فروق كثيرة بين أول خطاب ألقاه الرئيس المنتخب د.«محمد مرسى» والرئيس المخلوع «محمد حسنى». الرئيسان جلسا على عرش الوطن على خلفية دماء الشهداء ف«مرسى» رئيس الثورة جاء بإرادة المصريين وتضحيات شهداء ثورة يناير مدافعًا عن دمائهم البريئة، أما «مبارك» فهو رئيس الغفلة ووصل إلى الحكم على دماء شهيد الحرب والسلام «محمد أنور السادات».
التاريخ فى حالة الرئيس د.محمد مرسى والمخلوع لا يعيد نفسه، ولكنه يتكرر فى بعض التفاصيل، فبينما انهال نجوم عصر «الانفتاح» الذين أفرزهم نظام السادات بالتهانى للمخلوع على توليه الحكم تدفقت إعلانات التوفيق والنجاح للرئيس «مرسى» من «رجال الأعمال» الذين قفزوا أمام المشهد السياسى فى عصر المخلوع ودقوا المسمار الأخير فى نعشه وهو على عرش البلاد.
«المخلوع» منذ 03 عامًا أصدر قرارًا رئاسيًا بمنع التهانى وتوفير أموالها لأبناء الوطن، وقال وقتها إن الكفن ليس له جيوب، وأنه لابد أن ينظر الجميع إلى مستقبل الوطن وعلاج آلام أبنائه، مشيرا إلى نجوم عصر الانفتاح بالتركيز على مصالح مصر، بينما انهال رجال الأعمال التابعون للحزب الوطنى المنحل بالتهانى والعزف المنفرد من جديد على أوتار النفاق لركوب الموجة للرئيس مرسى الذى ناشدهم أيضا بالكف عن إعلانات التهانى فى الصحف وقصرها على برقيات التهانى الموجهة إلى «قصر الاتحادية» مقر الرئيس المنتخب الحالى.
الرئيس الدكتور «مرسى» أدرك بذكاء نجوم ركوب الموجة ولكنه فى ظل محاولات المصالحة الذى شدد عليها فى خطابه الأول هناك بارقة أمل نابعة من القلب على تجاوز مصر هذه المرحلة الصعبة والشطب على كل بنود ونصوص تصفية الحساب والتى دفع الوطن ثمنها غاليًا فى معاركها التى لا تنتهى فى كل عهد.
الرئيس الدكتور لم يكتف بخطابه الروحى والذى لم يتعرض فيه لأية قضايا سياسية شائكة بفتح صفحة جديدة مع معارضيه فقط بل مع الجميع من أجل شعب مصر العظيم مسلمين وأقباطا، رجالا ونساء شبابا وآباء وأمهات وفلاحين وعمالا وموظفين ومعلمين وأساتذة وعاملين بالقطاعين الخاص والعام وكل محافظات وقرى مصر على حدودها الشرقية والغربية والجنوبية والشمالية، مصر الواسعة وشعبها الكريم الأهل والعشيرة والأحبة فى كل ربوع الوطن.
فى الأيام التالية للخطاب التاريخى للرئيس المنتخب ترجمت الأيام التالية صدق أقواله بلقاء أهالى الشهداء للتخفيف من أحزانهم فى أول لقاء شعبى له داخل القصر الرئاسى ثم لقاؤه مع رجال الدين المسيحى وكبار رجال الأزهر، ثم رجال الأمن فى مصر فى محاولة لرد اعتبارهم وإعادة الثقة لحماة أبناء هذا الوطن.
الرئيس المنتخب بعد ساعات من هذه اللقاءات الزكية أعلن تنازله عن راتبه كرئيس للجمهورية وقرر رفض رسالة التهانى التى أرسلها الرئيس الدموى بشار الأسد، حيث اعتبره رئيسًا غير شرعى للشقيقة سوريا، وأيضا رفض التهانى الإيرانية التى تقف وراءه رغم توقعات الكثيرين بفتح صفحة جديدة مع إيران الإسلامية.
وحتى الآن لم يتأكد صدق ما راج والذى ربما يكون من باب الأمانى لدى الشعب الذى يطمح فى رئيس مختلف عمن سابقوه.
أما المفاجأة الكبرى للرئيس المنتخب فهى قراره غير المسبوق بمنع تعليق صورة لرئيس الجمهورية فى مؤسسات الدولة وهى العادة التى جرت فى عهد رؤساء الجمهورية الثلاثة ناصر والسادات والمخلوع، ولم يكتف بذلك بل إنه قرر منع تعليقها فى مقراته الرسمية والرئاسية واستبدالها بآيات قرآنية التى هى دستور الحياة مهما تبدل الزعماء والرؤساء وأولى الأمر.
خطب رؤساء مصر التى تراوحت ما بين التهديد كما بدأها الرئيس جمال عبدالناصر لأعداء مصر والقضاء على الاستعمار وأعوانه ثم التهذيب بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات بعد رحلة صعبة لاسترداد الأرض والعرض وإطلاق رسالته فى السلام ثم خطب التغفيل والوهم التى غلبت على خطب المخلوع.. تَّقف الآن أمام خطابات الإصلاح والمصالحة وبناء دولة مدنية حرة والانطلاق إلى مشروع النهضة التى يتمناها أبناء هذا الوطن صانع أول ثورة شعبية فى التاريخ الحديث داعيا إلى الاعتصام بحبل الله بحسب نص خطابه التاريخى:
اليوم أنتم مصدر السلطة كما يرى العالم كله فى هذه الملحمة والغد الأفضل، لقد جد الشعب المصرى وعانى من المرض والجوع والظلم والقهر وجاءت اللحظة التى يسترد فيها حريته دون مشقة أو عنت ويجد فيها عدالة ناجزة لا تفرق بين رئيس ومرؤوس أما عن نفسى فليس لى حقوق ولكن علىَّ واجبات فأعينونى أهلى وعشيرتى ما أقمت العدل والحق فيكم وما أطعت الله فيكم فإن لم أفعل وعصيت الله ولم ألتزم بما وعدت فلا طاعة لى عليكم.
رددوا معى أيها الأحباب بإرادتنا وحبنا لبعضنا البعض نستطيع أن نصنع المستقبل الكريم. أحبابى البعض يرى ذلك بعيدًا ونراه معًا إن شاء الله قريبًا وإن غدا لناظره قريب والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.