حقق الفيلم الهندي "اسمي خان"، الذي بدأ عرضه منذ أربعة أسابيع، أكثر من مليون جنيه في شباك التذاكر في مصر فقط ، وهو رقم كبير بالنسبة إلي أي فيلم أجنبي، كما حقق حوالي عشرين مليون دولار من عروضه في العالم، وهو رقم كبير بالنسبة لأي فيلم هندي. هناك أسباب "توزيعية" لهذا النجاح، تتعلق بشراء شركة فوكس الأمريكية لحقوق التوزيع العالمي، وقيامها بتوزيعه من خلال وكلائها في العالم، ومن المدهش مثلا أن العرض الأول للفيلم الذي حضره صناع الفيلم والصحافة العالمية أقيم في "أبو ظبي"، وليس في الهند أو أمريكا، ربما لأن الإمارات تعتبر حاليا نقطة التقاء بين آسيا والشرق الأوسط والغرب، بالإضافة إلي وجود جالية هندية عظيمة بها، وكون الفيلم يتناول حياة المسلمين في الغرب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 1002. وبجانب أمور الإنتاج والتسويق ومحاولة استغلال النجاح الذي حققه فيلم "مليونير العشوائيات"، فإن "اسمي خان" استطاع أن يلمس أوتارا حساسة في قلوب الملايين خاصة المسلمين والذين يعيشون في بلاد منكوبة بآفة التطرف والفتن السياسية التي يروح ضحيتها الأبرياء. "اسمي خان" ليس به جديد علي مستوي الفكرة التي تقوم علي "تيمة" البطل الأبله طيب القلب الذي يعاني الغربة وسط البشر الذين يبدون جميعا كأشرار وقساة القلوب بالنسبة له. "الأبله" هو عنوان الرواية التي كتبها الروسي فيدور ديستويفسكي في نهاية القرن التاسع عشر ودشن بها هذا النوع من الأعمال الفنية التي تدور حول بطل ساذج إلي حد البله، ولكنه لا يعرف الكذب أو الكراهية قادر، بطريقته، علي انجاز بطولات ومعجزات لا يستطيعها "أذكي" الناس. ومن أشهر الأفلام التي احتوت علي تلك التيمة "رجل المطر" الذي لعب بطولته داستن هوفمان وتوم كروز، و"فورست جامب" الذي لعب بطولته والفيلم الفرنسي "اليوم الثامن" وغيرها من الأفلام في مختلف بلاد العالم، وحتي السينما الهندية قدمتها في أفلام عديدة. الجديد هذه المرة هو وضع القصة في إطار سياسي حديث وساخن، ونقل معظم الأحداث إلي أمريكا وجعل معظم الحوار بالإنجليزية، وضخامة الإنتاج التي جعلته واحدا من أكثر الأفلام الهندية تكلفة علي مر تاريخها... باختصار الجديد هو حجم الطموح الذي صنع به الفيلم بهدف الوصول إلي جمهور كبير في العالم كله، وقد نجح صناع الفيلم في تحقيق هدفهم إلي حد كبير. "رزوان" أو "رضوان خان" هو شاب هندي مسلم يعاني من مرض التوحد، مثل هوفمان في "رجل المطر"، وإن كان بدرجة أقل من المرض تسمح له بالشعور بالحب والافتقاد وغيرها من المشاعر التي يفتقد لها مريض التوحد عادة. بعد موت أمه يسافر "رزوان" إلي الولاياتالمتحدة للعيش مع أخيه المهاجر، ويتعرف علي فتاة هندية هندوسية لديها طفل من زواج سابق ويتزوجها، وتشغل هذه القصة حوالي نصف الفيلم، بينما يبدأ النصف الثاني مع أحداث 11 سبتمبر التي تحول حياة المسلمين في أمريكا إلي جحيم، ويكون من نتائج ذلك مقتل ابن الزوجة علي يد أصحابه المتعصبين رغم أنه غير مسلم، ولكنهم لا يستطيعون التمييز بين المسلم وغير المسلم أو بين المسلم المتطرف الإرهابي وبين المسلم البريء. تصاب الزوجة بصدمة من موت ابنها بسبب اسم زوجها المسلم، وتطرده من حياتها بعد أن تقول له علي سبيل المبالغة "قل لكل الناس أنك لست إرهابيا، اذهب إلي الرئيس الأمريكي وقل له أنك لست إرهابيا"...وهو بسبب إعاقته يفهم الكلام حرفيا، ويذهب في رحلة طويلة عبر الولاياتالأمريكية وراء الرئيس في محاولات عبثية للقائه.. ويقدم الفيلم نقدا لاذعا للرئيس السابق جورج بوش وسياسته العنصرية المتطرفة التي تؤدي إلي تصاعد الأحداث بلوغا إلي ذروتها الدرامية. رسالة الفيلم بسيطة ومباشرة وتتلخص في العبارات التي تقولها أم خان له عندما يتعرض لاعتداء بعض الأطفال الهندوس عليه: لا يمكنك التمييز بين الناس علي أساس ديانتهم، لأنه لا يوجد سوي نوعين فقط من الناس: الطيبون والأشرار. هذه الرسالة الميلودرامية التي تحملها السينما الهندية عموما قد تكون بسيطة أكثر من اللازم، ولكن في الفن ليس المهم هو عمق أو سطحية الرسالة بقدر الكيفية التي يتم التعبير بها عن مضمون الرسالة. والتعبير هنا يتم باستخدام كل أسلحة الميلودراما البوليوودية ولكن بدرجة أقل فجاجة ومبالغة، حتي تتوافق مع الذوق الغربي الذي ينفر عادة من المبالغات العاطفية. علي رأس هذه الأسلحة طبعا رسم الشخصيات بطريقة تدعو للتعاطف المباشر أو الرفض المباشر لها وأسلوب التصوير والمونتاج والموسيقي الذي يدعو المشاهد إلي الاندماج الكامل مع الأبطال ورؤية العالم من خلال وجهات نظرهم فقط. في الحقيقة يطرح الفيلم نفس المشكلة الفنية التي تطرحها الميلودراما عادة ، وهي أن التفكير الذي يقسم الناس إلي أخيار وأشرار (حتي لو كان متسامحا مع عقائدهم الدينية وجنسهم ولون بشرتهم) هو الذي يؤدي غالبا إلي التطرف والأصولية، وأنه لا جدوي من محاربة التطرف بأعمال تخدم في النهاية ثقافة الأبيض والأسود وتغليب العواطف علي العقل. ما يخفف، أو يخفي، حدة هذه المشكلة في فيلم "اسمي خان" هو عدم الانجراف وراء التأثير العاطفي ووضع لمسات من الفكاهة تقلل من الانفعالات الساخنة التي تتسم بها السينما الهندية عادة، ومن الواضح أن مخرج الفيلم الشاب كاران جوهر وضع في اعتباره أنه يقدم فيلمه للجمهور الغربي والعالمي وليس الهندي والشرقي فقط. أهم شيء في هذا الفيلم بالنسبة لي هو شجاعة الفنانين والمثقفين الهنود من صناع الفيلم الذين قدموا عملا يدافع عن الأقلية المسلمة، وبطل الفيلم النجم شاه روح خان هو مسلم واسمه خان أيضا، وذلك بالرغم من أن الأغلبية الساحقة في الهند من الهندوس والسيخ ورغم أن الهند تعاني من مشاكل طائفية كبيرة خاصة مع جيرانها المسلمين. وهذا درس آخر من السينما الهندية أثق بأن المثقفين والسينمائيين لدينا لن يتعلموا شيئا منه!