محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 14 - 08 - 2010 أليس من حق المصريين أن يشعروا بالسعادة لبعض الوقت، وأن يعبروا عن سعادتهم تلك باللقاءات العائلية والاجتماع علي مائدة إفطار في رمضان عليها بعض أنواع الطعام المحرمة عليهم طوال السنة نظرا لضيق ذات اليد ومحدودية الموارد المالية لمعظم الأسر المصرية؟ من الغريب ألا تترك ألسنة الانتقاد الحادة مائدة إفطار المصريين في حالها، وتأبي إلا أن تسمم اللقمة التي يأكلونها بعد ساعات الصيام، معظم تلك الألسنة نهمة إلي رصد صورة سلبية باستمرار عن المجتمع المصري في كل مناسبة، حتي مناسبة احتفاء المصريين بشهر الصيام. صحيح، شهر رمضان هو شهر تهذيب النفس بالصيام.. شهر الروحانيات بتركيز العبادة، ولكن ذلك ليس مبررا علي الإطلاق لاتهام الناس بالنهم والتبذير وإهدار الطعام وإلقائه في القمامة لمجرد شروعهم في التوسعة علي أنفسهم وعيالهم في الشهر الفضيل، حتي لو كان استهلاكهم من الغذاء يساوي 14 مرة استهلاكهم في غير رمضان. تكاليف الحياة وأعباؤها أصبحت جسيمة، الغلاء يشوي الناس ودخولهم مهما زادت فهي محدودة، ومع ذلك تأتي مناسبات معينة، مثل شهر رمضان، يجد فيها الناس فرصة للخروج علي النمط اليومي المعتاد ويتحملون تكلفة تمردهم علي نظام حياتهم المألوف، أو رغبتهم في بعض التغيير المثير للبهجة ولو كانت مؤقتة سرعان ما يواجه الناس بعدها واقعهم القاسي في الحياة. يستعد الناس في مصر لهذا الشهر بميزانية غير معتادة يدخرونها قبل حلول الشهر الكريم، بعض المواطنين يقومون بعمل «جمعية» مشتركة مع الأصدقاء والجيران، البعض الآخر قد يقترض لتوفير النفقات الإضافية لتلبية طلبات الأسرة من الطعام والشراب وسلع رمضان. قرأت في أحد مواقع الشبكة الدولية أن المصريين في رمضان يتحولون إلي مبذرين ينفقون الأموال علي الأطعمة يمينا ويسارا دون حساب لتكون مائدة الإفطار عامرة بكل ما لذ وطاب، ينحون جانبا الشكوي الدائمة من تردي الأوضاع الاقتصادية، ويكفون عن حديثهم المستمر عن الفقر وارتفاع الأسعار ومقارنتها بالأجور ويرضخون لجشع التجار الذين يرفعون أسعار السلع بشكل مبالغ فيه، المشكلة الأكبر أن أغلب الأسر يلقون أكثر من نصف الطعام في القمامة ولا يأكلونه في اليوم التالي. أضاف: إن التقارير والدراسات الحديثة تؤكد هذه الحقيقة وتثبت للجميع أن رمضان في مصر تحول إلي شهر الطعام وليس الصيام، ففي تقرير صادر عن البنك الدولي أكد أن المصريين يستهلكون الغذاء في شهر رمضان بقدر كبير يصل إلي 14 ضعف استهلاكهم في غير رمضان، هناك تقارير أخري تؤكد أن المصريين ينفقون مليار جنيه يوميا علي الطعام في رمضان. كانت دراسة علمية صادرة عن مركز البحوث الاجتماعية والجنائية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، كشفت مؤخرا عن أن المصريين ينفقون علي الطعام سنويا 200 مليار جنيه يستأثر شهر رمضان وحده ب 15% من هذه النسبة، أي ما يعادل 30 مليار جنيه شهريا مشيرة إلي أن 60% من الطعام علي الموائد المصرية خلال رمضان يلقي في القمامة، رغم ما تشهده الأسواق خلال الموسم من تغيرات جذرية في الأسعار وارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية ارتفاعا ملحوظا، مما يجعل المواطنين يصومون رمضان وهم بين مطرقة الحر الشديد وسندان لهيب الأسعار. رغم كل المشكلات المادية يجد الناس طريقة للتخفيف عن أنفسهم في رمضان، من باب إشاعة الفرح والسرور في الأسرة، والحقيقة أن الظروف المعيشية القاسية جعلت مسألة إلقاء الطعام في القمامة شيئا من الخيال، ربما كان ذلك يحدث في وقت مضي، أما الآن فلا أظن أن أحدا يجد لديه الجرأة لإلقاء الطعام في القمامة. النمط الاستهلاكي تغير حتي لدي ميسوري الحال فلم تعد موائد الإفطار عامرة بالأصناف المتنوعة من الطعام، وإنما يقتصر الأمر علي «توسعة» بالإضافة إلي بعض الأطعمة المفضلة التي يتميز بها شهر رمضان، أعرف كثيرا من الأسر، لا تغير طريقتها في الطعام في رمضان، وإنما تستمر في النمط السائد لديها طوال العام بإضافة بعض الحلوي أو المشروبات. بعض الأسر وهي في الحقيقة كثيرة لا تأكل اللحم أو الدواجن أو بعض المأكولات المميزة سوي مرات قليلة في السنة، يعني في المواسم، فإذا أتي رمضان كان موسما ممتدا لمدة شهر يعقبه العيد، في هذا الموسم يجد الناس من غير القادرين موارد متنوعة تتيح لهم فرص التوسعة علي أنفسهم، انتشرت في مصر عادة توزيع السلع الرمضانية علي سبيل الهبة من القادرين لغيرهم مما يوفر موارد مالية وعينية للعديد من الأسر لا تتوافر لها في غير رمضان، ويضغط علي سوق تلك السلع لإقبال المتبرعين بها علي شرائها وتوزيعها. يعني نستطيع القول إن قراءة الظاهرة تختلف باختلاف الزاوية التي نتناولها منها، فلا يمكن وصف المصريين بالسفه والتبذير لأنهم أكلوا بعض الطعام الإضافي في إفطار رمضان، في نهاية الأمر كل شخص له معدة واحدة وقدرة محددة علي التهام الطعام، ولا يمكن افتراض أن الناس أصابها السعار علي الطعام في رمضان لدرجة أنه تحول من شهر للصيام إلي شهر للطعام. أما السفه الذي أصيب به بعض القوم الذين لا يعرفون أين ينفقون أموالهم ويقيمون الولائم للشهرة والتباهي فتلك حالات خاصة خارجة عن القواعد ولا تقبل التعميم، وعلي حد علمي فإن تلك الموائد العامرة لا تذهب إلي القمامة كما يزعم البعض، لكنها تتحول إلي أرزاق لناس آخرين يأكلون منها ويبيعون ويوزعون علي غيرهم، ويقولون لبعضهم «رمضان كريم»، وسيظل كذلك بإذن الله، رغم أنف الأزمات الاقتصادية والنقاد المغرمين بشتم المصريين.