من اليأس والإحباط والحزن إلي الفرح والأمل والحلم بمستقبل أفضل، يعود إلينا الفنان التشكيلي (حلمي التوني) بمعرضه الجديد (كان يا ماكان) بقاعة بيكاسو لتكتظ أعماله الجديدة بالنساء الجميلات والبنات البريئات اللاتي يحتضن علم مصر الذي استرد كرامته بفضل ثورة 52 يناير، والتي وصفها التوني بالمفاجأة لكل المصريين والعالم من حولنا. ويحكي أنه قبل ذلك كان يعيش حالة حزينة مع جميع المصريين وكان يرسم لوحات - خاصة في السنة الأخيرة - فيها الكثير من الأسي والنقد المغلف بالسخرية وأحيانا التنبؤ وربما التمني ثم كان ما كان وتبدل الحال من اليأس إلي الأمل ومن الإحباط إلي الفرح فكانت لوحات القسم الأكبر من المعرض الجديد الذي يضم أكثر من أربعين لوحة كلها مرسومة بالألوان الزيتية وهي لوحات تجاورت فيها البنات والنساء مع علم البلاد وهي لوحات حاول أن يقدم فيها التوني استشرافا لمستقبل يتلون بألوان الفرح والأمل. وفي هذه اللوحات يلعب التوني مع بطلاته في حوارات فنية متنوعة، فمرة المرأة فتية ناضجة تحمل الأهرامات في شكل علم مصر علي رأسها، ومرة ترتدي اليشمك والطرطور وخلفها المشربية، ومرة ثالثة تحتضن ابنتها، وفي بعض اللوحات يرجع إلي الرموز الشعبية التي اشتهر بها ليرسم الفتاة تحمل في يدها العلم وفي يدها الأخري سمكة كبيرة، وفي لوحة أخري يرسم فتاة تحمل العلم ومعها أسد وملاك، وفي معظم هذه اللوحات يرفرف علم مصر الذي أصبحت له قيمة ومعني، ومعظم الرموز الشعبية يستخدمها التوني محملة بإسقاطات معاصرة لها دور سياسي واجتماعي، ولكنه لا يفصح عنه وإنما يترك الرؤية للمشاهد، ومن هنا تأتي أهمية لوحات القسم الثاني من المعرض وبطلها المهرج الذي يقدمه التوني في أوضاع حركية مختلفة، فمرة يجلس علي كرسي الحكم ومرة يلعب بالحبل أو يفكر مع ولده (المهرج الصغير) ومرة يصوره من ظهره وقدمه مخصبة بالدماء، وأحيانا يرسمه علي كرسي الحكم وفي يده هراوة باطشة، ومرة يصور المهرج وزوجته وابنه، وبقية المعرض به رسومات متنوعة تلعب علي تيمة الرموز الشعبية مثل لوحة الفتاة والحصان أو يصور فتاة فرعونية تحمل العلم أو ترتدي قرطا في شكل علم مصر أو يجعلنا نركز علي السمكة - رمز الخير في الرموز الشعبية - وقد تم أكلها حتي أصبحت شوكا فقط. وهناك لوحات كثيرة ترصد علاقة العلم المصري بالنساء والفتيات وتدفعك للتفكير في هوية مصر التي يستشرفها التوني ويتمناها في شكل مصر الليبرالية المنفتحة علي الآخرين المحبة للحياة، ولكنه يخاف عليها من حكم الديكتاتور أو حكم التيارات الدينية المتطرفة. ورغم تألق ألوان وبطلات المعرض كعادة التوني في الاهتمام بالألوان وخصوصاً الأخضر والأصفر والبني والأزرق والأحمر إلا أن شيئا ما يقلق التوني ونحن معه إذا أدخلنا مصر قفص العسكر أو حكم الإسلاميين المتشددين.. فمصر ليست كذلك بل هي المرأة الجميلة الناضجة المحبة للحياة والتي تقبل الجميع وتعطي الحياة والنماء والأمل لكل الدنيا.