كتب : منى سراج كم من الوقت سيمر وأنا أحدق فى الصفحة البيضاء؟ منذ أن طلب منى الزميل العزيز محمد عبدالنور بحماسه المعدى وصدقه الإنسانى النادر أن أعود للكتابة فى صباح الخير وأنا أعانى من حالة ارتباك غامضة وكأنى استعد لاختبار صحفى مصيرى!! حيرتى أمام الصفحة البيضاء تعيدنى لسنوات طويلة مضت عندما بدأت أتردد على مجلة صباح الخير فى أوائل السبعينيات.. كنا مجموعة من طلبة كلية الآداب قسم صحافة نجرى تدريبنا العملى فى مؤسسة روزاليوسف.. وأذكر أن المكان بهرنا كان شديد البساطة والتواضع بالمقارنة بالمؤسسات الصحفية الأخرى التى تدربنا فيها.. ولكن كان لصباح الخير سحرها الخاص الذى لا يقاوم.. وجاذبيتها الطاغية التى تأسرك منذ اللحظة الأولى.. عالم من الفن والجمال والصحافة.. مناقشات ساخنة وآراء جريئة تخترق عقلك فتدفعك إلى التفكير وتصحبك نحو عالم جديد ومختلف.. قديماً قيل: «إن العقل يعمل بأقصى طاقاته عندما يكون مفتوحاً إلى أقصى درجة». هذا كان ما يصنعه معنا عمالقة كبار مثل حسن فؤاد وجمال كامل وصلاح حافظ وغيرهم من الأسماء الكبيرة فى عالم الصحافة والفن التى فتحت لنا أبواب مكاتبها واستمعت إلى كل ما نقوله من تفاهات باهتمام وصبر وتقدم لنا النصيحة والمساندة والمساعدة ببساطة وتواضع شديدين.. لم يكن هناك نظام السكرتيرة.. ومدير المكتب.. ومساعد مدير المكتب!! كنا نجتمع حول أستاذنا حسن فؤاد مبهورين بخبرته وقدرته على اكتشاف موهبة من أمامه فى دقائق محدودة وانحيازه التام لهموم المواطن البسيط.. ونشترك فى المناقشات الفنية التى تدور فى مكتب الفنان جمال كامل وتضم الفنان إيهاب شاكر....... رءوف توفيق ولويس جريس.. وزينب صادق.. بلا استئذان.. كنا نستمتع بتعليقات «مفيد فوزى» التى يطلقها ذكية مختصرة ومحددة فتصيب الهدف فى الصميم.. وتشدنا حالة الشغب التى يثيرها «منير عامر» كلما صعد إلى الدور السابع فى المؤسسة حيث تقع مكاتب صباح الخير... و.... أفيق من تأملاتى.. الساعة تقترب من الثالثة صباحاً وأنا لم أكتب حرفاً واحداً..!! بيكاسو قال إن أصعب لحظة لدى الفنان هى لحظة ملامسة الريشة «للتوال» الأبيض لأول مرة.. إنه التحدى الحقيقى الذى يواجه الفنان مع كل لوحة جديدة!! الورقة البيضاء هى الأخرى تتحدانى وتذكرنى بلقائى الأول بالدكتور «مصطفى محمود» وكان يحرر باباً خاصاً بمشاكل القراء.. وطرحنا عليه بعض مشاكلنا وهمومنا وأحلامنا كشباب فى سنواته الجامعية الأخيرة.. وعندما هممنا بالانصراف استوقفنى قائلاً: وأنت هل تكتبين بنفس التمكن الذى تتحدثين به؟؟ وبثقة قلت: طبعاً.. وفتح درج مكتبه وأخرج رسالة وطلب منى أن أطلع على المشكلة وأكتب له رداً وأقدمه له فى صباح اليوم التالى!!.. وكانت ليلة!! ليلة لم يغمض لى جفن فيها.. أمضيت ساعات الليل كلها أحاول أن أرتب أفكارى وآرائى المتناثرة فى عقلى وأضعها فى جمل مفهومة على الورق.. صحيح أنه نشر ما كتبته مع بعض كلمات التشجيع إلا أننى أدركت ليلتها مدى صدق كلمة أستاذنا «حسن فؤاد» الذى كان يردد أمامنا باستمرار إن الكلام سهل ولكن الكتابة أمر صعب تحتاج إلى الكثير من التركيز والاجتهاد والموهبة»!! أكتب عن إيه لمجلة صباح الخير..؟؟ موجة حماس وتحد تغمرنى وأنا أراقب خيوط الفجر الأولى تتسرب إلى غرفتى.. لن أكتب متحسرة على الماضى الجميل.. ولا على الحاضر بكل همومه ومشاكله.. ولكنى سأكتب للمجلة التى شكلت بموضوعاتها تفكيرى.. ورسمت خريطة مشاعرى وصاغت مسودات رؤيتى للحياة عن المستقبل فانتظرونى..