إلى أين سيقود العلم البشرية؟ إلى الجنة ونعيمها أم إلى الجحيم وشقائه؟ هذا هو سؤال المستقبل؟ فالتكهن بالشكل الذى سيكون عليه المستقبل هو الهم الأكبر للعلماء وأيضاً الأدباء هناك فى ذلك الجزء من العالم الذى نسميه المتقدم، وقد أصبح هذا التكهن أكثر صعوبة من أى وقت مضى، لا لشىء سوى أن حياتنا المعاصرة تمر بدوامة تغيرات رهيبة السرعة، وإذا حاولنا استشراف المستقبل على مدار العقد المقبل أو أكثر، فسنجد صورا ضبابية لا يخرج المرء منها بتصورات محددة المعالم. ومع ذلك فالبشر على مر العصور يحركهم دائماً الفضول لمعرفة إلى أين ستحط بهم الأعوام المقبلة، هذا من جانب، من جانب آخر، لكل ثقافة وحضارة رؤيتها، أو قل أساطيرها، التى تنظر من خلالها إلى المستقبل. وفى دنيا العلم والتكنولوجيا، أول ما يلفت النظر هو الخيال العلمى، الذى صار له أدب قائم بذاته منذ عقود بعيدة، مهمته استشراف المستقبل والتطلع إليه والتنبؤ به، ومنذ عصر جول فيرن وهربرت جورج ويلز وجورج أورويل رواد أدب الخيال العلمى، والعلماء والمفكرون والكتاب والفنانون لا يكفون عن محاولات تصور شكل العالم ورسم تفاصيله بعد مائة عام، بل ألف عام لدى الشاطحين وأصحاب الخيال الواسع. والرؤى المستقبلية فى الخيال العلمى تنحصر بشكل عام بين فريقين لا ثالث لهما، متفائلين ومتشائمين. وفى حصر سريع لأولئك وهؤلاء، يطالعنا فريق المتفائلين بثقة وتفاؤل شديدين فى التقدم والتطور البشرى القائم على أسس البحث العلمى، ويرون أن العلم سائر دون توقف فى تحدى جميع العقبات من أجل غد أفضل. أما المتشائمون، فهم على النقيض تماما، يرون أن التحديات المعاصرة والمستقبلية مرتبطة بالكائن البشرى نفسه، بل هى جزء لا يتجزأ منه، وأن التقدم العلمى والتكنولوجى سيؤدى بالضرورة إلى تفاقم مشاكل المجتمع البشرى وتعقيدها، ويتسبب فى إطلاق قوى مجهولة يستحيل السيطرة عليها. اجتازت الرؤية المتفائلة فى القرن الماضى متغيرات كثيرة، وكان أقدمها مجرد توقعات تقول باستمرار التطور التكنولوجى، مع الافتراض بأن الأشياء ستصبح «أحسن وأسرع وأقدر» على تلبية رغبات الإنسان وحاجاته، بينما الثقافة والمجتمع ذاته سيظلان بلا تغيير، ولا أدل على هذا التصور السطحى المتفائل من التوقعات التى كانت تقول إن المستقبل سيشهد انتشار الطائرات والمروحيات كوسائل مواصلات عادية يمتلكها أى فرد، وستصير هذه الوسائل مثلها مثل السيارات والدراجات تماما. ففى الخمسينيات من القرن المنصرم، كانت النظرة إلى المستقبل تتخيل عائلة عادية تعيش فى طابق من التكنولوجيا المتطورة داخل مبنى يناطح عنان السماء، وفى هذه العائلة، سيذهب الأب إلى العمل مستخدما طائرته الخاصة، وسيتحدث إلى الأم من خلال التليفون المرئى ليخبرها بميعاد عودته، والأم فى المنزل سترعى الأولاد مستعينة بالروبوت الذى يؤدى عنها كل الأعمال المنزلية من طهى وتنظيف وخلافه، بالإضافة إلى مجالسة الأولاد وتسليتهم بشتى الوسائل، أما لعب الأطفال، فحدث ولا حرج عن الإمكانات وأشكال التسلية المتنوعة الغريبة، فسيكون هناك «الكلب الآلى» وعندما تحين العطلة الصيفية، فإن الترتيب الأمثل لها هو زيارة القمر أو أحد كواكب المجموعة الشمسية. وقد يرى كثيرون أن هذا التخيل غير عملى من أكثر من جهة، إحداها أنه يهمل القيود المفروضة على التقنية العلمية، وهى القيود التى تحول دون انتشار الطائرات الخاصة أو رحلات الفضاء لأسباب مالية واقتصادية، وربما سياسية، وبدلا من تحسين أو محاكاة المهمات الحالية كأعمال التنظيف أو الاتصالات على سبيل المثال، فإن التطور التكنولوجى سيعيد تعريف جميع التحديات المعاصرة بصورة مختلفة، لكننا تعلمنا أن تطوير برامج عمل الغسالات يعد أسهل وأكفأ من صناعة روبوت ذكى يتولى بنفسه تشغيل الغسالة على النحو الذى نقوم به، ونفس الأمر بالنسبة لاستخدام أدوات التقدم فى مجال الاتصالات للعمل من المنزل بدلا من الذهاب للمكتب بالطائرة. فى الأسبوع القادم أستأنف معكم رحلة الإجابة عن سؤال المستقبل فى عيون صانعيه.