ما إن تم الإعلان عن بدء حوار بين أمريكا وجماعة «الإخوان المسلمون» حتي أبدي الكثيرون دهشتهم وأطلقوا علامات الاستفهام حول دوافع أمريكا لهذا الحوار وموقف جماعة الإخوان منه.. في الوقت الذي خرجت فيه تقارير نشرتها بعض الصحف الأمريكية بأن هذا الحوار كان قائما قبل الثورة وإن لم يكن ظاهرا علي سطح الحياة السياسية.. ووسط حالة الدهشة وعلامات الاستفهام هذه كان هناك موقف غاضب من أقباط المهجر بسبب هذا الحوار! موقف أقباط المهجر الغاضب من الحوار بين أمريكا والإخوان عبرت عنه الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية الخاصة بأقباط المهجر عندما أعلنت عن رفضها القاطع لموقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن قرار الإدارة الأمريكية لإجراء حوار مع جماعة «الإخوان المسلمون» بمصر. وأعلنت الجمعية في بيان لها تضامنها الكامل مع السيناتور ستيف تشابوت، النائب عن الحزب الجمهوري الأمريكي وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي والذي أكد أنه من المفترض أن تدعم إدارة أوباما حركات المعارضة الديمقراطية العلمانية، بدلا من دعم حركات مثل جماعة «الإخوان المسلمون».. وأن مصلحة واشنطن الحقيقية تكمن في ظهور ديمقراطية حقيقية ومزدهرة في مصر، باعتبار أن مستقبل مصر سوف يكون له تأثير غير محدود علي مستقبل الشرق الأوسط الكبير. كما ذكر تشابوت أن الولاياتالمتحدة يجب أن تعمل علي دفع مصر نحو إصلاحات ديمقراطية ونحو السوق الحرة، علاوة علي التأكد من النظام القادم سيحافظ علي معاهدة السلام مع إسرائيل. وجاء استشهاد الجمعية الوطنية القبطية بكلام تشابوت وتضامنها معه نوعا من التعبير عن أسباب غضبها من فتح باب الحوار بين أمريكا والإخوان. كما اعتبرت الجمعية هذا الحوار نوعا من إضفاء الشرعية علي جماعة «الإخوان المسلمون» وكأنها القوة الاكبر في مصر الآن رغم وجود أكثر من قوي أخري خاصة أن جماعة الإخوان يجب التعامل معها في رأي أقباط المهجر كجماعة دينية وليست سياسية لأن الوجه السياسي المعبر عنها هو حزب (الحرية والعدالة). وأضافت الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية في بيانها أن جماعة «الإخوان المسلمون» منظمة دينية، وليست منظمة سياسية مدنية، وهي الأم الحاضنة لحركة حماس التي تعتبرها أمريكا حركة إرهابية وبالتالي ليس من المنطق أن يكون هناك حوار بين أمريكا والإخوان. - اعتراف بالواقع وقد نشرت صحيفة الجلوبال بوست الامريكية تقريريا صحفيا جاء فيه إن إعلان إدارة أوباما عن فتح باب الحوار مع جماعة «الإخوان المسلمون» بمصر هو بمثابة اعتراف بالواقع الواضح، وهو أن كل الحسابات تشير إلي أنه من المرجح أن تفوز جماعة «الإخوان المسلمون» بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر المقبل. وقالت الصحيفة إن الخطوة هي علامة علي تحول كبير في طريقة تعامل إدارة أوباما مع الجماعات الإسلامية، وتراجعها عن مواقفها المتخوفة مما قد تعنيه وجود حكومة يسيطر عليها الإسلاميون بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل. وأكدت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية أدركت أن هذه الجماعات الإسلامية تحظي بدعم شعبي عميق في العديد من البلدان العربية وأنه سيكون لها حتماً دور كبير مع اتجاه هذه البلدان نحو الديمقراطية ولذلك فإن الولاياتالمتحدة أدركت أنه من الأفضل التعامل مع هذه الجماعات من الآن ومحاولة توجيهها نحو احترام تنوع الآراء والعملية الديموقراطية. وتري الصحيفة أن السؤال الآن يكمن في كيفية سحب هذه الجماعات مثل «الإخوان المسلمون» نحو اتجاه أكثر وسطية، مشيرة إلي أن هذه العملية بالفعل قيد التنفيذ في مصر، حيث قامت جماعة «الإخوان المسلمون» بتعديل بعض سياساتها، ويبدو أنها تتجه إلي الاهتمام بالجانب السياسي أكثر من الديني بشكل متزايد خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية. - اجتماعات سرية أما صحيفة الواشنطن بوست فنشرت تقريرا صحفيا أكدت فيه أن حوار أمريكا مع جماعة «الإخوان المسلمون» ليس وليد ثورة25 يناير لأن هذا الحوار كان قائما منذ أوائل التسعينيات وإن لم يكن معلنا وأنه كانت هناك اجتماعات سرية بدأت في أوائل التسعينيات بعد الأداء القوي الذي ظهر به الإخوان في الانتخابات البرلمانية. وقد انفضح أمر الحوار «الإخواني - الأمريكي» في بداية عام 2006 عندما طلب الإخوان لقاء نائب زعيم الأغلبية في البرلمان الأمريكي ستاني هوير العضو عن ولاية ميرلاند، وتم اللقاء بالفعل داخل السفارة الأمريكية بالقاهرة، وتزامن هذا اللقاء مع تنظيم الإخوان لوبي قويا داخل الولاياتالمتحدة لإقناع الأمريكان بأمرين مهمين من وجهة نظر الإخوان، أولا: إنه في حالة دخول الإخوان أي انتخابات حرة ونزيهة، فإنهم لن يحصلوا إلا علي 18 % من الأصوات وبالتالي فعلي الأمريكان الاطمئنان. وثانيا: إنه حتي لو حصل الإخوان علي أغلبية، وقاموا بتشكيل الحكومة فإنهم يلتزمون بحكومة مدنية تطبق المثال التركي من الحكم. - قواعد جديدة من جانبه أعلن أمين حزب الحرية والعدالة بالقاهرة التابع لجماعة الإخوان الدكتور محمد البلتاجي - في حوار مع قناة العربية - أن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أو الإدارة الأمريكية بإجراء اتصالات مع جماعة «الإخوان المسلمون مجرد تصريح من طرف واحد فقط، وهو الجانب الأمريكي، وأنه لا يوجد ما يسمي بالاتصالات الإخوانية - الأمريكية أو الأمريكية - الإخوانية، والإخوان يرفضون هذا المعني جملة وتفصيلا، وأن أي حوار بين الطرفين لابد أن يكون مبنيا علي قواعد وعلاقات جديدة مصرية - أمريكية، فإذا كانت الإدارة الأمريكية تقصد هذا المعني وأصبحت لديها قناعة تامة بأن مصر بعد الثورة غير مصر قبلها وبالتالي وجب عليها الاتصال بالكيانات السياسية القائمة والمتواجدة في الشارع المصري بهدف وضع قواعد جديدة لحوار جاد وهادف، وفقا لقواعد جديدة، فأهلا وسهلا بالحوار معها وجماعة الإخوان تعلن في تلك الحالة استعدادها للحوار. ورغم ما أعلنته هيلاري كلينتون بأن الدعوة إلي هذا الحوار تمثل إحياء لمبادرة تم إطلاقها عام 2005 للحوار مع الجماعة فإن محمد البلتاجي نفي أن تكون الجماعة قد أجرت أي حوارات مع الأمريكان من قبل، وأن أي حوار بين الإخوان والأمريكان سيكون عبر القنوات الشرعية وفي العلن.. وهو ما أعلنه أيضا سعد الكتاتني أمين عام حزب الحرية والعدالة الذي أكد أن اللقاءات التي أشارت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية كانت تتم في العلن وفي إطار لقاءات مع أعضاء البرلمان المصري في ذلك الوقت بمن فيهم نواب الجماعة. حالة القلق التي فجرتها الدعوة إلي حوار بين أمريكا والإخوان لم تكن من نصيب أقباط المهجر وحدهم وإنما انتابت أيضا قوي وطنية داخلية رأت في هذا الحوار نوعا من دعم أمريكا للجماعة خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وأن أمريكا كعادتها تبحث عما يحقق لها مصالحها في مصر حتي لو كان حوارا مع جماعة دينية كان النظام السابق يصدرها دائما كفزاعة للإدارة الأمريكية إذا ما جاءت للحكم بديلا له.. والمؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف مزيدا من أسرار تلك الدعوة الأمريكية للحوار مع الإخون ومدي نجاح ضغوط أقباط المهجر لتحجيم هذا الحوار.