حين قال الطبيب المرض نادر.. العلاج غالى.. ابحثى عن عضو مجلس شعب يطلع قرار علاج! لم تفهم الأم تحت وطأة صدمة إصابة ابنها الوحيد 32 سنة بمرض نادر، سوى أنها لا تملك ثمن علاج شهر واحد، وعن طريق الأسرة الكبرى الإخوة والأخوات دبرت علاج الشهر الأول، وهو ستة آلاف ومائتا جنيه بأقصى سرعة، ثم لجأت إلى صحفى قريب لها لاستخراج قرار من وزارة الصحة للعلاج على نفقة الدولة خاصة أن الشاب يحتاج إلى جرعات لمدة سنتين. مرت الإجراءات بكل الخطوات بسهولة ويسر.. تقرير من الطبيب يطلب علاجا لمدة ثلاثة أشهر ثم تقرير من اللجنة الثلاثية بمستشفى قصر العينى ثم مكالمة لوزير الصحة انتهت بموعد مع مدير مكتبه الذى أرسل الصحفى إلى المجالس الطبية المتخصصة واستلمت الموظفة الأوراق وقالت الجملة الخالدة تعال بكره! فى اليوم التالى لم يصدق الصحفى نفسه حين وجد القرار جاهزا ولكن فرحته لم تكتمل حين وجد أن القرار على مكان آخر وأن الدواء مختلف وأن المبلغ عبارة عن ثلاثة آلاف جنيه، بمعنى أن وزارة الصحة ستدفع ألف جنيه فقط فى الشهر مع أن المطلوب ستة آلاف ومائتى جنيه، رفضت الموظفة أى مناقشة وقالت: هو ده اللى عندنا! فى هذه الأثناء كان قد مر شهر على الأسرة المستورة أن تدبر علاج شهرين، وحين عرف الطبيب المتعاطف جدا مع الشاب وأمه أعاد جملته ابحثوا عن عضو مجلس شعب أو مجلس شورى.. الحكاية سهلة! حتى هذه اللحظة لم يكن يفهم أى أحد من أفراد الأسرة ومعظمهم موظفون وموظفون على المعاش فى الدولة، ما أهمية اللجوء إلى عضو مجلس شعب خاصة أنهم لا يعرفون أحدا منهم معرفة شخصية وأن لهم معارف كبارا فى مجالات أخرى؟! وأخيرا عرفوا وعرفنا حين تفجر الأمر، لقد احتكر بعض أعضاء مجلسى الشعب والشورى قرارات العلاج على نفقة الدولة واستولوا على ملايين الجنيهات، مما أدى إلى تراكم مديونية وزارة الصحة إلى المستشفيات والمراكز الطبية وشركات الأدوية، فتوقفت هذه الجهات عن استقبال المرضى الحقيقيين وأصبح مكانهم الشارع؟! المبالغ المحددة فى الموازنة العامة لقرارات العلاج على نفقة الدولة هى 4,1 مليار جنيه إلا أن الوزارة لاحظت أن ما تم إنفاقه فى ستة أشهر من 1/6/9002 إلى 13/1/0102 وصل إلى 8,3 مليار جنيه، وقد أكد تقرير تم رفعه إلى وزير الصحة أن هناك قرارات منضبطة صدرت عبر اللجان، لكن هناك تجاوزات ارتكبت عن طريق أعضاء مجلسى الشعب والشورى وصحفيين وشخصيات نافذة لم تعتمد على قواعد ومعايير محددة، وأن هذا يثير الشبهات ويكشف عن حالات فساد مشتركة بين أعضاء البرلمان وموظفين فى وزارة الصحة! وحين أصدر وزير الصحة قرارا بتحديد سقف قرارات العلاج لكل نائب بخمسين ألف جنيه شهريا، ثار النواب وقامت الحرب وتراجع الوزير للأسف عن قراره. لقد تقدم النائب مصطفى بكرى بطلب إحاطة لوزير الصحة جاءت فيه أرقام تؤكد حالات فساد محددة تخص نوابا بأسمائهم استطاعوا الحصول على قرارات تصل إلى 42 مليون جنيه فى أربعة أشهر، منها قرارات محددة للعلاج فى مستشفيات خاصة محددة وصلت إلى 4 ملايين جنيه فى أربعة أشهر لإجراء عمليات الليزك معالجة قصر النظر، وقرارات لشراء أجهزة تعويضية وصلت إلى 42 مليون جنيه فى أربعة أشهر، وقرارات لعمليات قلب مفتوح لمستشفى استثمارى تكلفت العملية الواحدة 08 ألف جنيه، بينما تتكلف نفس العملية 21 ألف جنيه فى معهد ناصر! تحول العلاج على نفقة الدولة إذن على يد هؤلاء النواب وغيرهم من الشخصيات إلى علاج الأغنياء غير المحتاجين، فلم يتبق لعلاج الفقراء المحتاجين سوى الملاليم التى يمن بها عليهم موظفو وزارة الصحة بعد أن تمر الشهور فى استخراج الأوراق، وغالبا ما يموت هؤلاء المصريون الفقراء قبل صدور القرار، رغم أن نفس هؤلاء الموظفين يوقعون على قرارات النواب والوساطة وهم يعرفون أنها قرارات مغشوشة! فى المرض لا يملك الإنسان إلا الدعاء لله بالشفاء وعدم الحوجة للناس، ولكن أدعو الله باسم هذه الأم التى لا تجد علاجا لابنها الوحيد وبأسماء ملايين المصريين الفقراء أن يصاب كل من ساهم فى هذا الفساد العلاجى بأمراض خطيرة ومكلفة وليس لها علاج، حتى يتجرعوا من نفس الكأس، فلا شىء نطلبه منك يا رب العالمين سوى أن نراهم واحدا واحدا مرضى ولا يجدون علاجا.. آمين يا رب العالمين.؟