لأن رأس المال جبان.. وكل مستثمر يحسب كل مليم من الذى يستثمره.. وماذا سيكون العائد عليه؟ وهل سيستطيع- طبقًا لدراسة الجدوى- استكمال مشروعه أم لا؟! بدت هواجس رجال الأعمال، أكثر وضوحًا مع بدايات الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة.. بل بعد أن ظهرت مؤشرات الجولة الأولى.. من أن يأتى الصندوق برئيس ينتمى لتيار «الإسلام السياسى»، إذ بدت أيضا عملية إدارة البيزنس والاقتصاد فى هذه الحالة غامضة أمام أعينهم.. وكانت صورة «خيرت الشاطر» أمامهم طوال الوقت!
لقد وصل الخوف إلى أنه قبل بدء الجولة الثانية للانتخابات أن ردد البعض عبارات أصابتنى شخصيًا بالمفاجأة، بل قلت وهل لهذا الحد عندما عبر أحد رؤساء جمعيات المستثمرين عن ذلك بأن كل من لم يذهب لصندوق الانتخابات فى الإعادة أنه خائن للبلد.. لأنه لو كان قد ذهب فشفيق كان سينجح وآخر فى موقع مهم لإحدى جمعيات المستثمرين أيضا بعد ظهور نتيجة الجولة الأولى أنه حزين.. وهكذا فإن أحد رؤساء الغرف الصناعية عندما شعر أو كما قيلت له أنباء عن أن الفريق شفيق هو الذى سيحرز النجاح كان يتصل بأصدقائه ويهنئهم بقرب تحقيق ما يصبو له.
لكن ونحن أمام رئيس جديد يشعر بضرورة تكاتف الجميع على قلب راجل واحد، كما جاء فى خطاباته أمام جموع الشعب، وقد ظهر ذلك فى كل كلماته بل إنه أعلن صراحة عن دعم الاستثمار والصناعة والاقتصاد بصفة عامة لنحقق مصر الجديدة.. هل مازال هناك خوف وترقب؟!
المهندس محمد المهندس نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات يقول: كلنا فى حالة ترقب.. صحيح أننا لن نتوقف عن العمل ومصانعنا مستمرة، لكن مسألة زيادة معدلات الاستثمار أو النية لفتح مجالات جديدة لن تحدث حاليًا حتى تجد الأمن والأمان ونشعر أننا سنظل كما نحن، أيضا فى ظل ما تقوم به العمالة من وقفات احتجاجية وعدم مبالاة بأهمية العمل والبحث عن حقوق غير مستحقة.. وتحريض العمال لبعضهم البعض أو فى المصانع المختلفة وتعد على صاحب العمل، فهذا غير مقبول حتى لو كان صاحب العمل قد وعد بصرف حوافز ومكافآت ولم يستطع أن يحقق وعوده فى ظل الظروف الحالية بسبب انخفاض معدلات الإنتاج التى بلغت فى الفترة السابقة 50٪.. وإن كانت الآن بدأت التعافى بعد انتخاب رئيس الدولة لكن مازال هناك انخفاض بنسبة 30٪.
وقال أعتبر أن ما يحدث ليس مسئولية صاحب العمل لكن الحكومة والرئيس.. ولابد أن يخاطبوا فئات المجتمع المختلفة لبدء مرحلة جديدة والنظر للمستقبل وترك الماضى.
أيضا لابد أن يتخلى الناس عن اتهام أصحاب المصانع بالفلول وحسابهم على النظام القديم وبالتالى يقللون من النظر لأصحاب المصانع الذين هم قاطرة التنمية.
وفى هذا الإطار نحتاج لثقافة جديدة يمكن أن تلعب وسائل الإعلام دورًا مهما فيها وتغير منظومة البرامج السيئة التى نشاهدها فى برامج التوك شو بالقنوات الفضائية وقيام الضيوف بالتنقل من شاشة إلى أخرى وترديد نفس الكلام المسىء.
نحن نريد أن نتكاتف مع الرئيس المنتخب حتى تنطلق عجلة الإنتاج ويزول الخوف الذى أصابنا فى فترة الانتخابات، لأننا كغرفة فى الاتحاد كنا قد تقابلنا مع الفريق شفيق فى فترة الانتخابات وكنا نعلم أنه سيدافع عن الصناعة.
لكن إن كانت النتيجة جاءت عكس ما توقعنا فمازلنا نعمل والرئيس نشعر فيه بأن المستقبل سيكون أفضل وإن كنا حتى الآن نعمل بحذر شديد.
وفى نفس الاتجاه يقول محمد إبراهيم عضو مجلس إدارة جمعية رجال أعمال أبورواش للتنمية ورئيس إحدى شركات البتروكيماويات إن الوقت غير مناسب لاتخاذ قرار فى عمل أى توسعات استثمارية فى مصانعنا بسبب عدم وضوح الرؤية حتى الآن بالنسبة لاتجاهات الحكومة فى التشريعات الاقتصادية، أيضا عدم وجود نمو فى الطلب على المنتجات خلال العام الأخير بسبب الأوضاع التى سادت البلاد وهى سبب رئيسى لعدم اتخاذ قرار فى إضافة أى شىء للمصانع.
يحيى زلط رئيس غرفة صناعة الجلود فى اتحاد الصناعات يلتقط الخيط من زاوية أخرى وهى أننا لابد من الاعتراف بأن حزب الحرية والعدالة هو الذى يحكم مصر الآن والتجارب التى قام بها الحزب فى الاقتصاد والصناعة ونجحت ليس لها وضوح أو مؤثرة ومعظمها تجارب فى التجارة، وهذا ما يجعلنا كصناع نطلب أو نريد من يخرج لطمأنة قطاع البيزنس فى مصر لأنه لو اعتبر فى الفترة القادمة أن كل رجال الصناعة والأعمال حرامية وسرقوا البلد لن يأتى استثمار أو يستمر القائمون، ويجب أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار قرارات ويضع قواعد تختلف عما كان يحدث فى الماضى وهو أن كبار المستثمرين المحظوظين فقط الذين كان النظام السابق يلبى كل طلباتهم سيفوزون بالكعكة وستظل الصناعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمارات الصغيرة بصفة عامة دون حظ من أى دعم، وإن كانت الخطوة التى قام بها د.محمود عيسى وزير الصناعة والتجارة فى تشكيل لجنة للصناعات الصغيرة بداية على الطريق.
وأنا شخصيا كرجل صناعة لدى مشروع توسع لمصانعى فى العاشر من رمضان بعد المصانع التى أقمتها فى أبورواش.. لكنى أخذت قرارا بالتوقف الآن عن إقامة هذه التوسعات لحين معرفة ماذا سيحدث فى المستقبل وما هى النهضة التى ستحدث فى الصناعة، وما الذى سأستفيد فيه، وفى قطاع الجلود نجد أن 90٪ من المستثمرين ينتظرون ماذا سيحدث.
إيهاب درياس رئيس المجلس التصديرى للأثاث وصاحب أحد أكبر مصانع الأثاث المودرن فى مصر يؤكد أن حالة الاستقرار لدى المستثمرين كانت قد بدأت فعلاً خلال 48 ساعة من تولى الرئيس مرسى لكن عدم تشكيل الحكومة حتى الآن أو الإعلان حتى عن اسم رئيس الحكومة وعمليات التسخين التى تقوم بها القنوات الفضائية تشعرنا الآن بالقلق الشديد، خاصة أن كل الوزراء لم يجرؤ أحد منهم على اتخاذ أى قرارات أو التوقيع على أى ورقة، وبالتالى رجعنا للمرحلة الانتقالية، شخصيا وعلى مستوى القطاع الخاص لا أستطيع القيام بأى مشروع جديد كتوسعات، فقد توقفت فعلا عن تنفيذ 8 أفكار لمشروعات منها البدء بعمل اسم جديد «براند» وافتتاح محلات جديدة باستثمارات 3 ملايين جنيه كانت ستزيد العمالة فى مشروعاتى بنسبة 25٪، رغم أننى لست من أصحاب الاستثمارات المتضخمة، من المؤكد أن هذا ينطبق على الجميع، فما بالنا بالكبار الذين إذا قاموا بإنشاء توسعاتهم ستزيد معدلات فرص العمل بنسبة كبيرة ونحن أحوج ما نكون لذلك.
وأتخيل إذا قام د.مرسى رئيس الجمهورية بعمل مؤتمر صحفى فى مدينة شرم الشيخ ماذا سيحدث، أنا متأكد أن 25٪ من الاقتصاد المصرى سيتحرك للأمام سريعا وتزيد الإشغالات والصناعات المغذية للسياحة كغذاء، ومفروشات وغيرها.
مدحت القيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصرية البولندية يؤكد أنه حتى يتم الاستقرار ووجود قاعدة ثابتة للاستثمار فى مصر سيظل قرار التوسع والاستثمار متوقفا، وحتى زيارة المستثمر الأجنبى للخوف من الأمن، وكذلك نجد أن المستثمر الأجنبى الآن يرغب فى الشراكة مع المصرى حتى يطمئن لاستمرار مشروعه ويجد من يدافع عنه.
عادل العزبى نائب رئيس الشعبة العامة للمستثمرين بالاتحاد العام للغرف التجارية يؤكد أنه بصفة مبدئية أيا كان النظام السياسى الحاكم هل هذا سيكون مانعا للمجتمع والناس أن تأكل وتشرب وتلبس وتمارس حياتها وتطلب تغطية احتياجاتها من المنتجات على مختلف أنواعها سواء كانت زراعية أو صناعية أو خدمية.. الإجابة بالقطع لا، فدائمًا الحياة ستستمر فى ظل أى نظام وبالعودة للوراء وبعد ثورة 1952 نجد أن العديد من أصحاب رؤوس الأموال المحدودة فى ذلك الوقت استطاعوا أن يمارسوا العمل الاستثمارى بعد قوانين التمصير، ورغم القيود التى كانت سائدة فى ذلك الوقت على النشاط الخاص، إلا أن هذه القيود لم تكن مانعة بحيث تسدل الستار كاملا على من يستطيع أن يمارس نشاطا ضمن الإطار القانونى الذى كان يحكم الاستثمار فى ذلك الوقت، وقد لا يعلم الكثيرون أن أول قانون استثمار أجنبى فى مصر صدر فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
إن رؤوس الأموال يمكن أن تلعب دورًا مؤثرًا للاقتصاد فى ظل أى طرف سياسى شريطة أن تلتزم بالتشريعات مع تعديل ما يلزم منها، لكن لأن رأس المال بطبيعته مفكر وليس جبانًا كما يقولون وإعمال الفكر بطبيعته يأخذ جانب الحرص وما يسمونه باختبارات الحساسية فى علم دراسات الجدوى الاقتصادية، ومن بين هذه الاختبارات تأثير التغيير السياسى والفكر أو المجتمعى مع ضبابية التوقعات والحادث الآن هو عدم وضوح مرأى للمنهج الاقتصادى بشفافية متعمقة، لأنه ليس كافيا الحديث عبر الفضائيات أو الصحف ولكنه يتعين نشر المنهج الاقتصادى لنظام الحكم ممهورًا بالخطط التنفيذية له بدءًا بالخطط قصيرة الأجل وانتهاء بالطويلة الأجل بشرط أن يتم فيها تحديد نوعية الأنشطة المرتقبة وأماكنها وتكلفتها ومصادر التمويل والأسواق المحتملة داخليًا وخارجيًا وتأثيرها على فاتورة الاستيراد وتشغيل العمالة، إضافة إلى نوعية القوى البشرية القادرة على تنفيذ هذه الخطط والفترات الزمنية اللازمة، إضافة إلى مدى التأثير الإيجابى على المجتمع، ومدى إمكانية عمل ما يسمى بال«البايلوت» أى نموذج من المشروعات المتوقفة مع البدء فى مشروع يكون سريع العائد يحقق تشغيلا لفرص عمل كثيرة واقترح البدء بمشروعات للصيد.. حيث يوجد لدينا 30 مليون فدان مياه صالحة لاستزراع الأسماك والمنتجات البحرية وكل ما ننتجه حاليا للأسف يقل عن 35٪ من احتياجاتنا المحلية، ويتم استيراد الباقى وهذا فى حد ذاته سبة فى قطاع الاستثمار، حيث إن هذا المجال سريع العائد وله مردود إيجابى محليا وتصديريا، إضافة لإمكانية عمل عدد كبير من المشروعات الصغيرة والمرتبطة بهذا القطاع.
إن انخفاض القوى الشرائية فى الفترة الماضية ساهم فى خفض معدلات الإنتاج فى الصناعة بنسبة تصل إلى 30٪ ما عدا الصناعات الغذائية والدواء بسبب الحالة النفسية للمواطن التى تدعو للاحتفاظ بما يوفره من أموال تحسبا لما هو قادم.
جمهورية «الخوف»!
من لا يخاف - عادة - شخص لا يرى أملا بالمستقبل.. شخص تساوت أمام عينيه كل الاختيارات.. ولم يعد يفكر بلغة الاحتمالات.. لكن أن يتحول الخوف إلى «جمهورية».. ويخرج «الفزع» فى 08 مليونية، فهذا - بالتأكيد - يكفى للقضاء على أى مستقبل، جملة وتفصيلا.. ونحن بدورنا ندق ناقوس الخطر أمام رئيس الجمهورية، من أن تتحول مصر - سواء بقصد أو عفوية - إلى أرض للخوف.. لا تتفاهم إلا بالسلاح، ولا تعرف «لغة» غير الكلاشينكوف!
رسائل الرئيس للخارج والداخل لم تكن مطمئنة بالقدر الكافى.. فلا هى نزعت الخوف من قلوب الأقباط، ولا أراحت صدور رجال الأعمال.. وكما لم تضع المبدعين والأدباء والفنانين موضعهم - إلا بأثر رجعى - لم تربت بعطف - كذلك - على العاملين بقطاع السياحة!
لايزال «المبدعون» يستشعرون أن إبداعهم مرشح للوصاية.. والمستثمرون ينتظرون مرحلة الفرز الاقتصادى التى يتحدث عنها الكثيرون!
نساء حائرات، وأخريات مهددات.. فتيان يظنون أنهم يأمرون بالمعروف، وما يفعلونه هو المنكر نفسه!
يحتكرون الحديث باسم الذات الإلهية.. وهم لا يفقهون قولا، ولا يحسنون العربية!
على الدكتور مرسى أن ينتبه - إذا - لما نحن مقدمون عليه.. أن يبحث عن آليات أكثر جدية لطمأنة الجميع.. أن يحسب جيداً تداعيات كلماته.. وتأثيرها على القطاعات الدولية والمحلية المختلفة.. سعيا نحو «جمهورية الحب».. جمهورية العلم والأدب والإبداع، لا جمهورية الخوف والفزع والخداع!