فى محاولة غير مبررة بالمرة، تخطط عناصر إخوانية للخروج من الأزمة والمواجهات الدامية بين المؤيدين والمعارضين لمرسى بجر الكنيسة إلى المشهد، وإسقاط الأبعاد الطائفية على الأحداث رغم أنها بعيدة عن ذلك، وكأنهم يريدون معاقبة الأقباط على موقفهم من الأزمة وإشعالها أكثر وأكثر، لكن فى المقابل رفضت الكنيسة هذه المحاولات وهاجمت التحريض الطائفى ضد الكنيسة فى قناة الإخوان بدعاوى أن الكنائس تحولت لمخازن أسلحة وأغلب مظاهرات المعارضين من الأقباط، حتى إن مليشيات الإخوان كانوا يكشفون كثيرا أن يعتقلوهم ليعرفوا إن كان مسلما أو مسيحيا من صليبه!.. «مصر 25»، والقنوات الإسلامية فيما استمر البابا تواضروس الثانى على طريق البابا الراحل شنودة رغم أنه معروف داخل الكنيسة بأنه «ثورجى»، رافضا التدخل فى أى موقف يتخذه الأقباط بشكل شخصى تجاه الأزمة الطاحنة الآن، وسط فرحة مسيحية باستقالة «رفيق حبيب» نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ومساعد مرسى فى ضربة جديدة من المسيحيين بعد استقالة «سمير مرقص» مستشار مرسى فى بداية الأحداث!
البابا تواضروس
«اذهب إلى النملة أيها الكسلان تأمل طرقها وكن حكيما»، بهذه الآية فى أمثال سليمان «6» بدأ البابا تواضروس الثانى رسالته للمصريين فى هذه الأزمة حتى لا يكون كسلهم سببا فى خراب جديد، مؤكدا أن مصر وطن كبير لا يستطيع فصيل سياسى أن يملكه وحده، وقال: إنه فى الحقيقة أننا نعيش أياما عصيبة وهذه الأوقات تحتاج إلى كل حكمة ومعونة إلهية لكى ما يقتدر حكيم فى كل تصرف ونحن نصلى بعمق من أجل سلامة البلاد والمواطنين وسلامة حياتنا الاجتماعية لأن شعب وادى النيل هو محب للسلام، مضيفا إن التعبير عن الرأى لابد أن يكون بطريقة سلمية ومتحضرة وبناءة وخالية تماما من العنف، وأتمنى من المسئولين أن يتحركوا بحكمة من أجل سلامة الوطن.
البابا كان متأثرا جدا بما شهده قصر الاتحادية من مواجهات دامية والفزع الذى أصاب الأطفال والمصريين بالخارج، وقال إننى واثق أن الله يدبر لمصر الخير، هناك: وعد كتابى يقول: كل الأشياء تعمل للخير للذين يحبون الرب، مؤكدا أن ثورة يناير ليست ملكا لأحد قائلا: إن كنا أبهرنا العالم فى 25 يناير وأن الشعب كله اشترك فى هذه الثورة وبلدنا كبير وأتمنى أن الصورة دى تبقى زى ما هى.
مصادر كنسية أكدت فى تصريحات خاصة ل «روزاليوسف» أن البابا كان متابعا لحظة بلحظة كل مجريات الأحداث من داخل قلايته الخاصة عن طريق رصد كل القنوات الإخبارية العربية والأجنبية، مشيرا إلى أنه كل ساعة يقوم بالصلاة حتى تمر هذه الأحداث بخير دون أن تسيل دماء المصريين أكثر من ذلك، وأشارت المصادر إلى أن البابا عبر بصدق عن رغبته فى عدم وصايته على الأقباط، بحيث يكون لديهم كامل الحرية والاختيار بين المشاركة فى المليونيات من عدمه وكذلك بالنسبة للاستفتاء.
تزامن ذلك مع الهجوم الطائفى الذى تشنه قناة «مصر 25» التابعة للإخوان المسلمين ضد الكنيسة والأقباط وتوجه لهم اتهامات صريحة بأنهم وراء هذه الأحداث وتحرض على الفوضى، فيما رفض المستشار أمير رمزى المقرب للبابا أن «سمير مرقص» مستشار الرئيس المستقيل أبلغه بهذا الهجوم والذى وصل إلى تهديدات وصفها بالسخيفة والوقحة وقال: إن هذه تهديدات غريبة من نوعها وجديدة فى إعلامنا، وهذا الأسلوب الهدف منه افتعال أزمة جديدة طائفية تسحب الإعلام والضغط الشعبى إلى أسوار الكنيسة كنوع من الألعاب السياسية الفاسدة لتقليل حجم الأزمة والأحداث التى شهدها قصر الاتحادية، علما بأن الكنيسة ليست طرفا فى شىء ومن حقها الانسحاب من دستور صنع للدكتاتورية ونظام الحكم الفاسد، كاشفا عن لجوء الكنيسة لرفع عدد من الدعاوى القضائية ضد هذه القناة بتهم التحريض ونشر ادعاءات كاذبة.
فيما قال الأنبا «رافئيل» سكرتير عام المجمع المقدس والرجل الثانى فى الكنيسة إن الكنائس الثلاث أصرت على الانسحاب من التأسيسية بعد وجود إصرار على تجاهل بعض طلباتها فضلا عن وجود بعض المواد بالدستور تعمق الدولة الدينية وبالتالى لن نسمح لدستور مصر أن يكون دينيا، وأشار الأنبا إلى أن الشباب القبطى يفهم جيدا كل ما يدور من حوله سياسيا واجتماعيا وقال: «لا وصاية على الشباب ولكن من حق الكنيسة وواجبها توجيه رعاياها دون التحكم فى رغبتهم».
أما الأنبا بسنتى أسقف حلوان والمعصرة، فقال «إن الكنائس الثلاث الأرثوذكسية، والإنجيلية، والكاثوليكية، ستتخذ موقفا موحدا من الاستفتاء، سواء بالمشاركة أو المقاطعة، يتماشى مع الديمقراطية، مشيرا إلى أن المخرج من حالة الاستقطاب الحالية، هو تحكيم المصلحة الوطنية لكل مواطن من جميع الأطراف السياسية».
فى الوقت ذاته أطلقت صفحات عدد من أساقفة الكنيسة، على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، استطلاع رأى للأقباط لمعرفة رأيهم إذا ما شاركوا فى الاستفتاء، وأن الكنيسة ترغب فى معرفة رأيهم وتوصيله إلى البابا تواضروس الثانى للمعرفة فقط.
وفى مفاجأة كشفها عدد من المنظمات والحركات القبطية، مثل حركة «أقباط من أجل مصر» عن سعى الرئيس مرسى إلى وساطة أمريكا بينه وبين القوى المعارضة له، لتهدئة الأوضاع الداخلية، كرد الجميل على نجاحه فى تحقيق الهدنة بين حركة حماس وإسرائيل، وأن تعليمات صدرت من الإدارة الأمريكية لسفارتها بالقاهرة بالعمل على ذلك، الأمر الذى طبق على أرض الواقع عبر زيارات السفيرة الأمريكية لدى القاهرة، آن باترسون، إلى مقرات الأحزاب السياسية المعارضة ولقائها قادة جبهة الإنقاذ الوطنى المعارضة للرئيس خلال الأيام الأخيرة!
وكانت مسيرات حاشدة للأقباط قد شاركت فى المليونيات الرافضة للدستور، من أبرزها مسيرة «دوران شبرا» وتصدرها عدد كبير من القبطيات المتشحات بالسواد، فضلا عن مشاركة حركات «اتحاد شباب ماسبيرو» و«أقباط بلا قيود» و«أقباط من أجل مصر» و«ائتلاف أقباط مصر».
وكان للكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة دور كبير فى فتح أبوابها للمتظاهرين المصابين للعلاج بداخلها من خلال توفير طاقم من الأطباء، حيث وفرت الكنيسة عددا من الأدوية الخاصة رغم أن هناك رموزا للإسلاميين يتهمونها بأنها تحولت لمخزن أسلحة للبلطجية، وأكد القس «أندريه زكى»، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية ومدير عام الهيئة القبطية الإنجيلية، أن الكنيسة ليست طرفا فى السجال السياسى الدائر حاليا بين التيارات الليبرالية والإسلامية، لافتا إلى أن الكنيسة تنشغل بالسياسة، لكنها لا تعمل بها، وأضاف زكى أن الكنيسة لن تفرض رأيا على الأقباط فى سياق المشاركة أو المقاطعة للاستفتاء على الدستور.
قال القس رفعت فكرى راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف إن الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة الشاهدة على الأحداث التى جرت فى محيط الميدان تدعو الأقباط للصوم والصلاة من أجل مصر وسلامها، لافتا إلى أن الصوم على أشده، وأضاف فكرى أن الكنيسة أطلقت هذه الدعوة للحفاظ على مصر من الإرهاب والعنف خلال الأيام المقبلة.
وبالنسبة للكنيسة الكاثوليكية نفى الأب «رفيق جريش»، المستشار الصحفى للكنيسة الكاثوليكية، توجيه الكنيسة لأبنائها بمقاطعة الاستفتاء، مشيرا إلى أن الحرية مكفولة للجميع باعتبار أن الكنيسة لا تفرض شيئا على أبنائها، وأعرب جريش عن أمله فى الوصول إلى توافق وطنى قبل الاستفتاء منعا لتفاقم حالة الاستقطاب الحالية، مؤكدا أن الكنائس انسحبت من الجمعية التأسيسية ورفضت حضور جلسة تسليم الدستور للرئيس لكنها فى النهاية لا توجه رعاياها وتترك لهم حرية الاختيار.
بينما خرج عدد من الحركات القبطية التابعة لأقباط المهجر بالولايات المتحدةالأمريكية فى مسيرة حاشدة من البيت الأبيض السبت الماضى، لرفض مسودة الدستور، تزامنا مع الاستفتاء فى الخارج، وقال مجدى خليل، المتحدث باسم منظمة التضامن القبطى رئيس منتدى الشرق الأوسط للحريات: «المنظمة والمنتدى وتحالف المصريين الأمريكيين بالتنسيق والتعاون مع جبهة الإنقاذ الوطنى، التى تضم الأحزاب المدنية، إننا نرفض بلطجة الإخوان وسلق دستور كارثى، وترويع القضاء والتكويش على السلطات وفرض الأمر الواقع بالقوة، ودعما لنضال الثوار فى التحرير وأمام الاتحادية وماسبيرو»، وأشار خليل إلى أن المظاهرة ستتوقف أمام البيت الأبيض لمدة 3 ساعات، تحركت بعدها عبر شوارع واشنطن إلى السفارة المصرية، واستكمال التظاهر.
وفى ضربة جديدة غير متوقعة من جانب قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة أعلن د. رفيق حبيب استقالته من عمله كمساعد للرئيس محمد مرسى ومن منصبه كنائب لرئيس حزب الحرية والعدالة.
وقال السياسى المسيحى البارز صاحب التاريخ الطويل مع الجماعة: «قررت اعتزال أى عمل سياسى والانسحاب من أى دور سياسى الآن ومستقبلا بما فى ذلك الانسحاب من أى دور فى مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة مكتفيا بدورى الأصلى كباحث ومحلل سياسى.
وقالت مصادر مسيحية إن استقالة حبيب تدل على أن الإخوان دخلوا حالة انهيار لن تتوقف لو استمروا فى ردود فعلهم الحالية، مضيفا: قيادات هذه الجماعة لا تفكر إلا فى نفسها وفى تحقيق أهدافها، وأكدت المصادر المقربة من حبيب أن الاعتزال السياسى جاء بعد تفكير طويل استند إلى تجربته داخل الجماعة.
روزاليوسف اتصلت هاتفيا بحبيب لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الاعتزال السياسى واستقالته، إلا أنه رفض معلقا: «أنا استقلت واعتزلت وأتابع الآن مثل أى محلل للأحداث الجارية ويكفى لى هذا الأمر».