فى مطلع القانون رقم 15 من قوانين مجمع نيقية المسكونى قال ال 318 أسقفاً سنة 325 أن انتقال أسقف من إيبارشيته مُخالف للقانون الرسولى (يقصدون رقم 14). ولم يكن ال 318 أسقفاً محتاجين لترجمة من اليونانية لأن لغتهم الأم كانت هى اليونانية، وكانوا مُتبحِّرين فى فقه اللغة اليونانية وفى آدابها وفى كتابات أدبائها وشعرائها وفقهائها القدامى، فلم يكونوا محتاجين لمن يترجم لهم قراراتهم وقوانينهم. فهكذا كتبوا القانون رقم 15: «إنه بسبب ما ينشأ من الخلاف والتشويش البالغين قد استحسنَّا منع العادة المخالفة للقانون الرسولى (يقصد القانون رقم 14) التى شاعت فى بعض الأماكن، فلا يُسمح بعد الآن لأسقف أو قس أو شماس أن ينتقل من مدينة إلى أخرى. وإذا حاول أحد الإكليروس، بعد صدور أمر المجمع هذا، القيام بعمل من هذا النوع وأصرَّ على المخالفة فكل ما يقوم به يُعدُّ لغواً باطلاً، وأما هو فيجب أن يعود إلى الكنيسة التى أختير لخدمتها أسقفاً كان أو قساً».
هذا نكتبه رداً على الأخ المكرَّس مدحت محروس فى الرد على أحد الكُتَّاب «الأستاذ د. مينا بديع عبد الملك» الذى كتبه فى العدد الماضى رقم 4391 صفحة 57 , 56 وقد أورد اسمنا بصيغة الغائب مُردِّداً مرة أخرى وبالعنوان بالبنط الأحمر الغليظ «قوانين الرسل تُعطى الحق للأساقفة فى الترشح للباباوية» مستنداً إلى ترجمة باليونانية فى القرن الحادى والعشرين. وكأن آباء مجمع نيقية منذ 17 قرناً كانوا مخدوعين فى قراءتهم وفهمهم لقوانين الرسل الأطهار. وهذا أمر خطير ومؤسف التشكيك فى كتابات وقوانين آباء الكنيسة الأبرار وعلى رأسهم آباء المجامع المسكونية الثلاثة وعلى الأخص المجمع المسكونى الأول بنيقية سنة 325م الذى وضع قانون الإيمان المسيحى وقوانين تدبير الكنيسة المقدسة - التى تُعتبر جنباً إلى جنب مع الإنجيل المقدس والتقليد الرسولى وكتابات الآباء الأرثوذكسيين - تُعتبر على مدى العصور كلها وليس فى عصرهم فقط هى الميزان والمقياس للأرثوذكسية، لذلك فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ترتكز فى تعليمها وتدبيرها الكنسى والروحى على هذا المقياس والميزان فى الحكم على الأفكار والتعاليم والسلوك فى الكنيسة من طرف أى شخص من الإكليروس أولاً، ومن الشعب المسيحى، لذلك فأى تشكيك فى هذا المقياس والميزان أمر يمس الأرثوذكسية والكنيسة القبطية فى الصميم.
فى بداية الرد المشار إليه يقطع الكاتب «الشماس المُكرَّس» بأن «كل المعارضين» «يتخذون موقفاً شخصياً من شخص بعَينه». وهذا غير صحيح لأننا لم نذكر لا اسم شخص ولا عارضنا شخصاً ولكننا نذكر فقط قوانين آبائنا الرسل وآباء المجامع المسكونية وكتابات الآباء الأبرار كمقياس وميزان للكنيسة كلها.
فى العمود الرابع، الأخ المكرس يلوم الشخص الذى يرد عليه ويقول له: «تؤيد ما كتبه الأستاذ عزت ناجى أرمانيوس لتظهر اتحادك مع كل من يهاجم» ولم يذكر يهاجم مَنْ أو يهاجم ماذا. ونحن لا نهاجم أحداً ولا شيئا، بل نلقى الضوء على تعليم المسيح وقوانين الآباء الرسل وآباء المجامع المسكونية وتعليم آباء الكنيسة بخصوص الحَدَث المهم الذى ننتظره جميعنا وهو: البابا الجديد. ومن لا يعجبه ولا يوافقه أياً من هذه التعاليم فعليه أن يواجه قائلها أو كاتبها أو مُقرِّرها وليس يواجهنا نحن. فنحن لسنا سوى ناقلين عن الوثائق القديمة للكنيسة.
فى البند (ا) يذكر «قوانين أخرى لمجامع أخرى لم يذكرها (يقصدنا نحن)». والأخ المكرس لم يذكر هو ما هى هذه القوانين! ونحن نقول إنها غير موجودة لا فى علم ولا فى عالم قوانين الكنيسة الأرثوذكسية المُعترَف بها من الكنيسة الأرثوذكسية.
البند (ج) يتكلم عن قوانين المجامع أنها تناسب فترة معيَّنة فحسب أى أنها فى نظره لا تناسب فترات أخرى ومنها القرن الحادى والعشرين، وهذا غير صحيح لأن الإنجيل وقوانين الرسل وقوانين الكنيسة عموماً بمثابة جدار حصين يحاصر الخطأ البشرى الذى يمكن أن يقع فيه أى عضو فى الإكليروس على مدى الأجيال.
فلا عجب أن يكون قانون 14 للرسل وقانون 15 لمجمع نيقية يصلحان لكل العصور. ونفس وصف «الخلاف والتشويش» الواردين فى القانون 15 اللذين كانا سنة 325م مازالا موجودين منذ عام .1928 ونفس محاولة تجميع توقيعات من الشعب أو من الأساقفة لترشيح الممنوعين من الترشيح كانت موجودة أيام مجمع أنطاكية المكانى سنة 341م القانون 21 بتحريمه الانتقال: «بإرغام من الشعب أو بإلزام من الأساقفة». فقوانين الكنيسة تصلح لكل العصور طالما «ليس إنسان بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض» (أوشية الراقدين).
مرة أخرى: التلويح بالمحاكمة:
ومرة أخرى يوقع الأخ المكرَّس نفسه فى حفرة استخدام التهديد بالمحاكمة أى محاكمة الذين ينادون باحترام أرثوذكسية الكنيسة عن طريق التذكير والمناداة باحترام قوانين الكنيسة!! يبدو أنه يريد أن يُعيد العصر الذى حوكم ونُفى فيه بسبب مناداتهم بالتعليم الأرثوذكسى الآباء القديسون قديماً أيام الهرطقات الأولى: الآريوسية والنسطورية: البابا أثناسيوس الرسولى، والقديس البابا كيرلس الكبير، والقديس المعترف البابا ذيوسقوروس، والقديس يوحنا ذهبى الفم وجميع الآباء المعترفين والقديسين الذين عانوا من المحاكمات لفرض الهرطقة على الأقباط. هذا يسمَّى الآن بالإرهاب الفكرى.
أخيراً، وباعترافك فى البند الأخير: «لا نجد جدوى من الحوار»، أصبح الباب مفتوحاً أمامك للتحول إلى صفوف أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المؤمنين بالأرثوذكسية القائمة على الإنجيل وتعليم المسيح وتعليم الرسل، وبعقيدة وقوانين آباء المجامع المسكونية الثلاثة، وبحياة وسير آباء الكنيسة القديسين، وبالمناهج اللاهوتية التى بُنى عليها تعليم هؤلاء الآباء القديسين مُعلمى المسكونة الأرثوذكسيين وسلوكهم، وعلمهم اللاهوتى، ونسكهم وحياتهم الرهبانية النسكية الملتزمة بقوانين الرهبنة وتعليم آباء الرهبنة الأوائل.
بهذا تسعد أنت وتصير كتاباتك للبنيان والمنفعة للقراء جميعهم حقاً.