اعتدت منذ سنوات التعامل مع رمضان باعتباره مثل أي شهر آخر، يعني بمنتهي البساطة لا أغير عاداتي اليومية، أستيقظ في التاسعة صباحا، أكون في عملي في العاشرة، والاستثناء الوحيد في رمضان أنني أغادر عملي في الثالثة وأكون في بيتي تقريبا في حدود الرابعة، بينما في غير رمضان لا أعود قبل الثامنة مساء، وأحيانا بعد ذلك بكثير. وغالبا لا أحضر الإفطارات الجماعية، وأعتبرها سفها لا مبرر له، يعني الناس لو تريد التواصل مع بعضها البعض فلماذا لا يتواصلون طول العام، ولماذا فقط تحلو العزومات والحفلات والموائد في رمضان فقط؟ آخر حفل إفطار جماعي حضرته كان لحزب سياسي معارض امتلأ بكل ألوان الطيف السياسي في البلد، حضرنا الإفطار في فندق خمس نجوم، وبعد انتهاء الطعام الفاخر جدا اكتشفت أننا يجب أن ننتظر لنسمع خطبة عصماء من رئيس الحزب، وهذا حقه فهو عزم كل هؤلاء البشر ليتحدث فيهم، لذلك علينا دفع ضريبة الإفطار.. وقد حدث! لكن الغريب أن الأمر لم يقتصر علي رئيس الحزب، وإنما تحول الإفطار إلي مؤتمر سياسي كبير وتباري ممثلوا الأحزاب في إلقاء كلمات وخطب حماسية، وبينما كان المغرب يؤذن علي الخامسة مساء انصرفنا من حفل الإفطار في منتصف الليل، وبعدها أعلنت توبتي عن حضور مثل هذه الموائد السياسية! وباستثناء قبول دعوة حماتي التي لا أستطيع رفضها أتناول إفطاري كل يوم في بيتي، قافل علي بابي وكافي خيري شري، وهربان من العزومات التي تعاني منها كل البيوت، يزعل من يزعل، ويغضب من يغضب، لكنني هكذا في رمضان.. هذه طقوسي التي ابتدعتها وأعيش سعيدا بها. هذا العام يبدو رمضان مختلفا جدا، سألني صديق عامل إيه في رمضان؟.. فأجبت إجابة غريبة جدا: أنا مش فاهم رمضان هذا العام؟ فعلا أنا مش فاهمه بجد، فلم أغير أي من عاداتي اليومية وأكون في بيتي في الرابعة عصرا كل يوم، وأنام حوالي ساعة، ثم أستيقظ لأجد أمامي وقتا طويلا لا يمر، ودرجة حرارة غير مسبوقة، وحلقي مثل الحجر من العطش، أما عقلي فتقريبا غائب منذ بداية رمضان حتي الآن ومعه الكثير من التركيز، حتي إنني أشعر أنني سأنهي شهر رمضان وأنا أحاول معرفة أين نسيت رأسي؟