يملك هذا الفنان واحة صفاء تمنح عيونه توازنا مذهلا بين خطوطه المرسومة وبين ما فى قلبه من موسيقى. وأى رسم له أو لوحة ستمنح العين صفاء متدفقا من تلك المعانى التى توجد بالإنجيل وهى تعانق صفاء موسيقى القرآن، وستمتلك بعد رؤيتك لهذا الصفاء درجة من الراحة والانتباه، فإيهاب مصور لا يزعج روحك، ولكنه يزيل عنها تراب الركاكة وترهل الفتور. وفى بعض من رسومه يمكنك أن ترى حركة المنشدين فى موسيقى كارمينا بورانا لكارل أورف، تلك الموسيقى التى تحكى أشواق العشق حتى فى قلب الزهد، ومن حرارة الوجد يمكنك أن ترى رحلة إعادة ميلادك من جديد، وفى اللوحة التى يرسمها إيهاب يمكنك أن ترى أيضا كيف تمتزج السمفونية التاسعة لبيتهوفن بإيقاع المنشدين فى الموالد المصرية عندما يبدأون فى ذكر الخالق الوهاب، فقارب الشجن فى خطوطه وألوانه يعيد لك تصور مراكب شمس جديدة، وتهبك كرسى الفرعون القادر على العبور إلى الخلود دون أن تفقد علاقتك بالحياة. ولا أحد من أساتذته ينسى كيف امتلكت روحه تلك الحيوية التى ترفرف كطائر سماوى يجسد نفسه خطوطا وألوانا. ومن الصعب حصار هذا العبقرى المتدثر بكبرياء الزهد فى شكل إبداعى واحد، فهو رسام للكاريكاتير ورسام بالخط الذى يبدو كمجموعة آلات موسيقية، وله علاقة خاصة بالألوان، فلوحاته تتنقل بين أشكال إعادة تصوير العالم من الضحكة إلى رعشة العشق دون أن تمر بك لحظة إحساس بالخطيئة، إن ريشته وفرشاته تملكان رهافة التصوف المبتعد تماما عن جحيم الركاكة. وإذا كان خيال الفنان يشتاق دائما لسنوات الطفولة، فالرحيل إلى هذا العالم قد يفتعله البعض، وقلة نادرة من الفنانين هم القادرون على أن يدقوا باب طفولتهم بسهولة ويسر، وهناك يلتقون بأبطال حكايات الأمهات والجدات، أو يركبون خيولا من السحاب ليشاهدوا العالم السحرى الذى يروى الروح بنور خيال رائع، وإيهاب شاكر واحد من هؤلاء الفنانين العظام. ولعل تصوفه الزاهد قد تجلى فى سنوات غادرنا فيها إلى باريس ليعيش تلميذا - وهو الأستاذ - كى يدرس فنون الرسوم المتحركة، وليصنع أفلاما تؤصل وجود هذا الشكل من التعبير أمام العيون. ولم يفقد أبدا علاقته بالبسطاء منذ أن كان طالبا بكلية الفنون، ويمكن لمن يسمع آراء أساتذته فيه أن يرى كيف تتعانق كلماتهم مع صفاء موهبته ليتحولوا إلى منشدين فى فريق موسيقى يقدس الفن الراقى. وإذا كان مولانا النفرى المتصوف العظيم قد قال «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة» فإيهاب شاكر يصعب تلخيص رحلته فى العطاء الفنى إلا فى كلمة واحدة هى «إخلاصه للفن وهبنا الكثير من اللوحات التى تثرى الروح». ولعله واحد من قلة نادرة فى عصرنا، ممن يمتلكون حرارة تشجيع الأجيال الشابة، وهو من أهدانا عددا لا حصر له من التلاميذ خلال السنوات العشرين الماضية. ولأن إيهاب إنسان وليس مخلوقا من خشب أو حجر، لذلك ستجد عيونه وهى تلمع بالشفقة المشوبة بعدم الاحترام لكل رسام يبعثر موهبته فى تقليد غيره، ويرى الفنان الذى يفعل ذلك إنما يبعثر وقتا وألوانا وخطوطا كانت قادرة على أن تمنحه طريقا خاصا للإبداع إن أخلص هذا المقلد لما فى قلبه من إمكانيات تزيح إحساس عدم الجدارة من عيونه ليشق طريقه الخاص. وإذا كان ملتقى الرسوم المتحركة قد كرم إيهاب شاكر هذا الأسبوع على إبداعه فى هذا المجال، فلا شك أننا فى حاجة إلى معرض شامل لهذا الفنان الرقيق والمدهش والجليل. ولا يمكن أن نتجاهل ما أضافته سميرة شفيق رفيقة روحه لحياة إيهاب، فهى لم تهبه شهد وياسمين المتفوقتين كل منهما فى مجالها، ولكنها وهبته أيضا إحساسا بأن اختياراته فى هذا العالم كانت هى الاختيارات الصحيحة، الزهد المتدثر بكبرياء احترام الروح