تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    90 عاماً من الريادة.. ندوة ل«إعلام القاهرة وخريجى الإعلام» احتفالاً ب«عيد الإعلاميين»    ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الأربعاء 29 مايو    شعبة المخابز تكشف حقيقة تحريك سعر رغيف العيش    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 29 مايو 2024    ارتفاع أسعار النفط الأربعاء 29 مايو 2024    الصالة الموسمية بمطار القاهرة الدولي تستقبل طلائع حجاج بيت الله الحرام    أكاديميون بجامعة كاليفورنيا يضربون عن العمل دعمًا لاحتجاجات مؤيدة لفلسطين    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    من الأرض إلى السماء.. 4 دول تحشد جيوشها لحرب نووية وجنود غير بشرية تستعد للقتال    هجوم مركّز وإصابات مؤكدة.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إسرائيل يوم الثلاثاء    عاجل | حدث ليلا.. 4 دول تستعد لحرب نووية وخطر يهدد أمريكا وصدمة جنود الاحتلال    حبس ربة منزل أنهت حياة والدتها فى مصر القديمة    تواصل أعمال تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية بالبحر الأحمر والنتيجة قبل عيد الأضحى    «الرفاهية» تتسبب في حظر حسابات السوشيال بفرمان صيني (تفاصيل)    تحفة معمارية تزين القاهرة التاريخية.. تفاصيل افتتاح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الصحة: روسيا أرسلت وفدا للاطلاع على التجربة المصرية في القضاء على فيروس سي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    منها تيك توك وميتا وإكس، أمريكا تطالب شركات التكنولوجيا بالإبلاغ عن المحتوى المعادي للسامية    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    10 أطعمة تحمي العين وتقوي البصر.. تناولها فورا    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    إغلاق حساب سفاح التجمع على تيك توك.. ما القصة؟    شوفلك حاجة تانية، هل حرض شيكابالا مصطفى شوبير للرحيل عن الأهلي؟    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    وزير الصحة التونسي يؤكد حرص بلاده على التوصل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    شيكابالا يكشف عن نصيحته ل مصطفى شوبير بشأن الرحيل عن الأهلي    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    هل يمكن أن تدخل مصر في صراع مسلح مع إسرائيل بسبب حادث الحدود؟ مصطفى الفقي يجيب    كريم العمدة ل«الشاهد»: لولا كورونا لحققت مصر معدل نمو مرتفع وفائض دولاري    شيكابالا يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك بشأن زيزو    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    هل طلب إمام عاشور العودة إلى الزمالك؟.. شيكابالا يكشف تفاصيل الحديث المثير    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    3 أبراج تجد حلولًا إبداعية لمشاكل العلاقات    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    كريم فؤاد: موسيمانى عاملنى بطريقة سيئة ولم يقتنع بى كلاعب.. وموقف السولية لا ينسى    إصابة 17شخصًا في تصادم ميكروباص بفنطاس غاز بالمنيا    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    المخرج محمد فاضل الحاصل على جائزة النيل: مصر ولادة وكان ولا يزال لدينا مؤلفون عظماء    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    تراجع سعر الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    الوقاية من البعوضة الناقلة لمرض حمى الدنج.. محاضرة صحية بشرم الشيخ بحضور 170 مدير فندق    «زي المحلات».. 5 نصائح لعمل برجر جوسي    ننشر أسماء المتقدمين للجنة القيد تحت التمرين في نقابة الصحفيين    جمال رائف: الحوار الوطني يؤكد حرص الدولة على تكوين دوائر عمل سياسية واقتصادية    شروط ومواعيد التحويلات بين المدارس 2025 - الموعد والضوابط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الفارس الأحمر الذى طلبت رأسه إسرائيل
نشر في صباح الخير يوم 11 - 10 - 2011

الفارس الأحمر هو عقيد شرطة لطفى العكاوى من مواليد مدينة العريش عام 1918 ولد لعائلة مصرية من أهلها والتحق بالعمل فى جهاز الشرطة كفرد وعمره سبعة عشر عاما واستمر فى الترقى برتبها حتى عمل مأمورا لنقطة شرطة « إيلات » والتى كانت تعرف باسم « أم الرشاش ».. وامتدت فترة خدمته داخل حدود فلسطين إلى نحو عشرين سنة ثم انضم للعمل مع القيادة المصرية بعد أن أصبحت لها السلطة على قطاع غزة 1948 واستمر فى أداء مهامه هذه كقائد لقوات الشرطة بقطاع غزة.. وفى أواخر عام 1954 وبعد أن توالت هجمات العدو الصهيونى وتخريبه للأراضى الفلسطينية قررت مصر تشكيل تنظيم للفدائيين فأرسلت واحدا من أهم رجالها وهو العقيد مصطفى حافظ والذى اشتهر بلقب «رجل الظل» ليقوم بإنشاء هذه التنظيمات والخلايا التى استهدفت عمق العدو الصهيونى.
ونجحت هذه الخلية فى تكبيد العدو خسائر موجعة جعلت من حكومة الصهاينة تضحى بمئات الآلاف من الجنيهات لنيل رقبته هو ومعاونيه خاصة ذراعه الأيمن والمسئول عن العمل الميدانى والتنفيذى وهو العقيد لطفى العكاوى الملقب بالفارس الأحمر، والذى كان يقوم بعمليات تجنيد الفدائيين وتدريبهم للقيام بالعمليات الفدائية داخل عمق الكيان الصهيونى.
وكانت تشاركه شريكة العمر شيماء شراب فى بعض هذه العمليات بدون علم أى جهة أمنية، خاصة أنها من أهالى العريش.
وهى الآن تعيش فى العريش بعد أن أصبحت فى الرابعة والسبعين من عمرها وتركتها تروى ذكرياتها مع زوجها الفارس الأحمر إللى دوخوا وراهم جولدامائير وموشى ديان !! تروى بصوت ينبض بالفخر والقوة والعزة لكونها مصرية من أهالى العريش:
اسمى شيماء محمد جمال الدين شُرَّاب - ويا ريت تنطقى اسم العائلة يعنى حطى ضمة على «حرف الشين » وشدة عليها فتحة على حرف الراء، وهى من أكبر عائلات العريش - ولدت فى 27 يناير 1937 وكنت السابعة من ضمن 13 أخًا وأختًا- وأنا زوجة الفارس الأحمر وأم لخمسة أولاد وبنت.
حصلت على دبلوم معلمات الزقازيق سنة 1952 وكنت أول مدرسة من المدرسات إللى فتحوا مدارس العريش من أهل البلد، حيث لم يكن وقتها الفتاة العرايشية تعمل فى أى مجال طبقا لتقاليد البلد وقتها.
أنا والفارس الأحمر
وفى عام 1956 كان زواجى من لطفى العكاوى - الفارس الأحمر - ابن عمتى ، وكان يعمل ضابطا فى إدارة الحاكم العام المصرى فى قطاع غزة ، وكان والدى يحبه كثيرا وتزوجنا فى العريش ، أذكر أن بيت الزوجية كان يأتى فى المرتبة الثانية بعد بيت والدى من حيث فخامة المبنى والأثاث.. ففى تلك الفترة كانت غالبية البيوت تبنى من الطوب اللبن عدا بيت كبير التجار والدى فكان يطلق عليه اسم القصر أبو دروين وكان الوحيد من نوعه وطرازه فى تلك الفترة.
أما بيت زوجى الفارس الأحمر الذى تزوجت فيه وأعيش فيه حتى الآن فهو عبارة عن فيلا كبيرة تضم حديقة بداخلها أشجار الفاكهة مما أغرى الحاكم الإسرائيلى أثناء فترة العدوان الثلاثى أن يتخذه مقرا للإدارة العامة الإسرائيلية وظلوا فيه شهرين تقريبا ثم أعادوه لنا. والغريب أنهم لما خرجوا من بيتى فوجئنا أنهم كانوا يخزنون الأطعمة والفاكهة والخضروات فى أرض الجنينة الموجودة فى الفيلا.. بخلاف أنهم دافنين جراكل بنزين فى الأرض.
بعد العدوان الثلاثى
سألتها : تزوجت ابن عمتك وتعلمين أنه يعمل كفدائى؟
- أجابتنى: لم أكن أعلم بعمله كفدائى قبل زواجى منه ، ولكننى بعد الزواج كنت أعيش فى العريش ، وكان يأتينى كل خميس وجمعة فى العريش ويعود إلى غزة يوم السبت.. حتى انتقلت إليه بعد إنجابى إلى غزة وعشت معه هناك وكنت أتولى رعاية مزرعة البرتقال التى يمتلكها زوجى.. وعلمت بعد فترة من زواجى أنه يقوم بإرسال الفدائيين من فلسطين إلى الأراضى الإسرائيلية ليقوموا بعملياتهم الفدائية.
وزاد نشاط لطفى مما دفع زعماء إسرائيل للتخطيط لاغتياله.. وكان للطفى كارت خاص به له شكل مميز وخاص ولا نعرف حتى الآن من أين حصلت عليه إسرائيل وكان هناك عميل مزدوج وأثناء تواجده مع الجانب الإسرائيلى أظهروا له كارت لطفى الخاص به وأفهموه كذبا وادعاء بأن لطفى عميل بأمارة وجود الكارت الخاص به معهم.. واطمأن العميل المزدوج لكلام الجانب الإسرائيلى.. وطلبوا منه أن يوصلوا كتابًا ما إلى لطفى ملقصًا عليه كارت لطفى الخاص، وجاءوا بالكتاب وفتحوه أمام العميل المزدوج كى يطمئن بأنه لا يحتوى على أى شىء مريب!!
وبطريقة ما ودون أن يشعر العميل المزودج بشىء قاموا باستبدال الكتاب بكتاب آخر يحتوى على لغم صغير وقاموا بإلصاق كارت لطفى فوق اللغم بحيث ينفجر فى وجه لطفى بمجرد أن ينزع الكارت!!
وبالفعل حمل العميل المزودج الكتاب واتجه إلى غزة وكان القائد هناك هو مصطفى حافظ وتصادف وجود ابنه وكان عمره 12 سنة تقريبا، واستمع مصطفى حافظ لما قاله العميل المزدوج عن لطفى ، ودخله الشك فى أن يكون لطفى عميلا لإسرائيل والدليل هو هذا الكارت الملصق على الكتاب!!
وكان لطفى فى تلك اللحظة فى أحد المستشفيات مع أحد معارفه - ولا يدرى بما يدبر له من اغتيال!!
تكمل شيماء: قبل أن ينفجر اللغم طلب مصطفى حافظ من ابنه أن يترك المكتب ويخرج للجنينة المحيطة بالمقر ليلعب فيها.. وبالفعل خرج ابن مصطفى حافظ من المكتب، وظل العميل المزدوج مع مصطفى حافظ الذى أمسك بالكتاب وما إن نزع الكارت حتى انفجر اللغم فى وجهه وطارت شظاياه فأصابت عين العميل المزدوج ، وفى تلك الأثناء كان لطفى عائدا إلى غزة ورأى وسمع الانفجار واتجه بسرعة إلى مكتب مصطفى حافظ ودخل وسط الحريق وسمع مصطفى حافظ وهو يقول له :الموتة كانت لك يا لطفى وربنا برأك!!
وبسرعة نقله لطفى إلى المستشفى ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن ظهرت براءة لطفى مما ادعاه اليهود عنه.. والعجيب أن ابن مصطفى حافظ الذى شاء القدر أن يترك مكتب والده ليلعب فى الجنينة قد أصبح فيما بعد سفيراً لمصر فى إسرائيل!!
زوجى وجولدا مائير
وتواصل الحاجة شيماء ذكرياتها مع الفارس الأحمر قائلة :
ظل لطفى العكاوى مستهدفا من إسرائيل وكان بارعا فى التخفى والتنكر والهروب من مكان لآخر.. وظل على نشاطه فى إرسال الفدائيين إلى سيناء هذا بخلاف عمله كمدير للسجون فى قطاع غزة.. وأصبحت غالبية العمليات الفدائية تشير إلى وجود الفارس الأحمر وراءها.
وكان لطفى قد أسر ثمانية من الجنود الإسرائيليين ووضعهم فى السجون وعندما حدثت نكسة 1967 فتح لطفى السجون ليهرب من فيها من عرب وأطلق النار على الجنود الثمانية الصهاينة وهرب وكانت جولدا مائير تريده حيا أو ميتا بأى صورة.. ووزعت صوره فى كل مكان.
كانت الدوريات الإسرائيلية تهاجم بيتى بعد منتصف الليل وأحيانا وقت الفجر وذلك عندما كنت أسكن فى غزة ولا أعلم أين ذهب زوجى.. ومع دخول الجيش الإسرائيلى قمت بإخفاء ملابس زوجى العسكرية وصنعت منها مرتبة ينام عليها أطفالى.
وفى تلك الأثناء كان بدو صحراء سيناء أخفوا لطفى عندهم وألبسوه الزى البدوى ومع مرور الأيام أطلق لحيته وكان قد فقد كثيرا من وزنه.. واستطاع أن يصل إلى العريش دون أن يشعر به اليهود وذهب إلى بيت شقيقى فاروق وأرسل إلى أمى رسالة عبر شقيقى يطلب منها أن تذهب لغزة وتعود بى إليه دون أن يشعر بها أى شخص.
وبالفعل جاءتنى أمى وتظاهرت أمام جيرانى ومعارفنا بأننى سأقضى عدة أيام مع أهلى فى العريش.. وكان لنا صديق حميم من الفدائيين.
وكان من أهالى غزة.. قال لى : لما تعرفى مكان لطفى ابقى قولى له إنى أقدر أهربه إلى مصر عن طريق جسر داميا فى الأردن.
وذهبت إلى العريش وخرجت من بيت والدى وأنا أرتدى زى العرب البدو كى لا يتعرف علىَّ أحد من أهالى البلدة ، ويسألنى عن زوجى أو يشكك فى معرفتى لمكانه.. وتوجهت إلى منزل شقيقى فاروق وهناك صدمت عندما رأيت زوجى وقد أصبح نحيفا ولحيته طويلة.
وأبلغت زوجى برسالة صديقنا محمد على فقال لى:
ارجعى إلى غزة وقولى له إنى مستعد للهروب من خلال جسر داميا بشرط أن يكون معى.
وعدت إلى غزة وأبلغت صديقنا بالرد ووافق وكان مطلوبًا أن ندبر خمسمائة جنيه سنعطيها لرجل يهودى سيقوم بتهريب لطفى ومن معه.. وقمت ببيع بعض ممتلكاتنا فى غزة ودبرت المال المطلوب.
وأثناء رجوعى إلى العريش وبالتحديد فى رفح قابلت بالصدفة رجلاً اسمه محمد أبو نحلة وهو غزاوى وتاجر كبير وسأل عن زوجى فقلت له : لا أعلم مكانه فى الصحراء!!
وأعطانى خرطوشتى سجائر أديهم لزوجى عندما يعود من رحلة هروبه.. هاتان الخرطوشتان كانتا بمثابة الصدفة التى أنقذت لطفى من جولدامائير!!
وعدت إلى زوجى.. ونظر لى قائلا: إنتى مطمئنة لخطة هروب إلى مصر عن طريق الأردن ؟!
أجبته : اطمئن صديقنا محمد على هرب ناس كتيرة والسكة أمان !!
وقام زوجى بتحضير شنطة صغيرة فيها غيار واحد وأحضر الخرطوشتين السجائر وفكها ونثر العلب داخل الشنطة عدا علبة واحدة وضع عليها علامة وفتحها ليدخل فيها بطاقته الشخصية وما يثبت عمله فى مجال الأمن بطريقة غير ملفتة.. وركبنا العربية وكان معنا زوج أخت لطفى.
كنا مرتكبين خاصة بعد أن دبرنا بطاقة شخصية مزورة تحمل اسم محمد خيرى ليحملها زوجى وإللى عملها له كانوا عساكر بيشتغلوا تحت يد زوجى أثناء خدمته فى غزة.
المهم.. وصلنا غزة واتجهنا إلى مزرعة البرتقال وانتظرنا مجىء محمد على صديقنا ومعه الرجل اليهودى.. ولكن إللى حصل أن حارس المزرعة تعرف على لطفى وأقبل مهللا ومرحبا به ويناديه باسمه وارتبك زوجى وطلب سرعة تغيير المكان. وبالفعل اتجهنا إلى مكان آخر وتركت زوجى وذهبت مع محمد على وأنا أحمل على يدى طفلى هشام واتجهنا إلى اليهودى.. وسألت اليهودى :
- متأكد من سكتك وسلامة زوجى ؟
لاحظ اليهودى شكى فيه وخوفى منه على زوجى فأجابنى :
- يا ستى دول ناس قاعدين على المكاتب وبيشربوا السيجار واللى بيروح ويموت همه اللى مثلى ومثلك.. أنا مش هينفعنى غير المصارى- الفلوس- أما الكبار فمصالحهم غير مصالحنا!!
وأقبل اليهودى بعربية بوكس تشبه عربية الشرطة وكان ذلك يوافق يوم سبت، وركب لطفى فى البوكس وكان اليهودى هو سائق العربية، ومروا على دورية إسرائيلية ورأت الرجل اليهودى فجعلوه يمر بدون تفتيش.. حتى وصلوا إلى أريحا فى نفس اليوم. قاطعتها:
كنت معهم؟
أجابتنى: أنا فضلت فى غزة وكنت قد اتفقت مع زوجى على علامة لا يعرفها أحد حينما تصلنى أعرف أن زوجى قد وصل إلى بر الأمان ونجا من اليهود وكانت هذه العلامة عبارة عن منديل حرير أطرافه حمراء تركته مع زوجى فإذا ما عاد إلىّ فهمت أنه نجا.
وفى اليوم التالى وصلوا إلى الجسر وكان هناك خيمة تفتيش لابد من الدخول فيها للعبور إلى جسر داميا.. وما أن دخل لطفى الخيمة حتى فوجئ بصورة كبيرة له معروضة ضمن المطلوبين للقبض عليه وتسليمه لجولدا مائير.
ولاحظ الجنود الإسرائيليون أن شنطة لطفى الصغيرة مليئة بعلب السجائر ولم ينتبهوا أن الرجل النحيف ذا اللحية الطويلة هو بنفسه الفارس الأحمر المطلوب القبض عليه، وانتهز لطفى الفرصة وقدم أكثر من علبة سجائر للعساكر الإسرائيليين.. والذين فتحوا له الطريق للعبور على جسر داميا دون أن يكتشفوا حقيقته!!
وما إن لمس زوجى أرض الأردن طلب من الجنود الأردنيين سرعة إبعاده عن الحدود والاتصال بوزير اسمه كمال الشريف، وكان من أهالى العريش ولكنه عاش فى الأردن.. وبالفعل تم الاتصال به وبمجرد أن أخبروه أن لطفى العكاوى على الحدود أرسل سيارته الخاصة لأخذه.. وخلال انتظار لطفى لسيارة وجد فدائيين كثيرين فى خيمة التفتيش الأردنية يرحبون به وينادونه بلقبه أبو مصطفى.
ووصلت للسيارة ونقلت لطفى إلى الوزير كمال الشريف.. وحكى حكايته له ثم اتجه إلى إذاعة صوت العرب كى يبلغ سلاماته لنا.
وكان محمد على قد عاد إلى العريش وفى منتصف الليل سمعنا من يطرق باب البيت واتجه زوج أخت لطفى ليفتح الباب، فإذا محمد على يدخل مندفعا ويرتمى على كرسى وهو ينهج ويتصبب عرقا وكلنا فى انتظار أن ينطق ويطمئنا.. وأدخل يده فى جيبه ليخرج منديله ليجفف عرقه فإذا به يخرج مع منديله منديل زوجى المتفق عليه كعلامة لنجاته.
ودون أن أشعر أخذت أحضن محمد على بدون وعى وأقول لطفى ربنا نجاه.. لطفى نجا من عيون جولدا مائير.. لطفى فى أمان.. فرد محمد على قائلاً: لولا علب السجائر ما كان الصهاينة جعلوه يمر.
رسالة فى شعرى
وبعد شهر أرسل زوجى لى تصريحا وطلب منى أن أوصل خطابا لمحمد على فيه طلب من الأردنيين عشان يتعرفوا على اليهودى اللى كان سببا فى هروب لطفى إلى الأردن.
أخذت الخطاب ولفيته فى شعر رأسى وكانت نقطة التفتيش النسائية لا تترك جزءًا من أجسادنا إلا لما يتحسسوها ولم يخطر فى بالهن أنى أخفى رسالة فى شعرى وكان معى رسالتان وضعتهما فى سندوتش الجبنة الذى يحمله ابنى الصغير فى يده وعدينا نقطة التفتيش.. وسلمت الخطابات لليهودى عن طريق محمد على.
وبالفعل تم تجنيد اليهودى لصالح الفدائيين.. وكانت أول عملية فدائية اشتركت فيها أنا وزوجى هى نسف أتوبيسات إسرائيلية فى تل أبيب كانت على يد محمد على وابن أخيه.. فى هذه الأثناء تركت غزة ورحت إلى رفح فى منزل زوجى بجوار أولاد عمه وعشت خمس سنوات بدون لطفى.. ثم جت لى زيارة عن طريق الصليب الأحمر وذهبت إلى القنطرة ونادوا علىّ اليهود وما أن رديت عليهم: أيوه أنا شيماء محمد جمال الدين شراب.
قال لى عسكرى إسرائيلى: مصر مش عايزاكى وأنت دلوقت فى بلادنا إحنا.. أهلاً وسهلا بيكى!! والتفت حولى فوجدت أن كل من كان معى عبر القناة للبر المصرى وأنا وأولادى منعونى.. وأدركت أنهم لديهم أوامر بمنعى لأننى زوجة الفارس الأحمر الهارب منهم.
ورجعت العريش وكان الوقت اقترب من صلاة المغرب وتفاجأ والدى وأمى وأشقائى بعودتى وما أن سألونى حتى وجدت لسانى عاجزًا عن النطق والكلام!!
وبكا الجميع من حولى وأسرعوا لإسعافى وقالوا: شيماء اتشلت!!
وظل لسانى مربوطًا عن الكلام أكثر من خمس ساعات وأنا فى ذهول لما حدث لى.. وصوت العسكرى الإسرائيلى عالق فى أذنى: يا شيماء أنت فى إسرائيل بلدك!
وعلمت فيما بعد أن عدم عبورى للقناة بسبب أننى زوجة الفارس الأحمر.. وعندما استرددت صحتى اتجهت إلى الصليب الأحمر وأخبرتهم أننى أخرجت جميع أولادى من مدارسهم عشان يروحوا لأبوهم فى مصر.
المشهد الأخير
سألتها: هل استمر العمل الفدائى لك ولزوجك رغم وجوده فى القاهرة
أجابتنى: العمليات الفدائية كانت مستمرة من خلال نماذج كثيرة مشرفة من أبناء سيناء وعرب صحراء سيناء.. والحكايات كثيرة.. أما أنا فكان لزاما علىَّ أن أنشغل بأولادى ومزرعة زوجى خاصة أن عيون الصهاينة كانت موجهة لى لكونى زوجة الفارس الأحمر.. وعندما جاءنى تصريح زيارة القاهرة.. كان زوجى قد اعتزل العمل الأمنى.. ثم سافر إلى ليبيا لعدة سنوات ثم عاد واستقر بنا الحال إلى أن وقعت اتفاقية كامب ديفيد.. وللعلم كان من ضمن الوفد المصرى المسافر مع الرئيس أنور السادات ابن عمى اللواء لبيب شُرَّاب والذى كان يعمل وقتها مديراً للإدارة العامة للمخابرات المصرية وكان يعلم بنشاط زوجى فى العمل الفدائى مع الأمن المصرى.
وما إن وقعت الاتفاقية وفتحت العريش حتى عدنا كأسرة كاملة إلى بيتى الذى تزوجت فيه وشهد ذكريات عديدة مع الفدائيين وزوجى.
سألتها: من الذى أطلق لقب الفارس الأحمر على زوجك.
أجابت: جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل هى التى أطلقت عليه لقب «الفارس الأحمر»..أطلقوا عليه لقب «رجل الظل» ولقد كتبت جولدا مائير فى مذاكراتها قائلة:
«أذكر فى تلك الليلة حين دخلت على موشيه ديان فوجدته منتشيا فرحا وحين سألته عن سر سعادته الغامرة، أجابنى: لقد قضينا على الفارس الأحمر ودعانى لاحتساء الشمبانيا احتفالاً بهذا النصر ولكن بعدها اتضح أن الفارس الأحمر لم يمت وأن من مات هو رجل الظل .
وهنا تسكت الحاجة شيماء لحظات، وكأن الحنين داعب دموعها وهى تتحدث عن شريك عمرها.. ثم قالت لى:
أذكر أن خط السكة الحديد التى كان يربط بين مصر وغزة كان يمر عليه قطار للبضائع وينقل المؤن والذخائر إلى أهل القطاع، وقد سعى العدو الصهيونى لتدمير هذا الخط لكن لطفى العكاوى ورجاله استطاعوا تأمينه واستخدموا أسلوب «عربة الكشف» تسير قبل القطار يركبها هو وزملاؤه لتبين إذا ما كان هناك أى ألغام أو عبوات ناسفة على الخط الحديدى.. لطفى لم يكن قائدًا عاديًا ولم يكن يتهاون مع العدو الصهيونى بل إنه لكرهه له وما شهده من مذابح ومجازر تمت بيد الكيان الصهيونى فقد كان يتعمد أن يعود هو ورفاقه بعد كل عملية فدائية برءوس هؤلاء الغاصبين.
لقد نجح الفارس الأحمر فى تنفيذ عمليات زراعة العبوات الناسفة وتفخيخ الطرق لمسافات تراوحت إلى ما بين 30 إلى 40كم داخل مستعمرات العدو الصهيونى وحتى عمليات استهداف وخطف الجواسيس المتعاملين مع هذا الكيان الغاشم.
لقد كان الصهاينة يشنون هجوما على بيتى بحثا عنه حتى أنهم كانوا يقتلعون بلاط الأرض بحثا عنه تحته!!
سألتها: كيف كان شعور الفارس الأحمر عندما استعدنا طابا؟
أجابتنى: طلب من ابنه حسام أن يسافر به من العريش إلى طابا.. وهناك هتف قائلاً: هذه ليست آخر حدودنا.. أنا من خدم هنا عشرين عاما أمضيتها فى هذه المنطقة، إن آخر حدودنا لايزال هناك.. قل للتاريخ إن الحدود المصرية لاتزال فى أراضيهم!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.