الزواج الثاني: يشعل غضب الأقباط ضد البابا حينما جاءت ثورة يناير.. لم تكن ثورة علي الظلم والفساد فحسب، بل كانت انتفاضة كل مصري ضد كل من حرمه من حقه في هذه الدولة، ومثلما كانت هناك ثورة للمصريين بدأ قطارها بالمطالبة بالعدالة والحرية والمساواة، وكانت شرارتها حادثة خالد سعيد، بدأنا أيضا نلاحظ ملامح مماثلة عند الأقباط، كانت أولي محطاتها رفض البابا خروج شعبه في ثورة 25 يناير، وآخرها اعتصام المسيحيين أمام الكاتدرائية، وتعديهم علي رئيس المجلس الإكليريكي وطلبهم إقالته. وكما رفع المصريون يوم 28 يناير لافتة «الشعب يريد تطهير النظام» رفع الأقباط لافتة «علي الكنيسة أن ترفع يدها عنا». - محطات الثورة علي الكنيسة كانت أولي محطات القطار عندما طلب البابا شنودة من الأقباط ألا يخرجوا مع المتظاهرين في 25 يناير، فرفضوا وخرجوا يدا بيد مع شباب المسلمين، وكونوا جبهة واحدة من المصريين، وظلوا في الميدان لأكثر من 18 يوما، حتي سقط الرئيس السابق. أما المحطة الثانية فكانت عندما أمر البابا شباب الكنيسة المعتصمين أمام ماسبيرو بفض الاعتصام عقب أحداث كنيستي إمبابة، وأرسل خطابا إلي القمص متياس نصر - عضو ائتلاف شباب ماسبيرو - حول ضرورة فض الاعتصام خوفا علي أبنائه، فاعترض متياس علي فض الاعتصام مؤكدا للبابا أن هذا الاعتصام خاص بالأقباط لحصولهم علي حقوقهم ولا يخص البابا، ويجب ألا نخلط بين الدين والسياسة. وقد اعترض الأنبا موسي - أسقف الشباب علي هذا الموقف، ووصف اللهجة التي استخدمها البابا في خطابه للشباب بأنها لهجة حادة لم يشهدها الأقباط من قبل مثل عبارات «صبر الحكام نفد» «لو لم تستمعوا لكلامي ستكونون من الخاسرين». أما الموقف الأكثر سخونة الذي شهد احتكاكا مباشرا بين الأهالي الأقباط والبابا فهو مغادرة المسيحيين عظة البابا الأسبوعية الأربعاء 11 مايو، وتركوها قبل أن تكتمل والسبب هو عدم تطرق البابا لما جري في إمبابة، فخرج الشباب محتجين! وآخر هذه المواجهات وأكثرها احتكاكا هو خروج الأقباط يوم الثلاثاء الماضي 197 في تظاهرات واعتصامات يطالبون بإقالة رئيس المجلس الإكليريكي، وتعتبر هذه المظاهرة من أكبر المظاهرات التي خرج فيها الأقباط واعتصموا أمام الكاتدرائية الرئيسية للأقباط الأرثوذكس، والسبب هو مطالبتهم بوضع حل لمشاكلهم الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق، ولم يكتفوا بذلك بل اعتدوا علي الأنبا بولا رئيس المجلس الإكليريكي وهو المجلس المسئول عن النظر في تصاريح الزواج مرة أخري بصفة خاصة والمسئول عن الأحوال الشخصية في الكنيسة القبطية بصفة عامة. فما كان من الكنيسة إلا أنها قامت باستخدام كلاب الحراسة لفض المتظاهرين وطردهم، ولجأ أمن الكنيسة إلي الاستعانة بالشرطة والجيش، لكن المتظاهرين ظلوا في اعتصام مفتوح لمدة يومين أمام الكاتدرائية لدرجة أن الأنبا بولا خرج من الكنيسة عن طريق بابها الخلفي! ثم جاء قرار الأقباط بفض اعتصامهم لإعطاء فرصة للكنيسة لإعادة النظر في مشكلاتهم علي أن تتم عودتهم للاعتصام في وقت لاحق. - قانون مدني لكل المصريين قابلت رامي كمال - 25 سنة - منسق عام اتحاد شباب ماسبيرو - الذي اعتصم في الميدان لمدة 14 يوما عقب أحداث إمبابة. يقول رامي: ما حدث من اعتصام في الكاتدرائية كان سببه قانونا متعلقا بالأحوال الشخصية، فالأقباط خرجوا للمطالبة بقانون مدني، وبما أنه لا يوجد قانون مدني في الدولة فارتبط عند الناس بالدين. وللأقباط الحق المطلق في الاعتصام السلمي والمطالبة بحقهم، لكن عندما تطلق عليهم الكلاب فهذا خطأ ولابد من الاعتذار عليه. وأنا أري أن الحل في يد الدولة، وعليها أن تصدر قانونا مدنيا ليس للأقباط فقط، لكن للمصريين جميعا. وهنا تدخلت متسائلة: هل من حق الدولة أن تصدر قانونا خاصا بالأقباط بدون موافقة الكنيسة؟ ومن سيضمن عدم اعتراض الكنيسة إذا قامت الدولة بإصدار قانون مدني للأقباط؟! فأجاب مؤكدا: الكنيسة ليس لها الحق في الاعتراض علي القانون المدني، ولو فعلت ذلك سيكون لنا جميعا موقف تجاه هذا. كما أن قداسة البابا شنودة لا يعترض علي إصدار قانون مدني، فقد قال في إحدي العظات: من يريد أن يتزوج زواجا مدنيا فليفعل ذلك، لكن خارج أسوار الكنيسة. وأنا أري أنه من حق أي قبطي أن يتزوج زواجا مدنيا مادام سيكون في إطار قانوني أمام المجتمع، وهذا أفضل من أن يدفعه عدم الزواج إلي ارتكاب أخطاء في حق نفسه وفي جميع المجتمع. أما بالنسبة لقضية عدم رضوخ اتحاد شباب ماسبيرو لأوامر البابا بترك الميدان فيقول رامي: الدولة هي التي ضغطت علي الكنيسة حتي تصدر هذه الأوامر، ونحن علي ثقة أن البابا أصدر هذا الخطاب لأنه شعر بخطر حقيقي علي أولاده. وأنا كشخص مسيحي مكثت في الميدان لمدة 14 يوما رفضت أن أترك الاعتصام خاصة بعد انضمام شباب مسلمين من جميع الائتلافات إلينا، فكيف سنتركهم ونرجع لبيوتنا بعد أن خرجوا لمساندتنا ولتأييدنا في مطالبنا! كما أننا جميعا نطالب الآن بدولة مدنية، فكيف نفعل ذلك وفي الوقت نفسه لا نعرف كيف ننادي بمطالبنا ونؤكد عليها ونعتصم من أجلها؟! - إفرازات 25 يناير ويقول الأنبا فلوباتير جميل - كاهن كنيسة العذراء ومارمرقس بالجيزة: إن ما يحدث هو امتداد لإفرازات 25 يناير، وهناك بعض الشخصيات من الأقباط اعتقدت أنه من الممكن أن تأخذ حقا ليس لها من خلال التظاهر أو الاعتصام، وهذا أمر في منتهي الخطورة وتطور في التعامل مع المجلس الإكليريكي، فبدلا من أن يحدث هذا كان لابد أن يسلكوا القنوات الشرعية وهي الذهاب لقداسة البابا وعرض الأمر عليه. كما أن تظاهرهم واعتصامهم ليس له علاقة بالكنيسة، والدولة هي المسئولة عن إصدار هذا القانون، وأنا أري شخصيا أن هذا الزواج المدني لا فرق بينه وبين الزواج العرفي، فكلاهما ينتج عنه كارثة مجتمعية والأطفال هم الضحية، فكيف يقوم الرجل بتطليق زوجته ويتركوا أطفالهم بلا عائلة وكيف يخالفون تعاليم جاءت في الكتاب المقدس؟! وهناك شيء في غاية الأهمية وهو أن الشعب المصري شعب متدين، وعندما يتزوج يسلك القنوات الدينية سواء كان مسلما أو مسيحيا، وبالنسبة للمسيحيين ماداموا قد تزوجوا فليتقبلوا الأمر حتي إذا قابلتهم مشاكل، لأنه كما قلت سابقا هذا ما نص عليه الكتاب المقدس ولا يجب مخالفته. أما بالنسبة لما فعله أمن الكنيسة من إطلاق الكلب علي المتظاهرين فأنا أري أن هؤلاء المتظاهرين أولادنا، ونحن وإن كنا قد قصرنا في علاجهم الروحي، فلابد ألا نستمر في ذلك، والأكيد أن إطلاق الكلاب تصرف فردي وسلبي من رجال الأمن فلا يمكن أن يقوم رجل دين بهذا التصرف أو حتي يحرض عليه. أما عن الحالة التي وصل إليها الأمر بين التظاهر أو الاعتصام أمام الكنائس فهذه كلها إفرازات لثورة 25 يناير التي جعلت الجميع في حالة ثورة. - الكنيسة عادت لطبيعتها يقول المفكر القبطي كمال زاخر - المنسق العام لجبهة العلمانيين الأقباط: لا نستطيع قول إن الثورة وصلت إلي الكنيسة، وذلك لأن تركيبة الكنيسة دقيقة ومحافظة، كما أن التغيير بها يستغرق وقتا طويلا، لكن ما نستطيع قوله هو أن الكنيسة عادت مرة أخري لطبيعتها الأولي، عندما كانت لا تتعرف للسياسة ولا تخلط بينها وبين الدين. وما يحدث من مطالبات الشباب للكنيسة بأن ترفع يدها عنهم هي متغيرات في الشارع تجاه الدولة المدنية، وانتباه من الشباب المسيحي إلي أن دور الكنيسة يجب ألا يدخل في السياسة، فهناك فرق بين الدين والسياسة. ويشير زاخر إلي حدوث تغييرات في تركيبة الأقباط أنفسهم، وهذا واضح من خروجهم في أحيان كثيرة خارج سيطرة بعض رجال الدين. وردا علي سؤالي بشأن هل للكنيسة الحق في إصدار أوامرها للأقباط بعدم المشاركة في المظاهرات أجابني قائلا: كان طبيعيا علي الكنيسة أن تقول ذلك باعتبارها كيانا محافظا، وهذه طبيعة المؤسسات الدينية عندنا في مصر خاصة في ظل وجود حاكم ديكتاتوري، فكما رأينا في الوقت الذي قالت فيه الكنيسة إنها مع مبارك.. أصدر الأزهر خطابا بنفس المضمون، وهذا لأن كل المؤسسات الدينية مسالمة بطبيعتها ولا تثور أبدا. وهنا في مصر كان للحاكم دائما القبضة والسيطرة، خاصة بعد الصدام الذي حدث في 5 سبتمبر عام 81 بين السادات والبابا الذي نتج عنه اعتقال البابا لمدة ثلاث سنوات حتي يناير 85، فمنذ هذا الوقت والكنيسة تخشي أي صدام بينها وبين النظام خاصة إذا كان ديكتاتوريا كالنظام السابق. ويري المفكر كمال زاخر أن ما حدث في الكاتدرائية مؤخرا إنذار وإشارة خطيرة ، وتنبيه لضرورة وجود حوار بين الكنيسة وبين الأقباط وإلا حدث انفجار، فامتناع الحوار داخل المؤسسات سيؤدي إلي قيام ثورة، وهذا مثل الذي حدث في ثورة يناير. فالشعب قبل يناير كان مضغوطا، ولا أحد يتحاور أو يتحدث معه، وكانت النتيجة كما رأينا بأنفسنا.. كبت تحول إلي انفجار، لذلك فأنا أتمني أن تستوعب الكنيسة رعاياها، لأن الأمر حقيقة يستوجب ذلك، كما أن المنطق يقر هذا. أما بالنسبة للدولة فعليها أن تأخذ موضوع القانون المدني محل الجد، فيجب أن يكون هناك قانون مدني عام للمصريين كلهم، وليس مقتصرا علي الأقباط فقط، فإذا تم إقراره سيحمي أطرافا كثيرة وأولهم المرأة. لكن الأهم الآن هو الحوار ثم الحوار. بسبب موقعة «الكلب».. البابا شنودة يحقق مع الأنبا بولا كتب - أحمد سيف فتح قداسة البابا شنودة الثالث تحقيقا مع الأنبا بولا رئيس المجلس الإكليريكي والقمص رويس عويضة سكرتير المجلس حول ما حدث خلال اعتصام الأقباط الأسبوع الماضي أمام المجلس للمطالبة بحقهم في الطلاق والزواج الثاني، ومن وضع كلاب الحراسة أمام المجلس لإرهاب المعتصمين فيما عرف بموقعة «الكلب» وأيضا استدعاء الشرطة التي قامت بالدخول للكاتدرائية. وكان الأنبا بولا قد نفي علمه بواقعة «الكلب» أو استدعاء الشرطة، وأكد أنه لا يعرف شيئا عما حدث بالخارج من تداعيات، حيث قام بالدخول للمجلس مباشرة لممارسة أعماله، مشيرا إلي أن هؤلاء الأشخاص لا يحق لهم الحصول علي قرار بتصريح الزواج لعدم حصولهم علي أحكام قضائية، لافتا إلي أن الأسباب المقدمة لا تتفق مع نصوص الشريعة المسيحية.. وقال حارس الأمن «عادل» عند سؤاله عن الواقعة بصفته المسئول عن الكلاب ورعايتها ومن الذي أعطي له أمرا بخروج الكلب؟ إنه عندما وجد اعتصاما أمام المجلس وتم احتجاز الأنبا بولا قام بإخراج الكلب لتأمين المكان، وأنكر أنه تلقي أمرا مباشرا من أحد. ومن الجدير بالذكر أن البابا شنودة قد قام بتجميد عمل المجلس الإكليريكي بعد هذه الواقعة مؤقتا لحين الانتهاء من التحقيق في أحداثها وأسباب وقوعها.