أحيانا تكون هذه المشاعر بالحب، وأحيانا بالكراهية. أحيانا بالتعاطف وأحيانا بالعداء.. نترك مشاعر الحب جانبا لنتحدث عن الهند وباكستان.. من سنين طويلة معروف أنهما من المناطق المشتعلة فى العالم. التنافس بينهما قوى خصوصا فى المسائل الصاروخية والنووية حتى أطلق عليهما.. الجارتان النوويتان. المشاكل بينهما كثيرة وحوادث الاغتيال لرؤسائهما والشخصيات البارزة فيهما كثيرة.. قديما وحديثا.. وأحدثها نية! - مجرد نية - اغتيال العالم النووى الباكستانى «الدكتور عبدالقدير خان» إلا أن الحكومة الأمريكية لم توافق على هذه العملية التى كانت ستقوم بها شركة «بلاك ووتر» الأمريكية الأمنية المتواجدة فى باكستان منذ عام تقريبا!! فى ادعاء لحفظ السلام هناك لوجود عناصر «إرهابية» تزيد الفرقة بين الجارتين النوويتين!! مشاكل كثيرة ومتناقضات اجتماعية واضطرابات فى كل مجالات الحياة بين الجارتين النوويتين تتصالحان أحيانا. وتتشاجران أحيانا. تبدأ اجتماعات للتفاهم بينهما.. وتأتى قنبلة تفجرها فلا تنعقد مثلما حدث من عامين وتوقف الحوار بينهما فى عملية السلام بعد الاعتداءات على «مومباى» والمتهم الجارة باكستان.. واعتداءات حديثة منذ شهر أيضا فى الهند من أبناء أو أعداء مستوطنين فى باكستان! جارتان تجمعهما شبة الجزيرة الهندية.. تجمعهما أهم اللغات الكثيرة الهندية وهى اللغة الأردية.. وحدث الانفصال بينهما.. هل كان ذلك الشق الذى حدث لوجه شبه الجزيرة لصالحهما.. أم لشقائهما؟! لنعرف ذلك من أهم الشخصيات التى ساهمت فى ذلك الشق عن طيب خاطر وللمصلحة العامة.. وهو.. محمد إقبال هو شاعر فيلسوف قانونى. وسياسى. نشأ فى أسرة شهيرة دينية فى الإسلام. درس علوم الدين ثم الفلسفة وحصل على الليسانس من جامعة «بنجاب» الهندية فى أواخر القرن التاسع عشر وفى أوائل القرن العشرين، سافر إلى إنجلترا لاستكمال دراسته الفلسفية. ثم درس القانون. وعاد لوطنه بزاد كبير من المعارف والتجارب والشهادات ليخدم وطنه. عمل بالمحاماة بالإضافة إلى عمله كأستاذ للفلسفة بجامعة «بنجاب». وقد اتخذ من موهبته فى الشعر وسيلة لإيقاظ مواطنيه وسائر المسلمين فى محاولة حثهم على السعى والعمل لرفع مستوى حياتهم. كانت الهند فى ذلك الوقت تمر بفترة عصيبة فى تاريخ نضالها من أجل التحرر من سيطرة الإنجليز.. ودخل محمد إقبال معترك الحياة السياسية عام 1926 عندما انتخب بأغلبية فى الانتخابات المحلية البرلمانية. وفى عام 1930 رأس الاجتماع السنوى لحزب الرابطة الإسلامية وألقى فيه خطبة مهمة وضح فيها خطوات إنشاء دولة إسلامية وهى ماعرفت فيما بعد بدولة. باكستان لقد أدرك محمد إقبال بمرور الوقت أنه من المستحيل قيام اتحاد بين مسلمى الهند وأتباع المذهب الهندى.. ولهذا كان لابد من تقسيم الهند إلى قسمين أحدهما للمسلمين والآخر للهنود.. وكان هذا أساس فلسفته السياسية التى تنبأ بها.. وتلك الاستحالة موجودة للآن. لم يكن «محمد إقبال» متعصبا دينيا فقد كانت فكرته ضرورة تحتمها الظروف الراهنة فى ذلك الزمن، ولم يكن هناك حل أفضل من ذلك والذى يتبع آراؤه وأفكاره يجد أنها تشهد له بسعة الأفق والبعد عن التعصب.. فقد نظم الشعر عن موطنه «كشمير».. وهو الجزء المتنازع عليه للآن بين الجارتين النوويتين.. ونظم الشعر عن الهند عموما ثم للمسلمين جميعا. وتوفى محمد إقبال عام 1938 قبل تحقيق حلمه بدولة إسلامية منفصلة عن الهند.. وهى باكستان عام 1947 ولعدم تعصبه الذى عرف عنه فقد تكونت جماعة من المسلمين والهنود والمسيحيين للإشراف على بناء نصب تذكارى تخليدا لاسمه .. وهذا أحد الأدلة التى تبين علو مكانته لدى أبناء شبه الجزيرة الهندية جميعا. كيس خبز المشاعر المتبادلة فى هذه الحكاية هى من النوع المتعاطف. حكاية من حكايات شبه الجزيرة الهندية الحديثة.. تبدى الوجه الآخر للجارتين النوويتين. تقول الحكاية أن امرأة كبيرة فى العمر تذهب إلى محال الحاج كرم الدين وأولاده يوميا فى تمام الساعة الخامسة مساء تتفحص كل شىء فى قسم المأكولات وتسأل العامل عن ثمن بضائع مختلفة وتنصت فى صمت، وقد أخبرها العمال أكثر من مرة عن ثمن البضائع، وعندما سمعت أن ثمن الكعك المحشو غال قالت إنها ربما تشتريه فيما بعد عندما تدعو بعض أقاربها فى البيت.. لكنها لم تدع أحدا أبدا.. وعلى الرغم من ذهابها إلى أسواق الحاج كرم الدين لمدة ستة أشهر فإنها لم تشتر شيئا ولاحتى بروبية. ومع ذلك كانت تذهب كل يوم فى تمام الساعة الخامسة مساء لتسرق كيس خبز وتخفية تحت عباءتها القديمة الواسعة ثم تخرج بهدوء من المحل. وقد اكتشف سرقتها الابن الأكبر للحاج الذى كان يذهب مع أخويه بعد يوم الدراسة للمساعدة فى البيع، لكنه لم يكن متسرعا مندفعا مثل عادة الشباب، وانتظر المرأة فى اليوم التالى بعد أن عد أكياس الخبز فى موعد حضورها فاكتشف اختفاء الكيس بعد أن مرت المرأة على مكان عرضه.. وخرج وراءها ليعرف عنها شيئا، فوجدها تسكن فى مكان ليس قريبا تماما.. فى شقة متواضعة من منزل قديم.. وعلم من حارس المنزل أن اسمها «سارة بيغم». عندما تأكد فى الأيام التالية من السرقة أخبر والده. أولا غضب ثم تعجب أن المرأة لاتسرق شيئا من كل تلك المأكولات سوى كيس خبز.. وفهم الابن من أبيه كما فهم الابنان الآخران ألا يتحدثوا فى هذا الأمر.. حتى عندما علم شريك الحاج فى المكان السيد سليمان رجل الأعمال بهذه السرقة وأراد أن يفعل شيئا تجاه السارقة.. أخبره الحاج.. إنها تسرق كيس خبز.. لا علينا.. فشعر بالخجل. وتلقى العاملون فى المكان تعليمات باحترام المرأة التى لاتشترى شيئا ويتركونها تأخذ كيس الخبز.. وهكذا فعلوا لمدة ستة أشهر، بعدها غابت المرأة عن عادتها اليومية لمدة ثلاثة أيام. قلقوا عليها. وذهب الابن الأكبر للحاج إلى منزلها الذى عرفه فيما سبق، وعلم من الجيران إنها مريضة فى تلك الليلة بعد أن أغلقت أبواب المحال طلب من شقيقيه ومن أبناء شريكهم أن يحمل كل منهم شيئا من المأكولات التى كانت المرأة تسأل عن ثمنها ولاتشتريها وأيضا.. كيس خبز.. ويذهبوا لزيارتها. يصف الابن الأكبر ما شاهده من فقر المكان وسكانه.. وعندما يطرق باب المرأة لاتجيب.. فيدفع الباب ليجدها جالسة على مقعد ورأسها يميل جهة اليمين وفى يدها ورقة.. تراجع الشاب كما تراجع مرافقوه تاركين ما حملوه فوق منضدة.. واعتقدوا إنها فى حالة نوم وستفرح بما ستجده أمامها.. لكن الشاب الأكبر لم يستطع منع دموعه. بعد عدة أيام قرأ الابن الأ.كبر للحاج فى الصحيفة اليومية عنوان خبر كبير «عجوز تعيش بمفردها تهب لأحبابها مائة ألف روبية»!.. وكان الخبر عن «سارة بيغم» سارقة كيس الخبز.. لقد وجدتها الشرطة فاقدة الحياة وفى يدها رسالة يوصى فيها أحد أقاربها لها بمبلغ مائة ألف روبية وقد قال الطبيب بعد فحصها أن قلبها الضعيف لم يتحمل شدة الفرح لخروجها من حالة الفقر.. كما وجدت الشرطة وصية كتبتها المرأة قبل وفاتها بيد مرتعشة: «أوصى بجميع ممتلكاتى فى هذه الدنيا لأسرة الحاج كرم الدين وأسرة السيد سليمان لأنهم أشفقوا على.. وحافظوا على كرامتى واحترموا عجزى وتقدم عمرى حفظهم الله جميعا».. بعد أن قرأ الشاب الخبر لأسرته.. لم ينطق أحد بكلمة.. وأخيرا تنهد الحاج كرم الدين.. وقال بلهجة رقيقة.. «يحصدون مايزرعون». الأرض لله عنوان من كلمات محمد إقبال. من كتابه «جناح جبريل» من ذا الذى ينبت الحب فى ظلمة الطين؟.. ومن يرفع السحاب من لجج البحار؟.. ومن الذى يسوق النسيم العليل من الغروب؟!.. لمن نور الشمس هذا ولمن هذا التراب؟.. فمن ذا الذى ملأ جيب سنابل القمح بالياقوت؟.. ومن الذى علم الفصول خاصية التغير؟! الأرض لله يهبها لعباده وليست ملكا لى.. ولا.. لك.. ولا لآبائك».