منذ أن خاضت (لطفية النادى) تجربة قيادة طائرة عام 1933 لتصبح ثانى قائدة طيران فى العالم، أصبح من المتوقع أن تستمر هذه المسيرة التى تشهد التقدم والريادة لمصر فى هذا المجال، لكن الرياح لا تأتى دائما بما تشتهى الَّسفن، فبالرغم من أننا الآن فى عام 2012 إلا أن عدد قائدات الطائرات من المصريات لا يزيد على 15 فقط ! مما يدل على تراجع ما بدأته لطفية النادى منذ ما يقرب من الثمانين عاما.
كابتن سارة عبداللطيف - مساعد طيار على طيران (إيرباص 320) : دخلت المجال منذ خمس سنوات بعد أن درست فى كلية الألسن جامعة عين شمس ثم درست الطيران بكلية الطيران، استمر كورس الطيران مدة سنة ونصف السنة حتى أصبحت كابتن مساعد طيران واحترفت المهنة،تقول: إنها لم تلق أى صعوبات لاحتراف مهنة الطيران، كل ما كانت تلاحظه هو قلة عدد الفتيات المتقدمات للدراسة بهذا المجال، أحيانا لا يتجاوز عددهن 4 فتيات فقط فى الدفعة كلها وعندما يمررن على اختبارات الطيران تكون اختبارات مشددة جدا، فينتهى العدد إلى فتاة أو فتاتين،وأرجعت سارة عدم إقبال الفتيات على هذه المهنة بسبب ظروف الطيران وما يتطلبه من سفر دائم، والأسر المصرية ترفض تشجيع الفتاة لأنهم غير متفهمين لطبيعة العمل..أما عن ردود أفعال الركاب فتقول:
لم أجد سوى كل تقدير من الركاب، حتى إن بعضهم يطلبون التصوير معى خاصة الأجانب ويشعرون بالفرح الشديد لرؤية الكابتن سيدة. وتعلق سارة على موضوع الحجاب الذى كانت تنادى به المضيفات.. وتقول : الطيارات لم يطلبن ارتداء الحجاب، فقط المضيفات هن من طالبن بذلك، وبالفعل سمحوا لهن بذلك حتى الآن لكن الطيارين لم يسمحوا لنا لكن إذا سمحوا لنا فلماذا لا؟ ! ولعدم تشويه المظهر المتناسق للطيارات بعد ارتدائهن للحجاب تفضل سارة أن يجعلوا للحجاب شكلا موحدا (سكارف) مثلا مثل خطوط الطيران الإماراتية حتى لا يسىء للمظهر المتناسق للطيارة الذى يضرب المثل به فى الأناقة والرقى.
إن الطيارات المصريات متميزات ويخضن تمارين أصعب وأكثر تميزا من أى جنسيات أخرى ولذلك نجد أى شركة أجنبية تطالبنا أن نعمل معها.
من التجاهل الإعلامى الذى يشهده الطيار المصرى عموما سواء كان رجلاً أو سيدة أفكر كثيرا فى هذا الموضوع، فنحن نتمنى أن نظهر للإعلام المصرى وأن نجد اهتماما بنا، فالكثير يتفاجأون عندما يعرفون أننى طيارة وأن هناك كباتن سيدات فى مصر،ويظنون أن الرجال فقط هم المسموح لهم بقيادة الطائرة!
أما كابتن نهى عبدالرحمن فهى أول سيدة فى مصر والوطن العربى تقود طائرة ركاب وتحترف قيادة الطائرة كعمل تقطع فيه آلاف الأميال، إنها كانت البنت الوحيدة فى دفعتها بمعهد الطيران المدنى.. وتقول : كان وجودى فى الدفعة شيئا جديدا على المعهد، فكنت طوال الوقت شبه مراقبة وكل شىء أقوم به ملحوظ، إذا قام أى شخص بارتكاب خطأ أو تجاوز يمرر له الموقف أما أنا فلا، فكنت أبذل مجهوداً أكثر حتى لا أرتكب أخطاء لكونى مختلفة والبنت الوحيدة فى الدفعة.
وأعتقد أن عدد كباتن الطيران المصريات، يتزايد لكن لا توجد دعاية، والفكرة ليست فى العدد إنما فى مهارة من تتقدم لامتهان الطيران ومدى التزامها بقواعد المهنة وحبها لها، فهى مهنة قاسية وليست سهلة على الإطلاق.مثلما توجد إيجابيات، توجد أيضا سلبيات مثل عدم استمتاعنا بالإجازات والأعياد الرسمية وعدم انتظام مواعيد نومنا ووجباتنا، فمن الممكن أن نتناول الغداء 4 فجرا، كل هذه فواتير نحن من اخترنا أن ندفعها مقابل حبنا للطيران ونحن من اخترنا هذا الطريق، فعلينا تقبله ونتحمله بمزاياه وعيوبه..
توجد احتياطات أمنية كثيرة فلا نتحدث مع الركاب إلا عند الوصول لتفادى أى تجاوزات من قبل الراكب، لكن توجد مواقف طريفة مثل ذاك الموقف الذى قابلت فيه رجلا كبيرا فى السن قال لى (أنا طول حياتى لم أوافق على ركوب سيارة تقودها سيدة، فعلى آخر الزمن أركب طيارة تقودها سيدة) فقلت له (شوفت ربنا عمل فيك إيه) قالى ( أنا سعيد بيكى جدا) وصمم أنه عند العودة يعود فى رحلتى.
مرة أخرى مع راكب سعودى سمعته يقول لصديقه (مش قولتلك أن الكابتن حُرمة) علمت منهما أنهم كانا متراهنين طوال الرحلة على ذلك معتبرين أن اسم (نهى) يمكن أن يكون لرجل أيضا.
إن القدرات والإمكانيات والوقت والأموال والظروف هى من تفرض على الفتاة عدم إقبالها على المهنة، وأنا أحترم ذلك فمعرفة ووضوح الشخصية مع نفسه يجنبه الكثير من تجارب الفشل.
والنظام الحالى لا يستطيع إبعادنا عن المهنة التى نبذل فيهاأقصى جهدنا ولا نستطيع التنفس بدونها، فبعبع التيارات الإسلامية لا يخيفنى.. وكما هو معروف فالحجاب حرية شخصية ونتمنى السماح بارتدائه مادام لن يعوق الكابتن التى ترغب فى ارتدائه بالقيام بعملها لأن الحجاب بالمعنى المصرى هو تغطية الشعر، فكيفية تغطية الشعر هذه ترجع للقانون، فأنا مع القانون ولا أحب (شغل العافية) فلو طلب طريقة معينة لارتداء الحجاب سأقبلها وإذا رفضتها ولم أحترم القانون إذن البيت هو مكانى، أهم شىء أن يكون بشكل قانونى ومتفقاً عليه وليس عافية سواء منى أو من صاحب الشغل.
(هبة درويش) كابتن أخرى تقول: أصعب مراحل الطيران هى لحظة الإقلاع، يكون خزان الوقود ممتلئا عن آخره وحمولة الطائرة ثقيلة وأى خطأ قد يعرض الطائرة لكارثة وفى لحظة الهبوط تلعب الجاذبية الأرضية دورا كبيرا فى ارتطام الطائرة بالأرض، وعلى الطيار الهبوط بهدوء حتى لا يشعر الركاب بهذا الارتطام وتكمن المهارة الحقيقية للطيار فى الوصول بسلام بالطائرة إلى البلد المتجه إليه أو العائد منه وألا يشعر الركاب طوال الرحلة بأى قلق أثناء التحليق فى الجو حيال الطقس أو ما يسمى بالمطبات الهوائية.
معظم الطيارين الأجانب يقومون بهبوط عنيف بعض الشىء على عكس الطيار المصرى المعروف عنه الهبوط الهادئ والمتأنى، ولهذا يقوم بعض الركاب أحيانا بالتصفيق للكابتن بعد الهبوط لأن لحظة الهبوط من اللحظات التى يمكن أن تكون عنيفة.
ومن اللحظات الصعبة أيضا اللحظات الليلية التى تكون فيها الليلة غير قمرية والسماء مظلمة تماما خصوصا لو كان ذلك فى يوم ممطر والسماء مليئة بالسحب، حيث يجب أن أدرس اتجاه الرياح جيدا وحجم السحب حتى آخذ القرار الصائب بشأن المرور فيها وقد تضطرنى هذه الظروف المناخية إلى تغيير مسار الرحلة وهو ما يشكل العبء الأكبر عليها حيث تزيد مدة الطيران.