«يهودي» أشهر إسلامه، ويعلم الله ما الذي كان يخفيه في نفسه ضد الإسلام الذي دخل فيه. إنه «عبدالله بن سبأ»، الذي أخذ يتنقل من اليمن إلي العراق في كل من الكوفة والبصرة، بعدها توجه إلي مصر يبث سمومه ضد الإسلام وضد الحكام وصولا إلي الطعن في الخليفة «عثمان بن عفان» خلال فترة أواخر حكمه، منها ما هو متعلق بأمور دينية مع ما هو معروف من إمكانية الفتنة عند الاختلاف في فهم المسائل الدينية، ومنها ما يتعلق بأمور تتصل بالإنفاق في الدولة وبحكام الأقاليم. أخذ بن سبأ وعدد من رؤوس الفتنة في كل من مصر والعراق بالبصرة والكوفة يتصرفون علي طريقة الطرف الثالث الذي يتحرك في الخفاء لإشعال الفتنة، ثم يواصل تأجيج الفتنة وإعادة إشعالها كلما لاحت في الأفق بوادر لإطفائها. يكتبون بالمطاعن المكذوبة في الخليفة عثمان بن عفان ويضعون عليها توقيع الصحابة مثل توقيع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وكذلك توقيع السيدة عائشة، وهو ما اكتشفته السيدة عائشة حين سألها البعض باندهاش عن سر دفاعها عن الخليفة عثمان بن عفان بعد مقتله، بينما قد سبق لها أن كتبت تطالب الناس بالخروج عليه خلال حياته، فأبدت السيدة عائشة دهشة أكبر ونفت تماما مسألة قيامها بكتابة أي شيء ضده، بما يشير إلي وجود طرف كان يتحرك في الخفاء لإشعال الفتنة عبر استخدام أسماء الصحابة والسيدة عائشة من أجل ترويج الفتنة بين الناس في وقت لم يكن من السهل خلاله التأكد من دقة المعلومات نتيجة لاتساع الدولة، فكان الاعتماد علي استخدام أسماء الصحابة كمصدر موثوق فيه يمنح مصداقية للمعلومة المغلوطة التي يعمل رؤوس الفتنة علي إثارتها ضد الخليفة مع إخفاء الغرض الأساسي وهو تقويض الدولة من الداخل.. وقد استمر «بن سبأ» وغيره من رؤوس الفتنة يثيرون الناس، إلي أن توجه الثائرون من مصر وكذلك من الكوفة والبصرة بالعراق إلي المدينةالمنورة مقر الخليفة. عرضوا مطالبهم علي ثالث الخلفاء الراشدين سيدنا عثمان بن عفان وشكاواهم ضد الولاة في أقاليمهم، وأخذهم سيدنا عثمان بالحسني وتفاهم معهم فخرجوا من عنده في طريق السفر كل إلي بلده، ثم إذا بهم يعودون من الطريق وقد اشتدت ثورتهم، حيث طرف ثالث قام بالوقيعة. فقرارهم بالعودة كان بسبب أن المجموعة التي كانت قد قدمت من مصر ووافق لهم الخليفة علي عزل الحاكم أو الوالي عليهم وتعيين «عبدالله بن أبي بكر» مكانه، قد لاحظوا وهم في طريق العودة ظهور شخص علي ناقة في الطريق من المدينةالمنورة إلي مصر، وقد شكوا فيه فأوقفوه وقاموا بتفتيشه فإذا بهم يجدون معه خطابا «كان الخطاب مزورا» من عثمان بن عفان إلي والي مصر يتضمن أسماء عدد منهم وأمر منه بقتل بعضهم وتقطيع أطراف البعض الآخر، فلما قرأوا الخطاب ثاروا وقرروا الرجوع إلي المدينةالمنورة مرة أخري، وبمجرد وصولهم إلي المدينة وجدوا أن زملاءهم الذين كانوا في طريق عودتهم إلي الكوفة والبصرة قد عادوا لنصرتهم، انطلاقا من أن هناك من أبلغهم بما جري معهم (الطرف الثالث). تجاوز عدد الثائرين الذين وصلوا إلي المدينةالمنورة حوالي الألفين، بينما كان عدد الصحابة في المدينةالمنورة مقر الخلافة الإسلامية حوالي ال 007 وفي هذه المرة قام الثوار بمحاصرة بيت الخليفة، إلي أن تطورت الأمور إلي قيامهم بقتله. بعد مقتل الخليفة واصل الطرف الثالث تأجيج الفتنة، ففي موقعة «الجمل» التي كان سيدنا علي خلالها في طرف والسيدة عائشة في الطرف الآخر كان من الممكن ألا تحدث الموقعة لأن الطرفين قد تفاهما، لولا تسلل طرف ثالث قام في الليل بقتل عدد من كل فريق والادعاء بأن القتل تم عبر خدعة من الطرف الآخر، فاشتعل القتال بينهما. لقد ذكرت باختصار ملامح من هذه الوقائع المتعلقة بالطرف الثالث المجهول الذي كان يؤجج الفتنة الكبري خلال أواخر فترة ثالث الخلفاء الراشدين، لكي أشير إلي أن مسألة وجود طرف ثالث اليوم يعمل علي إثارة الفتنة في مصر هو أمر وارد جدا، والوقوع في فخ الطرف المجهول هي مسألة ليس من الغريب حدوثها، فوجود أطراف يهمها عدم وصول الثورة المصرية إلي بر الأمان هو أمر لا خلاف عليه. ففي الداخل الفلول يهمهم إشعال الفتنة انتقاما من أجل مصالحهم التي تم ضربها، وأطراف خارجية علي رأسها إسرائيل خسرت من أسمته بأنه كان كنزا استراتيجيا لهم، ووجدوا أنفسهم لأول مرة منذ سنوات أمام مصر التي يخافون من استعادتها لمكانتها الحقيقية بما يمثله هذا من تهديد لإسرائيل. يارب احمنا من الفتنة لنصل بالثورة إلي بر الأمان.