مرة أخرى يصبح الفنانون مصدرا لفضيحة أخلاقية مثيرة تشغل الناس وتزيد من حقدهم على الفنانين واحتقارهم للفن وفقدانهم للثقة فى الصحافة وحرية التعبير. مرة أخرى يدخل القراء والإعلاميون والمحللون فى متاهة من الشك وعدم اليقين وذلك الإحساس المثير بالخوض فى الأعراض والحديث عن تفاصيل الحياة الجنسية للآخرين وهذا الشعور الوهمى بالتفوق الناتج عن إصدار الأحكام الأخلاقية والجنائية على الآخرين. خبر يتصدر عناوين اثنتين من الصحف الخاصة، التى تسعى وراء زيادة التوزيع بأى وسيلة، فى سوق ميتة أو تكاد تستهلك من ورق التواليت أضعاف ما تستهلك من ورق الصحف، خبر له مصدر كعادة معظم الأخبار، وكثير مما ينشر ليس له مصدر أصلا سوى خيال كتاب الأخبار، ومصدر الخبر ضابط فى مباحث الآداب، سرب الخبر لثلاثة من الصحف، اثنتان قامتا بنشره والثالثة امتنعت، ومصدرى فى ذلك ثلاثة من الصحفيين الذين شهدوا واقعة قيام الضابط بتسريب الخبر. خبر يقول أن ثلاثة من الممثلين متورطون فى قضية شذوذ جنسى بعد ورود أسمائهم فى تحقيقات المباحث مع عدد من الشبان الذين تم اعتقالهم فى أحد الفنادق الكبرى بتهمة تكوين شبكة لممارسة الشذوذ. ليست هذه المرة الأولى التى تنشر مثل هذه الأخبار الفضائحية عن الفنانين. كم من صحف نشرت "أخبارا" عن شذوذ فلان وفلانة وقوائم بأوصاف الفنانين والفنانات الشواذ. الجديد هذه المرة هو عدم الاكتفاء بالصفات ونشر أسماء من بينهم نور الشريف الذى يحظى بمكانة وسمعة محترمة بين الناس ووسائل الإعلام. فضائح الشذوذ وأسرار علاقات الفراش طالت من هم أكبر من الفنانين، طالت وزراء وسياسيين ورجال أعمال، لكنها لم تثر جدلا مماثلا لأنها ظلت فى إطار الأخبار المجهلة التى تصف الشخص أو الصفة التى تلصق به بطريقة مواربة وغير مباشرة، وبالتالى فإن الخبر لا يصدم القارئ ولا يدعوه لمواجهته بإتخاذ موقف ضد هؤلاء، وإنما يدعوه فقط للابتسام وتناقل الخبر فى جلسات النميمة اليومية التى يعشقها ويتغذى عليها المصريون. انتفضت نقابة الممثلين وكشر نقيبها عن أنيابه، وارتدت نقابة الصحفيين رداء العفة وأخلاق المهنة وزعمت أنها تحارب اللامهنية واللا أخلاقية مع أنها تركت المهنة تنهار وتفقد تقاليدها وأخلاقياتها واحترامها. وانتفضت أجهزة الدولة الأمنية والقضائية وكأنها المرة الأولى التى يتم فيها تلفيق قضية جنسية لفنانين أو يتم نشر أخبار غير صحيحة عنهم. . هل السبب هو أن تهمة الشذوذ قاسية جدا إلى هذا الحد، مع أنها الشتيمة الشعبية الأولى التى تبادلها المصريون، ومع أنها كما قال لى الأديب وأستاذى الراحل فتحى غانم ذات يوم، كانت التهمة الأكثر استخداما من قبل السياسيين تجاه بعضهم البعض قبل الثورة، وربما حتى الآن. لكن القارئ يعلم، كما تعلم أجهزة الدولة والصحفيون القريبون من الوسط الفنى، أن بعض هذه "الشائعات" صحيح، وأن فلانا أو فلانة من الفنانين يمارسون سلوكيات جنسية تخالف الأخلاقيات التى يزعم المجتمع أنه يلتزم بها، ولا يعنى هذا أن الوسط الفنى أكثر فسادا من غيره أو أن الفنانين لديهم ميل للانحراف أكثر من غيرهم، ففى كل مهنة وطائفة وجماعة هناك شواذ جنسيا، ونساء يستخدمن الجنس لمصالح مادية ومهنية، ورجال يتحرشون بكل امرأة أو طفلة يلتقون بها.. والخارجون على الأخلاق الجنسية العامة يوجدون بين الفنانين والسياسيين كما يوجدون بين الأطباء والمدرسين والصحفيين وحتى رجال الدين، كما يوجدون بكثرة أكبر فى الطبقات الأفقر التى تعتقد أن الأغنياء والمشاهير أكثر فجورا منهم، ونظرة واحدة إلى صفحات الحوادث المنشورة فى جرائد الأسبوع الماضى ستخبرك عن فضائح واغتصاب أطفال ومحارم وجرائم عنف وقتل لأسباب جنسية وسط الأحياء الفقيرة والريف، أقل ما تفعله بك أنها ستتركك فى حالة نفسية مزرية. ولكن الفنانين طبعا هم الحائط المائل الذى يعرج عليه كل من أراد قضاء حاجته من النميمة وتفريغ الحقد الطبقى وكراهية الفن والنساء، وخصوصا النساء.. خيل أن الخبر الذى أثار الدنيا لم يكن يتعلق بفنانين رجال وإنما ببعض الممثلات النساء. أعتقد أن نقيب الممثلين أشرف زكى نفسه كان سيعلن أن النقابة ستحقق مع هؤلاء المتهمات بالشذوذ بدلا من أن ينبرى للدفاع عنهن والذهاب إلى النائب العام لتقديم بلاغ ضد الصحيفة التى نشرت الخبر كما فعل مع نور الشريف! الفنانون هم الحائط المائل الذى تميل عليه الجهات الأمنية حين ترغب فى عمل "فرقعة" أخلاقية تشغل الناس عن أشياء يراد لهم أن ينشغلوا عنها، وهم الحائط الذى يميل عليه المتطرفون دينيا والمقاتلون باسم الأخلاق والساعون وراء المظهرة الإعلامية والسياسية، وهم أخيرا الحائط الذى تعلق عليه الصحف والفضائيات غسيلها المتسخ من الفضائح والنميمة من أجل جذب أنظار القراء. ولكن فى يوم وليلة أصبحت سمعة الفنانين هى المعول الذى ينقض به أعداء الحرية، حرية الصحافة وحرية السلوك الجنسى الشخصى، على الصحافة لأنها تجرأت ونشرت أسماء فنانين متهمين بالشذوذ. المشكلة ليست صحة التهمة ولكنها الجرأة على الإعلان. المجتمع يقبل وجود مثليين جنسيا بين صفوف الفنانين والوزراء وبين أفراد العائلة الواحدة، ولكنه لا يقبل ولا يتحمل الإعلان عن ذلك صراحة. لأن الأخلاق ليست هى غايتنا، وإنما صورتنا المزيفة الخادعة أمام الآخرين وأنفسنا. حين نحطم مرآة الأكاذيب التى نحدق فيها ستتلاشى بقية الآفات: من شهوة النميمة إلى تلفيق التهم لإلهاء الرأى العام إلى صحافة الاسترزاق من وراء الفضائح الجنسية. هذه الآفات كلها مثل الضباع تعيش على جثة الحقيقة التى يقتلها الكذب!