حدثت طفرة فكرية وعلمية حقيقية منذ تبني الخلفاء الفاطميين لمشروع ثقافي عالمي فأنشأوا المكتبات المجمعة التي حوت جميع أصناف العلوم والفنون والآداب وأشهر هذه المكتبات مكتبة القصر الشرقي ودار الحكمة. مكتبة العالم كانت تلحق بالقصر الشرقي مكتبة وقد زودها الخلفاء الفاطميون بأندر المؤلفات في مختلف الفنون والعلوم وكان تجار الكتب يعرضون علي موظفي مكتبة القصر أندر الكتب التي يعثرون عليها، وكان بهذه المكتبة أربعون خزانة كتب في سائر العلوم والفنون وتحتوي كل خزانة علي عدة رفوف والرفوف مقطعة بحواجز وفيها من أصناف الكتب في الفقه علي سائر المذاهب والنحو واللغة والحديث والتاريخ وسير الملوك والفلك والكيمياء. وكان الخليفة العزيز بالله يهتم بنفسه بالمكتبة ويتردد عليها من وقت لآخر ويزودها بالمؤلفات التي ضمت إحداها عشرين نسخة من مؤلف الطبري الشهير، ومن بينها مخطوط أصلي بخط يده، ويقول المؤرخ ابن أبي طيي إن هذه المكتبة التي يعتبرها إحدي عجائب الدنيا كانت تضم أكثر من مليون و006 ألف مجلد! دار الحكمة أسس الخليفة الحاكم بأمر الله عام 593ه (دار الحكمة) وزودها بمكتبة عرفت باسم دار العلم حوت الكثير من الكتب في سائر العلوم والآداب من فقه ونحو ولغة وكيمياء وطب وسمح لسائر الناس علي طبقاتهم بالتردد عليها وفي ذلك يقول المقريزي: "وجعل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله ما لم ير مثله مجتمعاً لأحد قط من الملوك، وأباح ذلك لسائر الناس مع طبقاتهم، منهم من يحضر للقراءة ومنهم من يحضر للنسخ ومنهم من يحضر للعلم، وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والأقلام والورق والمحابر". وقال ابن الميسر عن زمن الشدة العظمي الذي حل بمصر للدلالة علي ما كانت تتمتع به قصور الخلفاء ومكتبات شارع المعز: "كثير من التجار المصريين قد هربوا إلي سوريا وإلي بغداد حاملين معهم الكثير والكثير من الكنوز المسروقة من قصر الخليفة المنهوب؛ كان من بينها ثلاثون ألفاً من مشغولات الكريستال وخمسة وسبعون ألفاً من السيوف، وأخذوا معهم الذهب ومخطوطات الكتب المجلدة التي كان من بينها واحد يتكون من ثلاثين مجلداً"، ويضيف ابن الميسر أنه قد رأي هذا المؤلف بنفسه. ويؤكد مؤرخو العصور الوسطي أن الغرب الأوروبي استفاد استفادة كبيرة من شرائه للمجلات والكتب التي أقدم صلاح الدين الأيوبي علي بيعها زمن الحروب الصليبية ومدي الخسارة التي خسرها الشرق من بيع هذه الكنوز وإحراق بعضها. لايهم الاسم لم يقتصر النشاط الثقافي الفاطمي علي المكتبات وحسب بل جذبت القاهرة عدداً من مشاهير العصر ولم يهم الاسم أو الديانة المهم مدي الاستفادة العلمية من هؤلاء.. وكانت البداية عندما استدعي الخليفة الحاكم بأمر الله عالم الطبيعة والرياضيات الكبير ابن الهيثم للمجيء من البصرة إلي القاهرة، كما جاء ابن بطلان الطبيب وعالم اللاهوت المسيحي من بغداد وأقام في القاهرة خلال الفترة ما بين عامي 0501 4501م حيث أجري محاولة تاريخية شهيرة مع ابن رضوان كبير أطباء الخليفة المستنصر.. وجاء موسي بن ميمون عالم اللاهوت والطبيب اليهودي من قرطبة للإقامة بالقاهرة عام 5611 وتوفي بها عام 4021م. منع التجوال كانت مدينة القاهرة الفاطمية مقراً للصفوة الحاكمة وكانت تطل عليها قصورهم ومبانيهم الزاهرة، وقد غلبت علي أنشطة شارع المعز كقصبة عظمي لعاصمة الخلافة أنشطة الحياة الأرستقراطية ولم يكن مسموحاً لعامة الناس بالتجوال في القاهرة في جميع الأوقات!! وكانت الفسطاط وضواحيها مركزاً للحرفيين والصنايعية تاركة العاصمة الجديدة للأرستقراطيين من سياسيين وعسكر. ويقول بعض المؤرخين أن الفاطميين أغلقوا مدينتهم الجديدة عليهم خوفاً من الاختلاط بالمصريين فتضيع هويتهم أمام الهوية المصرية التي كانت تطغي علي أي هوية قادمة إلي بلادهم. هذا عن علاقة الفاطميين بالمصريين أما رجال السياسة الأجانب فقد فرضت البروتوكولات علي الرسل الأجانب إذا جاء أحدهم إلي الخلفاء الفاطميين أن يترجل عند باب الفتوح ويقبل الأرض ويتوجه في شارع المعز حتي يصل إلي القصر الكبير، وهذا له دلالات واضحة علي القيمة والقداسة السياسية التي اكتسبها شارع المعز وقتذاك ولم يقتصر الأمر علي السفراء الأجانب إذ امتدت قداسة الشارع إلي البروتوكول الحاكم لتصرفات الخلفاء والسلاطين أثناء مراسم توليتهم فشهد شارع المعز أفخم مواكب تتويج الخلفاء والملوك والسلاطين في العصور الوسطي.