنوعات».