إذا رجعنا إلي الوراء قليلاً عبر آلة الزمن نجد تقريراً أمريكيا لدمقرطة المنطقة نشرته صحيفة البيان الإماراتية عام 2002م يقول: إن أحد أهم أدوات التغيير في الفترة المقبلة هو التعامل مع صفوف وقيادات رأي، وأشخاص مؤثرين يتعاملون بشكل مباشر مع الجماهير، وعدم اقتصار التعامل مع الرؤساء أو مسئولي الحكومات العربية الحالية، لأن السياسة الأمريكية تواجه مأزقا حقيقيا لدي الجمهور العربي في حين أنه لا توجد مثل هذه الأزمة لدي الحكام العرب. ويؤكد التقرير أيضاً أن الضربات «الإرهابية» المقبلة للمصالح الأمريكية ستكون من دوائر الجماهير العربية والتي لا تكون إلا من خلال جماعات الضغط العربية الموالية للولايات المتحدة وفق خطة متوسطة وطويلة المدي في إطار من الخطوات المتدرجة، والتي لابد أن تمارس فيها أنواعًا مختلفة من أدوات التأثير السياسي والاقتصادي، (والمثير أن هذا بالضبط هو ما يحدث الآن في مصر بعد الثورة) من كل ما سبق يتضح أن الهدف من الخطة الأمريكية هو حل القضية الفلسطينية علي حساب الدول المجاورة ودون المساس بإسرائيل وضمان ولاء الدول الجديدة لأمريكا وضمان ولاء الدول التي سيتم استقطاع أجزاء من الدول المجاورة إليها لأمريكا وإسرائيل معا. وبذلك تضمن الإدارة الأمريكية والإسرائيلية شرق أوسط جديداً يحقق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية في السيطرة علي موارد وثروات المنطقة وتضمن في نفس الوقت وصول الإمدادات البترولية والغاز إليها دون تهديدات أو مخاوف من قطعه كما حدث في حرب أكتوبر وضمان الأمن والأمان للكيان الصهيوني بعد عملية الفك وإعادة التركيب للدول المحيطة بها. هكذا رسمت خريطة المنطقة معتمدة علي حجم انتشار التناقضات الاجتماعية والدينية والمذهبية والثقافية والقبلية علي الأرض وما يمكن أن تمتلكه هذه التناقضات من قوة عسكرية أو قوة ناعمة لتفرض حدودها الجديدة وتعلن استقلالها ومستغلة وجود ميدان قتال جاهز ومؤهل تماما لإشعال الصراعات الأهلية فثقافة ما يسمي بحقوق الإنسان وما تحويه من تعزيز لاستقلال الأقليات وما يترتب عليها من تأجيج لعمليات فرز وتصنيف وتكثيف لذوي المصالح الدينية والثقافية والمذهبية مقابل تفتيت أي قدرة للدولة التقليدية في الشرق الأوسط كفيل بأن يعيد رسم خريطة المنطقة من داخلها ودون أن تتكبد القوي الخارجية رصاصة واحدة. هل جاء الدور علي مصر لتمتد مؤامرة التقسيم إليها؟ سؤال يطرح نفسه بقوة بعد أن بدأت بذور التفتيت التي زرعتها القوة الاستعمارية في المنطقة العربية منذ أكثر من نصف قرن تؤتي ثمارها باستسلام السودان «لسكين التقسيم» وانفصال الجنوب. فموقع مصر الاستراتيجي الذي يربط آسيا بأفريقيا، وشرق العرب بمغربهم يجعلها حجر زاوية لكلّ من أراد الهيمنة علي المنطقة. لهذا السبب لم تغب مصر أبداً عن مخططات التقسيم. فقد أكد الكاتب البريطاني روبرت فيسك عام 2007 أنه شاهد منذ حوالي 20 سنة خريطة لمصر تقسمها إلي قري مسيحية في الصعيد وأخري مسلمة في الدلتا. وفي عام 1974 وتحت عنوان «استراتيجية إسرائيل» وضع عوديد ينون مدير مكتب مناحيم بيجن - آنذاك - مشروعاً يهدف لاحتلال سيناء والسويس وبورسعيد والإسماعيلية ثم تقسيم مصر إلي3 دويلات: دويلة مسلمة تمتد من شرق الدلتا إلي المنيا وعاصمتها القاهرة ودويلة مسيحية من غرب الدلتا إلي مطروح ووادي النطرون وعاصمتها الإسكندرية، ودولة نوبية تمتد من أسيوط جنوباً إلي جزء من شمال السودان. المحاور التي قامت عليها هذه المخططات اعتمدت علي إذكاء نيران الفتنة الطائفية وفتح ملف الأقليات واستغلال طموحات مختلف المناطق للدفع نحو فتح ملف التقسيم!! وكان الملف الطائفي هو «اللغم» الذي حرصت القوي الاستعمارية علي زرعه في الأراضي المصرية. ورغم روح ثورة 25 يناير وما شهدته من تكاتف بين مسلمي ومسيحي مصر إلا أن محاولات النفخ في الرماد ظلت مستمرة وستظل سيناء أحد المحاور المهمة لهذه المخططات فهي كانت ولاتزال مطمعاً لإسرئيل بما تحتويه من موارد طبيعية ومن احتياطي بترول وما جاء في التوراة عن أرض الميعاد المزعومة التي تمتد من النيل للفرات. ولكن في ظل ما تمر به مصر الآن من حالة ثورية هي مخاض للحرية والديمقراطية تحولت سيناء إلي قنبلة موقوتة. فإلي جانب ما تشهده من تفجيرات لخط أنابيب الغاز انتشرت أعمال البلطجة المشبوهة وازدهرت تجارة السلاح والتهريب عبر الحدود. فلا يزال الطامعون في القدس يترقبون استقلال شبه جزيرة سيناء عن جسد الدولة المصرية بوصفها منطقة حكم ذاتي للبدو وتنشط المخابرات الإسرائيلية في استخدام كل المفردات بما فيها العمل علي ترحيل الفلسطينيين من غزة لاستيطان سيناء بدفعهم للنزوح من أرضهم إليها عبر معبر رفح وإيجاد سبل للاتصال والتواصل والتفاهم بين القبائل علي الجانبين. وإذا نظرنا للتقارير التي تصدر عن الحريات الدينية من المنظمات الحقوقية الممولة في مصر والتي يعاد إنتاجها في الخارجية الأمريكية في واشنطن سنويا سنجد ملامح بقية المشروع الذي يطمح في قيام منطقة حكم ذاتي للنوبيين وأخري للمسيحيين وتفتيت الكتلة المسلمة إلي سنة وشيعة وبهائيين وقرآنيين إنهم يحاولون تمزيق المنطقة العربية وفلسفتهم الأساسية هي أنه كلما كانت الدول العربية أصغر حجما كان ذلك أفضل وأكثر أمانا (بالنسبة لهم هم بالطبع). هذه هي أبعاد المؤامرة، تمت بعض فصولها بالفعل ولايزالون يعملون بكل الهمة في تأجيج الصراعات وشق الصفوف واستغلال شباب الثورة الأبرياء عن طريق بعض الرموز ممن نصبوا أنفسهم قادة للرأي يحتلون الميادين ويطلون من شاشات الفضائيات التي تتكاثر وتتوالد هذه الأيام وبصورة مثيرة للتساؤل والشك في مصادر تمويلها بالإضافة إلي كم هائل من الصحف ذات الأجندات الخاصة والتي ينفق بسخاء لايتناسب مع الظروف التي تعيشها مصر الآن علي الترويج لها بالحملات الإعلانية حتي أصبحت بضاعة الكلام هي أكثر السلع رواجاً وانتشاراً فلا يجد المواطن الحريص علي مصلحة وطنه أي وقت للعمل والإنتاج.. فهل نحن واعون لهذا؟! والأهم هل نتركهم يتمون مخططهم الخبيث؟! أم سينتفض المصريون للحيلولة دون إتمامه كما عودونا دائماً؟!.. هل مازالت لدينا قدرة علي الانتفاض ضد عدونا الحقيقي الواضح تماماً أم أن ملوك التطرف «الأسود» والباحثين عن السلطة والنفوذ ومصالحهم الخاصة ولتذهب مصالح الوطن إلي الجحيم، قد نجحوا في غسيل عقولنا وتحويل عيوننا عن عدونا الحقيقي فاستدرنا نقاتل بعضنا بعضاً بينما يجلس الذئب الماكر يصفق لنا من بعيد!