كل المصريين.. باستثناء طبعا من يخفون الأدلة فى قضايا الثورة، يترقبون الأدلة الجديدة التى ستكشفها لجنة تقصى الحقائق عن أحداث الثورة ومنها «موقعة الجمل» خلال الأيام القليلة المقبلة، ويتمنون إعادة محاكمة المتهمين فى قضية موقعة الجمل بعد إضافة الأسماء التى يدور الحديث عنها على ألسنة قيادات اللجنة ومنها عناصر بارزة على الساحة السياسية الآن.. لكن فى الوقت الذى يستمر فيه التعتيم على أعمال اللجنة تحمل القوى الثورية «مرسى» بصفته رئيس الجمهورية مسئولية الكشف عن الأدلة وحل لغز إخفائها. بينما يرد الإخوان بأن النائب العام يعد المسئول الوحيد عن الكشف عن هذه الأدلة لا الرئيس.. رغم أنه رئيس الجمهورية ووعد بذلك فى برنامجه الانتخابى، فهل يتوقف مهرجان البراءة للجميع وفق ما أسمته حركة 6 أبريل التى حملت فيه الرئيس مسئولية تقديم الأدلة الدامغة فى قضايا الثورة كلها لا قضية موقعة الجمل فقط، وإعلان تعديل تشريعى لإقالة النائب العام أو الضغط عليه لتقديم استقالته. كل هذا الجدل بين الأطراف المتناحرة حول ملف الأدلة لا يتوقف فى وقت لا يعرف المصريون الإجابة الحقيقية لسؤال: أين الأدلة ومن أخفاها وهل ستظهر؟.. خاصة أن مصر تاريخيا معروفة بأنها «دولة الأسرار»، فلا تظهر أى حقيقة كاملة لأى حدث محورى فى تاريخ مصر من حريق القاهرة الشهير وأجواء ثورة 52 وثورة 25 يناير وحتى النكسة وحقيقة مقتل عبدالحكيم عامر وغيرها من القضايا.. والغريب أن هناك وثائق كشفتها أجهزة مخابرات غربية عن بعض هذه الأحداث بينما لاتزال فى غاية السرية على المستوى المصرى، تاركة الماضى للاجتهاد والقيل والقال.. فهل يستمر هذا الغموض؟! وكأننا فى عملية تشبه «تفييش الهوامش» فى فيلم «العار» الشهير!
فى هذا السياق شن عدد من القوى السياسية هجوما عنيفا على منظومة العدالة المصرية واتهموها بأنها متعمدة إخفاء الأدلة التى تدين الفاعلين الحقيقيين للجرائم التى حدثت منذ الثورة بداية بواقعة فتح السجون وحالة الانفلات الأمنى وانتهاء بأحداث ميدان التحرير الأخيرة فى جمعة محاسبة الرئيس، واصفين قرار الرئيس الأخير بإقالة النائب العام بأنه مجرد «زوبعة فى فنجان». وكان غريبا إعلان عدد من المحامين عن تقديم بلاغ إلى المستشار عدنان الفنجرى الذى وصفوه بأنه القائم بأعمال النائب العام ضد المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام يتهمونه فيه بالتستر على رموز النظام السابق فى قضايا فساد وإخفاء الأدلة التى تدين النظام الفاسد! وأكد رمضان عبدالحميد الأقصرى المنسق العام لما يسمى بجبهة الإنقاذ المصرى وهو ضمن مقدمى البلاغ أن النائب العام تستر على قضايا فساد النظام السابق فى قتل الثوار فى أحداث ثورة 25 يناير المجيدة وجمعة الغضب وموقعة الجمل يومى 2 و3 فبراير ومحمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو ومجزرة بورسعيد. فيما رد من ناحيته رفعت السعيد - رئيس حزب التجمع - بأن اختفاء الأدلة فى التحقيقات كان يمكن أن يكون مقبولا فترة انهيار الأمن، ويضيف: «أنا لا أصدق أن مرسى وعصام العريان لا يعرفان من أطلق المساجين، ومن فتح أبواب السجون لهروب المساجين أثناء ثورة يناير، كما أن الرئيس على علم بالشخص الذى ذهب إلى المطبعة الأميرية، وقام بوضع علامات على اسم مرسى، فلجنة الانتخابات اعترفت أن هناك بطاقات معلمة، ولكنها لم تؤثر على النتيجة وفق كلامها»! بينما يقول د.أحمد أبوبركة -القيادى الإخوانى والمستشار القانونى لحزب الحرية والعدالة - إن هناك أزمة فى منظومة العدالة فى مصر، فهى منظومة عاشت فى ظل حكم استبدادى، رغم المليارات التى ينفقها المجتمع على هذه المنظومة، مشيرا إلى أن سلطات الاتهام وجمع الأدلة تعانى وهنا شديدا وقصورا فى عملها فى جمع الأدلة. أبوبركة قال إن هذه الهيئات تحتاج إلى تغييرات حقيقية فى دعم المجتمع للوصول إلى الحقيقة، فهم يتقاضون رواتب أضعاف رواتب الهيئات الحكومية، ولايحققون، العدالة، فمازال المجتمع يغدق عليهم العطايا، فالمشكلة ليست فى شخص النائب العام، ولكن فى بنية منظومة العدالة بوجه عام. ويوضح أن إخفاء الأدلة مسألة متعمدة واعتادت العمل فى ظل نظام فاسد دام لما يقرب من الستين عاما منذ 1952 بداية من جمال عبدالناصر، مرورا بعهد السادات، وانتهاء بعصر مبارك، ويؤكد أنه من المستحيل أن يحصل المجتمع المصرى على عدالة بدون منظومة سليمة، فالمشكلة لا تكمن فى سقوط نظام مبارك ولكن تكمن فى ماذا سنفعل غدا؟! فنحن نحتاج إلى ثورة فى منظومة العدالة، المحاكم، جهات التحقيق وجهات البحث، فالنظام السابق أبقى لمصر العديد من الأمور التى تحتاج إلى إصلاح منها منظومة العدالة. بينما يرى مايكل منير - رئيس حزب الحياة - أن لجنة تقصى الحقائق لجنة ليس لها دور فعال، وليست وسيلة حقيقية للكشف عن الأدلة الغائبة، بدليل أن هناك قضايا كثيرة لم تحسم حتى الآن، فهى لم تحل أى قضية أو مشكلة لأنها تفتقر للبحث بدقة وقوة عن الأدلة، مشيرا إلى أن قضية موقعة الجمل ضمت أدلة متضاربة وهى التى أثبتت فشل هذه اللجنة التى تعتمد على تحريات ملفقة وأخطاء قانونية لا يعاقب المتسبب فيها دائما. وأرجع مايكل فشل لجنة تقصى الحقائق إلى الأدلة الجنائية التى دائما ما تبنى على تحريات المباحث ووزارة الداخلية. وعلى صعيد آخر، المستشار فكرى خروب رئيس محكمة جنايات الإسكندرية قال إن الأوراق التى تقدمها النيابة العامة مصطنعة وغير دقيقة وتنفى أى تهمة عن نفسها وتلقى باللوم على وزارة الداخلية دون معاقبة المتسبب أو حتى الكشف عن اسمه ومدى تقصيره، مؤكدا أن التقصير فى بيان الأدلة أو إخفائها يقع على عاتق النيابة العامة فهى المتهم الأول فى التقصير والتستر على الأدلة وكذلك من يشوه الأدلة أو يساعد متهما على الهروب من العقاب على جريمته خاصة وأن تحريات النيابة ليست قاطعة بالمقارنة بينها وبين القرائن فى القضية، كما أن النيابة متهمة بالتقصير فى عدم محاسبة من أهمل أو أضاع الدليل أو أخفى متهما خاصة أن النيابة تملك سلطة تحريك الدعوى ضد المقصرين وعقابهم. وأضاف أن لجنة تقصى الحقائق لاتمثل سلطة حكم ولاتعبر عن القضاء فهى عبارة عن لجنة سياسية تحاول الوصول سياسيا وجنائيا للجانى ولكنها لا تملك المحاسبة وتوجيه السؤال للجناة، كما أن تقريرها غير ملزم لأى جهة. وأكد أن هذه النوعية من اللجان قصرت فى حق المواطن المصرى لأنها لم تعطه حقه فى المعرفة لما وصلت إليه اللجنة والأدلة التى حصلت عليها، مشيرا إلى أن هذه التقارير الخاصة بلجنة تقصى الحقائق تنشر فى الجريدة الرسمية وهذا مالانراه نحن القضاة ونجتهد من أجل الحصول على الجريدة، ولكن اللجنة من المفترض أن تعلن عما وصلت إليه فى نهاية عملها للتعامل بشفافية مع المواطن والمجتمع المصرى. وأضاف: إن القاضى الجنائى لا يوجد شىء يقيده حيث إن لديه سلطات كثيرة غير المستندات والأدلة التى يحصل عليها من النيابة العامة وفى النهاية يحكم بما يستقر فى يقينه ووجدانه فهو لديه سلطة مطلقة ويستطيع استخدام جميع الوسائل للوصول إلى الحقيقة وتحرى الدقة كما أنه لا يوجد أحد يراجع عليه إلا محكمة ثانى درجة والقاضى متهم بالتقصير أيضا فى بعض الأحيان لأنه لم يستخدم سلطاته المخولة له.