يوم السادس من شهر مارس «آذار» القادم تحتفل جامعة أسيوط بمرور خمسين سنة على إنشاء السد العالى فى أسوان. وكمقدمة لهذه الاحتفالية التى أطلقت عليها «إنجاز أمة وحياة شعب» أقامت جامعة أسيوط بالاشتراك مع جامعة موسكو مؤتمراً مهما هو المؤتمر الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط بعنوان: «المؤتمر الأول.. اقتصاديات وإدارة المياه فى العالم العربى وأفريقيا». وفى رأيى إن إقامة هذا المؤتمر تأخرت كثيرا، فقد كان من المتوقع مناقشة اقتصاديات وإدارة المياه منذ العام الأول لبناء السد العالى. ولكن أزماتنا ومعاركنا السياسية طغت على كل شىء لدرجة أننا نسينا أن العمل الجبار الذى أنجزناه يحتاج إلى الرعاية واستمرار الدراسة، وإلى التواصل المستمر مع شركائنا فى حوض النيل. لا أنكر أننا ساهمنا بالكثير فى تحرير دول حوض نهر النيل، ومصر الثورة تبنت العديد من ثورات دول حوض نهر النيل، بل إن الفيللا القابعة فى رقم خمسة شارع حشمت بالزمالك شهدت ثوار دول أفريقيا وهم يعقدون اجتماعاتهم الثورية، ويحصلون على الدعم الكامل من حكومة الثورة فى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. ما علينا.. ما جرى وكان قد كان. ولكن مبادرة جامعة أسيوط الرائعة بعقد هذا المؤتمر المهم أيام 17،18،19 من شهر نوفمبر عام 2009، كانت من المبادرات المهمة، وللأسف اعتذر وزير الموارد المائية عن حضور هذا المؤتمر المهم، ولعله لم يقرأ حتى اليوم الأبحاث المهمة التى ناقشها المؤتمر الأول لاقتصاديات وإدارة المياه فى العالم العربى وأفريقيا، وربما أيضا لم يلتفت إلى البحث المهم الذى تقدم به باحث من جامعة موسكو يصلح تماما ليكون أساساً للحوار مع دول حوض نهر النيل شركائنا فى هذا الشريان المهم ومصدر الحياة لدول الحوض، وبالتالى لم يقرأ التوصيات أو الاتفاق الذى تم بين جامعة أسيوط وجامعة موسكو على إقامة المؤتمر الثانى لاقتصاديات وإدارة المياه فى العالم العربى وأفريقيا والذى تقرر إقامته فى شهر يونيو القادم فى موسكو. أرجو أن يهتم معالى وزير الموارد المائية بالمؤتمر الأول ويتابع إنجازاته، كما أرجو أن يستعد لحضور المؤتمر الثانى فى شهر يونيو القادم. ويوم السادس من شهر مارس 2010، سوف أسافر إلى جامعة أسيوط بصحبة المهندس حسب الله الكفراوى وزير التعمير والإسكان الأسبق والذى كان مهندسا من العاملين فى السد العالى، وأيضا بصحبة الزميل الأستاذ كرم جبر رئيس مجلس إدارة روزاليوسف، حيث وجه رئيس جامعة أسيوط الدعوة لكليهما ليسهما بالحديث والحوار مع العلماء والخبراء المهتمين بالسد العالى ومستقبل اقتصاديات وإدارة المياه فى عالمنا العربى وأفريقيا. ولكن كيف حدث هذا الاهتمام باقتصاديات وإدارة المياه بين أساتذة جامعة أسيوط؟ ذكر الأستاذ الدكتور مصطفى محمد كمال رئيس جامعة أسيوط فى كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذى يرأسه: الجامعات ومعاهد البحث وهى أهم أدوات التغيير والإصلاح فى عالم اليوم، عليها أن تقوم بإجراء الدراسات الجادة والبحوث الميدانية وتبادل الخبرات من أجل أن يسلم هذا الجيل للجيل القادم خارطة طريق نتوافق عليها جميعا فى واحدة من أهم الموارد التى حبانا بها الخالق العظيم من موارد الحياة. ولتكن البداية بمحاولة تعظيم العائد مما هو متاح من تلك الموارد والحفاظ عليها والقائمون على إدارتها بالأسلوب الأمثل لتجنب الصدامات والخلافات حول البديهى والموروث من حقوق كفلها الخالق العظيم متساوية للجميع دون تمييز أو تفضيل. الاهتمام جاء نتيجة توقيع بروتوكول تعاون بين الجامعتين لمدة أربع سنوات، وكان المؤتمر أول صور التعاون. أما رئيس جامعة موسكو الحكومية ديميترى كازلوف فقد عقد المقارنة بين نقطة البترول وبين نقطة الماء. وأوضح أنه بالرغم من أن روسيا تنعم بوفرة فى الماء إلا أنها تحتاج إلى دراسة اقتصاديات هذه الوفرة لأنها قد تحتاج إلى نقطة الماء غدا. وهذا يعنى أن روسيا تدرس للمستقبل من أجل أن تحافظ على ما لديها من وفرة اليوم، وهذا عين العقل. فما بالك ونحن فى مصر نستهلك من المياه فى أمور بنيت على عادات متوارثة تجعل المياه تذهب هباء مثل صنابير المياه غير الدقيقة والتى تجعل المياه تخر يوميا فى البالوعات، وأيضاً أسلوب الرى المتبع لابد من ترشيده من أجل المستقبل وزراعة أرض جديدة فى الصحراء إلى آخر كل ما نعرفه من إهدار للماء فى مصر ويجىء فى المقدمة الزيادة السكانية سنويا، والتى سوف تجعل تعداد سكان مصر عام 2017 مائة مليون نسمة، ويومها سوف نصل إلى حد ما تحت الفقر المائى. من أجل هذا أشعر أن مبادرة جامعة أسيوط فى اختيار جامعة موسكو للشراكة فى موضوع مهم مثل دراسة اقتصاديات وإدارة المياه هو اختيار موفق، ويجعل لجامعة أسيوط سبق الريادة فى هذا المجال الحيوى الذى يهمنا فى مصر ويهم جميع أبناء بلادنا العربية وأفريقيا التى ننتمى إليها. وفى خلال ثلاثة أيام قدم المشاركون فى هذا المؤتمر ما يزيد على ثلاثين بحثا متنوعا وسع مدارك المشاركين فى المؤتمر، فقد كان كل باحث يقدم المشكلة التى تعانى منها بلده فى مجال إدارة المياه واقتصادياتها مما جعل المشاركين يشعرون بأن همّ المياه واحد سواء كان البلد يعانى من ندرة المياه، أو من كثرتها. كما أن الأبحاث العديدة التى تناولت العديد من جوانب إدارة المياه، ورصد اقتصادياتها على مستوى مصر مثلا عديدة وكثيرة ولا أحد يستفيد منها. خذ مثلا ذلك البحث المهم عن تقدير خسائر البخر من بحيرة ناصر للدكتور خالد أمين. هل اهتم أحد بهذا البحث؟ وهل قرأ هذا البحث المسئولون عن الموارد المائية؟ وإذا كانوا قد قرأوا البحث فماذا فعلوا؟ هل رصد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار هذه الأبحاث؟ وهل حاول تحليل نتائجها لرفع هذا التحليل إلى المسئولين وصانعى القرار فى مصر؟ إن مصر مليئة بالأبحاث وعلماء مصر يسهرون الليالى ويواصلون الليل بالنهار من أجل الوصول إلى دراسة ظاهرة من الظواهر، ويتقدمون إلى رؤسائهم بهذه الدراسات، وتمضى الأيام والشهور والسنون، ولا أحد يخطو خطوة واحدة لكى يقول هذا بحث جيد أو ذلك بحث ردىء! تساءل السيد رئيس الجمهورية محمد حسنى مبارك وهو على حق فى تساؤله: هل يمكن تكرار نموذج التفوق الكروى فى السياسة والأزمات الأخرى؟! وأقول بكل الصراحة والوضوح: نعم ياسيادة الرئيس يمكن تحقيق التفوق الكروى فى المجالات الأخرى السياسة والاقتصاد والأزمات الأخرى إذا قرأنا ما تنتجه العقول المصرية من أبحاث ودراسات، وأخذنا النتائج وقمنا بتحليلها ورصدها ومتابعتها بالتطبيق، ومتابعة التطبيق حتى نصلح المسار كلما تعثر أو كلما اعترضتنا عقبات! نعم ياسيادة الرئيس يمكن تحقيق التفوق الكروى فى الأزمات الأخرى إذا أخذنا حياتنا بمنتهى الجدية، فالحياة مسألة جادة وليست هزار فى هزار. والهزار الذى نمارسه ياسيادة الرئيس هو عدم قراءة الأبحاث أو التعرف على نتائجها وتحليل تلك النتائج، والأخذ بالأصلح منها. لماذا لا يرصد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار جميع الأبحاث التى قام بها المصريون فى مجال اقتصاديات المياه وإدارة المياه بعد إنشاء السد العالى؟! ولتكن نقطة البداية ياسيادة الرئيس ذلك المؤتمر الأول لاقتصاديات وإدارة المياه فى العالم العربى وأفريقيا والذى عقد فى 17،18،19 نوفمبر من العام الماضى فى جامعة أسيوط. لو قام الأستاذ الدكتور ماجد عثمان رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بالاتصال بجامعة أسيوط، فإن رئيسها الدكتور مصطفى محمد كمال، والدكتور محمد عبدالسلام عاشور أمين عام المؤتمر وأستاذ الإنشاءات المائية فى كلية الهندسة سوف يحضرون إليه ومعهم كل أبحاث المؤتمر وتوصياته. ولعل كليات الهندسة فى الجامعات المصرية الأخرى بها من الأبحاث حول المياه واقتصادياتها أو إدارتها ما يثرى هذا الجمع للثروة العلمية التى جاءت مع إنشاء السد العالى! لقد علمت ياسيادة الرئيس أن سلاح المهندسين المصرى قد أخذ فكرة هدم خط بارليف الذى أقامته إسرائيل على ضفة القناة الشرقية بعد النكسة، من تجربة السد العالى حيث شاهد المهندس المصرى خلال عمله فى السد العالى كيف تنهار السدود الترابية أمام خراطيم المياه الشديدة التدفق. ومن هذا المنطلق تظهر أهمية رصد الأبحاث وتحليل نتائجها لأن هذا يثرى معلومات المسئول السياسى عند التفاوض حول مشكلة المياه فى حوض نهر النيل الذى تضيع 85% من مياه الأمطار المتدفقة على الهضبة الأثيوبية وفى السودان وفيضانات كينيا التى تهدد سكانها. سيدى الرئيس ممكن تحقيق التفوق الكروى فى المجالات الأخرى لو نشطنا فى رصد ما بين أيدينا من كنوز وثروات علمية مهملة فى الأدراج، وعلى ديسكات الكمبيوتر فى معاهد البحث العلمى، وفى كليات الجامعات المصرية! الذخيرة وفيرة ياسيادة الرئيس، ولكن السؤال متى ننهض لجمع هذا التراث العلمى الوفير والاستفادة منه بعد دراسة الأبحاث وتحليل نتائجها؟! سؤال: هل ينهض مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فى البحث عن الكنوز العلمية ورصدها وتحليلها ورفع نتائجها إلى المسئولين وصانعى القرار؟! أرجو ذلك.