رغم التعديل الوزاري الجذري الذي قام به رئيس الوزراء د. عصام شرف وشمل 14 حقيبة وزارية أساسية، بالإضافة إلي نائبي رئيس الوزراء.. إلا أن هذا التعديل رغم أهميته وجديته لم يلق قبول وتأييد معظم القوي الثورية والسياسية وأيضا شهد اعتراض المعتصمين في ميدان التحرير علي هذه الحكومة التي يعتبرونها نوعا من الترقيع لا أكثر ولا أقل لبقاء شرف في موقعه كرئيس للوزراء. وأنه يجب أن يرحل لأنه فقد صلاحيته وشرعيته كرئيس للوزراء بعد أن فشل في تحقيق مطالب الثوار وإحداث التغيير المطلوب الذي يحقق آمالهم. الحقيقة التي يجب أن نبحث عنها هي: هل سيحقق هذا التعديل الذي أجراه شرف التغيير المطلوب؟.. وهل تلبي الحكومة الجديدة احتياجات وطموحات الثوار ومطالبات التحرير؟.. وهل يستطيع الوزراء الجدد التواصل مع الشارع وميدان التحرير مرة أخري والإسراع بالأداء الحكومي لمستوي أفضل خاصة أن بعض أصحاب الحقائب الوزارية الجديدة مثل وزير الصحة ذهب إلي ميدان التحرير ليأخذ شرعيته من هناك ويقابل المعتصمين حتي قبل أن يحلف اليمين أمام المشير طنطاوي. عموما الإجابة لن تأتي سريعا.. وإن كان عمر هذه الحكومة لن يزيد علي عمر الوزارة السابقة لأنه من المفترض أن تستقيل الحكومة بعد تشكيل مجلسي الشعب والشوري أو مع انتخاب الرئيس الجديد. المهم ورغم كل ما فات فإن هناك أمورا إيجابية وأمورا أخري غير إيجابية غير مفهومة علي الإطلاق في التشكيل الحكومي الجديد، فالأمور الإيجابية تتعلق بتعيين د. حازم الببلاوي نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للمالية.. وهو سيكون بذلك مسئولا عن المجموعة الاقتصادية إذا كانت هناك مجموعة اقتصادية فعلا.. والدكتور حازم الببلاوي خبرة اقتصادية هائلة وهو خبرة دولية وليس محلية فقط، ويمثل إضافة فعلية إلي البرنامج الاقتصادي للحكومة لدفع عجلة الإنتاج وتحريك الأداء الاقتصادي الذي يمثل تحديا كبيرا أمام الحكومة الآن بعد أن أصبح الاقتصاد في الشهور الأخيرة محلك سر. ومعلوماتي أن د. حازم الببلاوي كان مرشحا لرئاسة الوزارة مع د. عصام شرف وأنه كان سيأتي رئيسا للوزراء وبديلا لشرف بعد أن تواترت الشائعات أكثر من مرة عن استقالة شرف، وكان ذلك منذ ثلاثة أشهر تقريبا. أيضا من القرارات الإيجابية التي اتخذها شرف في هذا التعديل هو الإبقاء علي د. فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي، وهو أمر إيجابي لأن فايزة تبذل جهودا جبارة لا يعرفها أحد في الاتفاقات التجارية والدولية وكذلك محاولات جذب الاستثمارات الأجنبية إلي مصر، وهي تقوم بجهد فعال دون ضجيج ودون هالات إعلامية، وهي من الكفاءات النادرة التي يجب ألا نخسرها بسبب احتسابها علي وزارات ما قبل يناير.. وهي لم تكن تمشي وراء أحد.. ولم تقبل يد أحد ولم تحمل الحقيبة عن أحد. أما بعض الأمور الأخري التي تمثل ألغازا ولا نقول عنها أمورا غير إيجابية فأولها تعيين د. علي السلمي نائبا لرئيس الوزراء للشئون السياسية ولست أدري ما هي مهامه بالضبط، وهل هو مجرد بديل للدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء الذي لم نكن نعرف ما هي صلاحياته ومهامه، وهل سيقود السلمي الحوارات مع القوي السياسية والائتلافات ويقود الوفاق القومي والحوار الوطني والمسميات الأخري التي خرجت علينا في الفترة الأخيرة أم ماذا بالتحديد؟! اللغز الثاني في التشكيل الوزاري هو خروج وزير الخارجية محمد العرابي الذي لم يكمل شهرا في توليه الوزارة خلفا لنبيل العربي وكان تعيين العرابي وزيرا للخارجية يمثل لطمة لإسرائيل خاصة أنه جاء بعد العربي.. والغريب أن العرابي كان متوقعا التغيير وعبر عن ذلك في كلمته خلال الملتقي الذي نظمه السفير السعودي أحمد القطان علي شرفه وحضره عمرو موسي ود. علي لطفي ود. يحيي الجمل وأكد العرابي أنه يهاجم بشدة دون مبرر وأنه تم الربط بينه وبين أمور أخري حدثت في العهد السابق لا علاقة له بها، وأنه شخصيا لا يعرف ما إذا كان سيستمر أم سيرحل، والسؤال: إذا كان العرابي عليه علامات استفهام كثيرة فلماذا تم اختياره من الأساس؟! اللغز الثالث هو أن هناك بعض الحقائب الوزارية التي أعلن عن تغييرها ولم يشملها التغيير منها الثقافة والبيئة والعدل والشباب والرياضة، وأنقذت حركة الشرطة وزير الداخلية من التغيير في اللحظة الأخيرة، كذلك كانت هناك سيناريوهات أخري لدمج الشباب والرياضة في وزارة واحدة، ومعلوماتي أن رئيسي المجلسين الشباب والرياضة كانا قد جمعا أوراقهما يوم الخميس الماضي.. لكن عادت الأمور إلي نصابها الطبيعي بعد أن فشل شرف في البحث عن وزير للشباب بعد طرح أسماء الخطيب وعمرو حمزاوي وخالد مرتجي وطاهر أبوزيد وزراء للشباب . بقي شيء واحد أن نتيح الفرصة للوزارة بتشكيلها الجديد للعمل والتفرغ للإنتاج وتلبية احتياجات الجماهير والناس لأنه لا أحد يدرك ما تخبئه لنا الأيام المقبلة من أزمات. الدستور.. والانتخابات شاركت في ندوة نظمها برلمان الشباب بمركز شباب الجزيرة الجمعة الماضي، وكان الضيف الرئيسي للندوة د. عبدالمنعم عمارة رئيس المجلس الأعلي للشباب والرياضة الأسبق وكان الحوار مع شباب التحرير والثورة وشباب البرلمان، وكان أجمل ما ذكره وقاله د. عمارة عن أزمة الدستور والانتخابات أن الدستور هو الذي يخلق كل مؤسسات الدولة سواء مجلس شعب أو شوري أو رئاسة أو حكومة.. وخلافه ومجلس الشعب هنا هو مخلوق كبقية المؤسسات فكيف يمكن أن نقدم المخلوق علي الخالق وكيف يمكن أن يقوم المخلوق بخلق الخالق؟! طبعا ما نسير عليه الآن هو منطق معكوس، وكيف يمكن أن تستقيم الأمور إذا جاء مجلس الشعب قبل الدستور، والغريب أن الإخوان هم الذين يدعمون هذه الفكرة.. المخلوق قبل الخالق.