محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 22 - 01 - 2011 لاشك أن الانقلاب علي السلطة الحاكمة في أي بلد من البلاد يسبب قلقا لدي السلطات الحاكمة في البلاد الأخري، ربما يكون ذلك القلق بسبب تشابه الظروف العامة في بعض تلك البلاد، وربما لا يكون هناك تشابه في الظروف بدرجة كبيرة تدعو إلي القلق، وربما يكون القلق بسبب خشية العدوي التي تنتقل بسرعة مصحوبة بشحن إعلامي ضاغط غالبا ما يجسم ويصور الأمور علي غير حقيقتها. أول من يتأثر بالشحن الإعلامي الزائد هو بسطاء الناس الذين لا يملكون المنطق السليم في تقييم الأمور، وربما يكون لديهم ضعف نفسي يجعلهم لا يتحملون مقاومة تلك الضغوط فيتأثرون بها ويؤذون أنفسهم بما يبدو لهم أنه نوع من الاحتجاج أو لفت الأنظار وظنا منهم بأن إيذاء أنفسهم يسبب إحراجا للسلطة أيا كانت أمام المجتمع. -- بالطبع حين تحدث حادثة مفاجئة من هذا النوع تلفت الانتباه وربما تؤدي إلي تعاطف مع ( المسكين ) الذي لم يتحمل ضغطا أو ظلما فأقدم علي التخلص من حياته، لكن حينما تتكرر مثل تلك الحوادث، فإن الأمر يختلف تماما، وتصبح النظرة إلي تلك الأفعال نظرة منطقية أكثر، مما يؤدي إلي رفض هذا الأسلوب الابتزازي، بل والمطالبة بتجريمه ومعاقبة مرتكبيه. هنا قد يقول قائل، يعني أليس كافيا أن إنسانا ما يعاني من مشكلة ويريد أن يلفت الانتباه إليه أو يحتج إلي سوء معاملته، وهنا لابد أن نواجه الحقيقة الأساسية التي طال الجدل حولها كثيرا عن ملكية الإنسان لجسده وحقه في التصرف فيه، وهل يجوز له أن يؤذي هذا الجسد لمجرد الاحتجاج أو يلجأ إلي الانتحار يأسا من مرض في جسمه أو خلل في تركيبته النفسية والعصبية. من المعلوم بالضرورة أن الانتحار أو إزهاق الإنسان لروحه عمدا يعتبر خروجا عن الإسلام، وعن كل الشرائع السماوية التي اعتبرت جسم الإنسان دعاء للتكليف بعبادة الله، وبالتالي فإن إهدار ذلك الجسد بيد صاحبه يعتبر نوعا من التمرد علي عبادة الله سبحانه وتعالي ورفض الصبر علي القدر، بل يذهب التشريع السماوي إلي ما هو أبعد من تحريم الانتحار المباشر، إلي مدي بعيد في تحريم كل ما يهدد الجسم البشري من أفعال وسلوك إرادي، فتعريض الإنسان نفسه للتهلكة محرم إلا بتوافر وسائل العناية اللازمة في حالة الضرورة. --- من الغريب أن تنطلق دعوات أشبه بالصوت القادم من قعر جهنم والعياذ بالله عبر المدونات ومواقع الإنترنت تطالب شباب الدول الإسلامية بإحراق أنفسهم والخروج علي الحكام والثورة في بلدانهم سعيا نحو تغيير نظم الحكم في بلادهم مستغلين انتشار موجة من الخطاب السياسي والديني المشحون بتحريض الناس علي العنف. علماء بالأزهر الشريف نددوا بتلك الدعوات الجهنمية وبينوا أن هذه الظواهر التي يقع فيها الانتحار بحرق النفس عن قصد بإرادة حرة، والتي يبدو فيها قصد التقليد للشباب التونسي، هو انتحار يأثم فاعله إثما عظيما لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : (من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردي فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسي سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)، وهذا عقاب كبير يجعل من أقدم علي ذلك الفعل خارجاً عن الإيمان. إن المطالبة بالتغيير، والطموح إلي الإصلاح مطالب مشروعة، كما أن السعي إلي الحصول علي الحقوق أمر مشروع، بل إن السكوت عن المطالبة بالحق جريمة في حق النفس والمجتمع، لكن التماس الوسائل المشروعة أمر ضروري لا يمكن التغاضي عنه أو إهماله بحجة الزهق أو اليأس، وإلا كان ذلك إهدارا للأسس التي قامت عليها الشرائع لتنظيم الفوضي التي تغري الإنسان بالاعتداء علي الآخرين أو علي نفسه بزعم أنه يدافع عن حقه.