شط إسكندرية... يا شط الهوا... رحنا إسكندرية... ورمانا الهوا هكذا غنت فيروز الرائعة منذ سنوات طويلة للحب وللإسكندرية... ولكن فى هذا الزمن الأمر تغير، تغير كثيرا، أصبح هناك رقباء يعطون لأنفسهم الحق فى أن يتحدثوا باسم الفضيلة والشرف والأخلاق... على شط إسكندرية... لاحظت أن هناك من أنفق الكثير على طول الكورنيش كله ليكتب على أحجاره وأسواره الآية الكريمة ألم يعلم بأن الله يرى؟ وجملة أخرى تقول: هل ترضى ما تفعله لأختك؟ وعلى الأحجار صورة مرسومة لشاب يجلس بجوار فتاة ويضع يده على كتفها أغرب ما فى الأمر أن هذه الآية وتلك الصورة موجودتان على طول الكورنيش، ولا أعلم من هو بالضبط الذى كتب ورسم هذه الصورة؟ هل هو تطوع من المحافظة نفسها؟! هل هو تطوع من الشركة المصممة والمنفذة لكورنيش الإسكندرية؟.. هل هو تطوع من بعض الأهالى الذين أرادوا أن ينشروا الفضيلة من وجهة نظرهم.. من المؤكد أن البعض ستعجبه الفكرة والمبادرة الأخلاقية ولكن المفاجأة هى أنه رغم الجهود المبذولة لهذه الحملة الدعائية الأخلاقية والتكاليف المدفوعة إلا أن الشباب والفتيات يجلسون على هذه الأسوار المراقبة بمنتهى الحرية والتلقائية، بالمصادفة ربما وربما بالقصد فهم يجلسون تحديداً فوق المكان المكتوب عليه تلك التعليمات الأخلاقية وكأن هناك قصداً أو تعمداً بالرفض والتمرد من تلك الفكرة التى تحجر على حقهم فى ممارسة الحياة بشكل طبيعى.. أو هكذا يبدو المشهد لمن يراه عن بعد. الحقيقة إنه لا اعتراض على أية دعوة أخلاقية ولكن اعتراضى هنا على الوسيلة وعلى الفكرة وعلى طريقة التعامل مع شبابنا وبناتنا فى توجيههم أو على الأقل التواصل معهم.. نحن نتحدث عن الشباب بطريقة سطحية وغبية أحياناً، والدليل أنه مع كل هذه التوصيات المكتوبة والمرسومة بطول الكورنيش إلا أن الشباب يفعل ما يريد ولا يهتم لأننا لا نسأل أنفسنا ماذا يريد الشباب وبأى خطاب يريدون التواصل معنا.. لن يتوقف الشباب والبنات عن الحب ولا عن المصادقة بتلك الإرشادات الساذجة السطحية، وأيهما أهم وأعمق أن نتحاور مع الشباب والبنات عن العلاقات السوية الصحية المتوازنة العاقلة، أم الأجدى هو أن نطلق شعارات أخلاقية عابرة؟ هناك مشكلة أخطر.. ليست بالطبع مشكلة أن يحب شاب فتاة، ولكن المشكلة الأكبر ما هى مفاهيم كليهما عن الحب وعن العلاقة الشريفة؟! والشرف هنا يعنى الالتزام والصدق فى المشاعر، لا التسلية والاستغلال وابتزاز المشاعر. البعد الثانى الذى استفزنى حقيقة هو أن يبذل شخص ما أو جهة ما كل هذه التكاليف والمشقة لتلك الدعاية السطحية وهو يعلن من نفسه وصيًّا أخلاقيًّا على المجتمع، فى حين أن من حق سكان مدينة الإسكندرية أن يتمتعوا بشكل جمالى وإبداعى على كورنيش هذا الساحل. المشكلة أن تلك الوصايا الأخلاقية هى نوع آخر من العشوائيات، فنحن لا نفهم أن لكل مقام مقالا، وأن الحديث عن الأخلاق وطبيعة العلاقة بين الشاب الفتاة هو بالتأكيد ليس مكانه كورنيش الإسكندرية ولا الشوارع ولا حوائط وأسوار الأبنية المختلفة، فالدعوة للحجاب أو للأخلاق ليس مكانها الملكية العامة للمجتمع، يبقى السؤال.. من من حقه أن يمسك بالفرشاة أو الطلاء أو البوية ليكتب بها ما يشاء من أفكار ومعتقدات على ملكية عامة من حق الناس جميعهم؟! من من حقه أن يعلن نفسه المتحدث الأعلى باسم الأخلاق والفضيلة؟! فالحديث عن الأخلاق لا يطرح بتشويه الملك العام.. لأن هذا منتهى اللأخلاق... أمل