الرب يدافع عنكم وأنتم صامتون، لكن بعض القساوسة لم يصمت، ولا أراد، لذلك وضع السم فى عسل الحديث عن الوحدة الوطنية، ووضع السيانور الزعاف فى «اليوتيوب». لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، وهو سبحانه لا ينظر إلى كل مشاء بنميم، لكن بعض المشايخ يعتدون، ويفرقون، ويبغضون، ويسيرون فى الأرض بنميم ، وبقول ذميم. لا الذى وضع السم فى «اليوتيوب» خلال أزمة ماسبيرو، ينظر إليه المسيح، فيدخل ملكوت السماء، ولا الذى اعتدى بالقول، على الأقباط من المشايخ، فكفرهم، وفت فى عضض الدولة، وباعد بين أبنائها، ولاجج، ثم جادل فقلب المسلمين على الأقباط، بعدما قلب المسلمين على المسلمين، يمكن أن يدخل فى رحمة الله ونور دين الله، وصراط دنياه المستقيم. فى الأزمات يظهر سم الطائفية «إليكترونيا»، وفى المواجهات الطائفية كان «الرك» على اليوتيوب، و«الفيس بوك»، ومواقع أخرى لم تساعد على نشر الفرقة فقط، إنما كانت إحدى دعائم زرع الطائفية بسرعة مذهلة. السؤال: هل المصريون طائفيون؟ الإجابة: لا، لكن هناك من يحرك فيهم حمية الدين، ونزعة التفرقة، فينشر «خط إليكترونى طويل» يستطيع أن ينشر طاعون الغضب فى ساعات قليلة، بين مصريين، مفترض أنهم طالت بهم سنوات الحضارة، بلا تخصيص دينى، ولا عنصرية. أزمة ماسبيرو كشفت أزمة «اليوتيوب». فقد أثار «فيديو» للراهب أنطونيوس الجوارحى أقباطا كثيرين، قبل ساعات من أحداث الكورنيش، بينما حفز الفيديو نفسه، مزيدا منهم، بعد الأحداث. فى المقابل، كان أن أعاد بعضهم، بث أكثر من فيديو للشيخ مفتاح «أبويحيى» على «اليوتيوب» أيضا، وصف فيه الأقباط بالكفرة والملاعين، ردا على كلام أنطونيوس. كان أبويحيى وقت الأحداث الأخيرة فى السجن، على خلفية محاكمته على التحريض فى أحداث كنيسة إمبابة المعروفة باسم «أزمة عبير»، بينما كان الراهب أنطونيوس، خلال الأحداث أمام مبنى التليفزيون، والصح أن يذهب هو الآخر إلى حيث أبويحيى. فى الفيديو، هدد الراهب أنطونيوس، المشير طنطاوى، وهدد محافظ أسوان، وقال: هضرب المحافظ باللى فى رجلى»، وتكلم عن «احنا» و«هم» وقصد المسلمين والمسيحيين! ماذا كانت تعنى تهديدات أنطونيوس، وما الذى أشار إليه كلامه؟ المعنى أن الرجل أولا هدد الدولة، وثانيا، فصل كلامه فصلا شديدا بين المصريين، فقسمهم إلى أقباط ومسلمين. حتى وإن كانت الأزمة قد فصلت بين الاثنين، فكان من المفترض فى رجل الدين على الأقل، محاولة رتق هذا الفصل، ورفض عدم الوصل. فالمفترض - مرة أخرى - فى الراهب أن يكون الطريق لملكوت الله، لا الطريق إلى ستين داهية! أزمات كثيرة كانت «أحداث ماسبيرو» أزمة، فجعلها فيديو الأنبا أنطونيوس أزمتين، بينما زادتها لقطات للمشايخ أبوإسحاق الحوينى، وحسين يعقوب، والشيخ مفتاح «أبويحيى» على المواقع الإليكترونية إلى ثلاث كوارث ! فى الوقت نفسه فإن أحداث ماسبيرو، ومن قبلها أحداث قرية «صول»، وكنيسة المنيا، وحوادث أخرى، كانت أعراضا لمرض، لذلك يرى كثيرون أن الحلول ليست فى مراقبة الأعراض، إنما فى مداواة الأمراض، وعندهم حق. فالأمراض لدينا لم تبدأ من «ماسبيرو»، إنما هى تسرى تحت الجلد منذ زمن، ربما أحد أهم عوامل المساعدة على انتشارها كان ما يمكن تسميته ب «إعلام عرفى» غالبا ما يصب فى أيدى الشباب، خلال دقائق بعد كل أزمة، أو تحضيرا لكل كارثة، فيزيد الشحن، وينقل المرض، ثم يظهر العرض، بينما نسقط نحن فى أيدينا، ونلف وندور حول أنفسنا، محاولين السيطرة على الأعراض. مقابل فيديو الراهب أنطونيوس (القبطى)، خرج على اليوتيوب أكثر من أنطونيوس (مسلم). وخلال الأحداث الأخيرة، كانت الأبرز مقاطع «فيديو» تم إخراجها بواسطة ما يسمى ب «المرصد الإسلامى لمقاومة التنصير»، أحد أشرس مواقع الطائفية الإلكترونية. وسائل «الشحن» الدائم لدى «المرصد» مختلفة، لكن خطب الشيخ أبويحيى، تأتى على القائمة بلا منازع. وخلال أزمة ماسبيرو، بث «المرصد» مجموعة من تسجيلات أبويحيى، وصف فيها الأقباط ب «الكفرة»، واعتمد فى برهنته على «كفرهم» على أحاديث نبوية، ووقائع تاريخية، كان النبى (ص) طرفا فيها، أو مجموعة من الصحابة. تسجيلات «أبويحيى» المذاعة على هامش أحداث ماسبيرو كانت قديمة، لكن هناك من أعاد بثها، مع ما يمكن استقراؤه من ظهور هذه التسجيلات، فى وقت يعلن فيه الأنبا أنطونيوس، أنه «هيضرب المحافظ باللى فى رجله»، وأن الدولة إن لم تستجب، فإن العاقبة سوف تكون سيئة، حسب كلام الراهب أنطونيوس! مواقع «أنا سلفى»، و«أنا المسلم»، و«دين الله واحد»، نافست الفترة الأخيرة، موقع «مرصد مقاومة التنصير» نحو الوصول بخط «التحريض الطائفى» إلى حيث لا رجعة، فى حين لا أحد يعرف ما الغرض، ولا السبب، ولا حتى التصورات المرجوة. هل مطلوب مثلا أن يغادر الأقباط المصريون إلى كندا والولايات المتحدة وأستراليا، كما دعاهم الشيخ «أبويوسف» فى فيديو على اليوتيوب شوهد خلال أزمة ماسبيرو؟ أم أن على المسلمين أن يعترفوا بأنهم «ضيوف» على المسيحيين، أهل البلاد الأصليين، وعليهم أن يعيدوا البلاد إلى أصحابها، على حد قول أحد القساوسة فى فيديو آخر، قديم، أعيد بثه إليكترونيا أيضا خلال الأحداث الأخيرة؟ لم تعد الطائفية، مقصورة على المادة المذاعة، إنما نفذت أيضا إلى أسماء المواقع الإليكترونية. مثلا موقع إسلامى اسمه «دين الله واحد» لابد أن يشير فى المقابل، إلى أن عقيدة الآخر ليست من عند الله، وأن دين الآخر، هو بالضرورة ليس دين الله أيضا، لأن دين الله واحد، يدين به واحد يرى أن الآخرين ليسوا أصحاب دين! أما اسم «موقع مقاومة التنصير» فكان كارثة فى حد ذاته. الاسم يشير إلى وجهة نظر أصحابه فى قضية المواطنة، فيظهر أن هناك «صراعا» ما بين جبهتين، الأولى هى فئة النصارى التى تظهر من خلف حجاب «معتدية»، بينما الطرف الثانى هم المسلمون الذين يظهرهم الاسم «مقاومون». والمقاومة على ما نعلم جهاد، والجهاد، فيما نعرف أيضا، وفى العرف السلفى فرض عين، لا فرض كفاية، وفرض العين، واجب على كل مسلم، لا يسقط بقيام آخر به عن الذى لم يؤده. المشكلة خلال أحداث ماسبيرو، وما قبلها، أن «المقاومين» معروفون بالاسم، ما يعنى أننا فى مسرح جريمة، معروف الجانى فيها، ومعروفة الأداة، بينما مازال بعضنا يطالب بسرعة وصول «فريق البحث الجنائى» لرفع البصمات! على رأس قائمة «المقاومين» المسلمين، يأتى كل من الدكتور حسام أبو البخارى والمهندس فاضل سليمان، والمهندس عبدالمنعم الشحات، المتحدث الرسمى باسم الدعوة السلفية، وتسجيلات الأخير ملأت المواقع الإليكترونية، سبا فى الأقباط، ووصفا فى «الكفار». فى المقابل، كان بعض «المقاومين» الأقباط على الجانب الآخر يمنعون الماعون، ويحرضون، ويسبون، ويلعبون بالعقائد، كأنها «بمب المولد «أو» مراجيح الجمعة». ففى أزمة ماسبيرو، كانت الملاحظة، ظهور تعليقات جديدة على مقاطع فيديو شديدة التحريض على المسلمين المصريين، من إنتاج قناة الطريق لصاحبها جوزيف نصرالله. سياسة «الطريق» تطابق سياسة موقع قناة «المسيحى الحر»، وغرفة «مكة»، وكلها مواقع قبطية، مع ملاحظة أسمائها هى الأخرى. فاسم «المسيحى الحر» مثلا يشير الى نوعين من الأقباط، أحدهما حر، شجاع، لا يسكت عن «الظلم» المفترض، بينما الآخر، راضٍ مستكين، تقترب أخلاقه من أخلاق العبيد، إذ إن مقابل الحرية، الاستعباد. من الملاحظات، اسم غرفة دردشة «مكة»، وهو موقع قبطى يموله القس زكريا بطرس، ويشير بلا شرح إلى ما يمكن أن يتسبب فيه موقع إليكترونى قبطى، يستخدم اسم أعلى مقدسات المسلمين، لسب المسلمين، ثم يطالب، فى الوقت نفسه، بانتزاع ما يراه من حقوق للأقباط لدى المسلمين! تشكيك من لا يعلم فى أسبوع آلام ماسبيرو، كان الشحن الدائم السبب فى أن قوبل فيديو للأنبا «هيدرا» أسقف أسوان بالاستخفاف والتشكيك، رغم توازنه وهدوئه، بينما قوبل فيديو الراهب أنطونيوس والشيخ أبويحيى، بترحاب غير مبرر من ولاة التطرف فى الجانبين. الطريف أن بعض النشطاء، عرضوا شهادة تجريد الراهب أنطونيوس الجوارحى من الرهبنة إليكترونيا، وورد فى نص العزل أن الجوارحى قد عاد إلى اسمه الأصلى العلمانى صبرى زخارى، وأنه لا يصح التعامل معه كممثل للأديرة الارثوذكسية. المعنى، أن الرجل الذى أثار الأقباط كان مشلوحا، ولا يمثل الكنيسة، فى الوقت الذى كان فيه الشيخ أبويحيى، مسجونا، بتهمة التحريض على الفتنة، ما يفقده اعتباره، ولا يجعله هو الآخر ممثلا للمسلمين. لكن تقول لمين؟ خلال الأحداث، حكى الأنبا هيدرا فى «فيديو» تناقلته مواقع إليكترونية مختلفة قصة «الماريناب» الحقيقية، وقال إنها بدأت منزل، تبرع به صاحبه لصلاة الأقباط، وأن المنزل لقدمه تم هدمه، وترميمه، قبل اندلاع الأزمة الأخيرة. ليست القضية هنا، إن كان المبنى فى الماريناب، منزلا أو كنيسة، فالشحن الذى حام حول الأزمة، جعلها تتخطى تلك التفاصيل، إنما، المشكلة ظهرت مع إذاعة فيديو الأنبا هيدرا، فى تشكيك بعض الأقباط فى كلامه، رغم رصيد الاحترام الشديد للرجل فى الشارع المسيحى قبل الأحداث الأخيرة. الهجوم على الأنبا هيدرا من بعض الأقباط، تساوى مع هجوم بعض المشايخ على المفتى، وتساوى أيضا مع تهكم الشيخ أبوإسحاق الحوينى، على الدكتور على جمعة، وكانت الصورة تعنى.. أن من لا يعلم، تطاول، بدفع الظروف، على الأعلم. وكانت فتنة حركها «السم» فى إعلام «الفيس بوك» و«اليوتيوب»!