في تلك الأيام التي كان الدكتور عاطف صدقي يشغل فيها منصب رئيس مجلس الوزراء في بر مصر حدث أن تناول الولد الشقي السعدني الكبير -رحمه الله- المجموعة الاقتصادية التي يرأسها رئيس الوزراء في مقاله الأسبوعي «علي باب الله» بالصفحة الأخيرة من مجلة المصور، وقال السعدني يومها أن أحوال الاقتصاد المصري تثبت بالدليل القاطع أن وزراء المجموعة الاقتصادية وهم كلهم يحملون درجة الدكتوراه.. أنهم جميعاً أخذوا الدكتوراه أو عملوها في البتنجان المخلل وأن الدكتور عاطف صدقي باعتباره رئيس المجموعة الاقتصادية الدكتوراه تبعه أرفع وأنبغ، ولذلك فهي عن البتنجان المخلل أبودقة وتوم، وبعد نشر المقال بيوم واحد وفي حوالي الساعة السابعة من صباح أحد الأيام رن جرس الهاتف في منزلنا وقد أصابتنا الدهشة نظراً لأننا لا نتوقع من أي مخلوق مكالمة في هذا الوقت من الصباح الباكر، وكان المتصل هو أحد سكرتيري الرئيس، وقال إن مكتب الرئيس مبارك يريد الأستاذ السعدني لأمر مهم، فسألت الرجل من في مكتب الرئيس هل هو الدكتور زكريا عزمي فأنكر.. فقلت الدكتور أسامة الباز.. فنفي.. وعدت أقول إذن إنه عمنا الدكتور مصطفي الفقي.. فكان رد الرجل حازما هذه المرة عندما قال.. إن الرئيس مبارك شخصياً يريد التحدث إلي الأستاذ السعدني.. فقمت بالتوجه إلي حيث ينام السعدني علي كنبته الشهيرة وأخبرته بأمر المكالمة الرئاسية فأخذ مني سماعة التليفون.. وبعد قليل جاءه صوت مبارك وهو في منتهي الجدية والحزن أيضاً.. وقال مبارك للسعدني: يامحمود إيه الكلام اللي أنت كاتبه ده في المصور.. الجماعة بتوع المجموعة الاقتصادية زعلانين جداً.. وعاوزين يقدموا استقالاتهم ويرد السعدني متسائلا: ليه ياأفندم.. فيعود مبارك ويقول: الله.. مش أنت كاتب إنهم عاملين دكتوراه في البتنجان المخلل.. وكمان رئيس الوزراء عاملها في البتنجان أبودقة وتوم.. الناس زعلانين منك قوي ياسعدني.. ياراجل ده - فلان الفلاني - مراته بعدما قرأت المقال بتاعك طلبت الطلاق.. وهنا تدخل السعدني في الحديث وقال: سعادتك بتتكلم بجد ياأفندم.. مراته طالبة الطلاق.. فأكد الرئيس الأمر.. وعاد السعدني ليقول: طيب ياأفندم ده فلان ده بالذات المفروض يبعت لي جواب شكر.. وهنا ضحك مبارك ضحكة من أعماق القلب أعقبها سلسلة هيستيرية من الضحك لم يتمالك نفسه حتي أغلق الهاتف علي وعد أن يلتقي بالسعدني ومعه وزراء المجموعة في جلسة للمصالحة، ولكن الغريب بعد ذلك أن جميع أصدقاء السعدني ممن كانوا يعملون مستشارين لمبارك أيام كان حاكماً فعليا لمصر دون مشاركة سوزان وجمال وعلاء.. كل هؤلاء المستشارين اتصلوا بالسعدني وقالوا إنت عملت إيه في الراجل.. دا طاير من السعادة والمعاملة ماحصلتش مع كل اللي بيشتغلوا معاه.. الناس كلها في الرياسة مندهشة وحكي لهم السعدني حكاية البتنجان والطلاق وجواب الشكر.. ووصلت المسائل بحذافيرها إلي المخضرم صفوت الشريف الذي علم بأن مبارك في حاجة إلي جرعات من الضحك لكي تبهجه وتبهج من حوله، ولذلك اتجه به إلي استوديوهات التصوير وبعد ذلك إلي مدينة الإنتاج الإعلامي حيث قصد صفوت الشريف أن يلتقي مبارك بكبار نجوم الكوميديا وفرسانها وكان هناك لقاء يتيم بالفنان أحمد بدير والفنان المنتصر بالله يوم هبط مبارك بطائرته الهيلكوبتر في مدينة الإنتاج الإعلامي وطلب من أحمد بدير أن يرافقه، هكذا انتشرت الحكاية في الأوساط الفنية، ورافقهم في الطائرة المنتصر بالله وتناقش الرئيس في أمور الفن وهموم الفنانين وطبعا لم يخل النقاش والطرح من إيفيهات وقفشات جلبت السعادة لمبارك، ولكن أحداً من هؤلاء لم يسع إلي أن يكون مضحك الملك أو مضحكاتي الرئيس كما أشاع البعض، صحيح أن اللقاءات تعددت خصوصاً مع المنتصر بالله وكان الرئيس «كريما» للغاية، فلم يكن يقدم للمنتصر سوي الآيس كريم ويجلس معه لدقائق، ولم تزد هذه اللقاءات كما أشاع البعض وادعي، فقال أحدهم أن المنتصر بالله رافق الرئيس خلال 250 رحلة بالطائرة وهو رقم مبالغ فيه فحسني مبارك منذ كان طياراً ربما لم تصل رحلاته في رحلة الحياة كلها إلي 250 رحلة طيران، ولكن ما هو ثابت بالفعل وموثق باعتراف الرئاسة ومنشور بجريدة الأخبار أن طلعت زكريا استطاع أن يستحوذ علي 135 دقيقة بالتمام والكمال من وقت رئيس الدولة في توقيت كانت مصر كلها تغلي بالمشاكل والهموم والكوارث، وقد ثبت أن أحداً خلال العشرين عاما الأخيرة من حكم مبارك لم يجتمع إليه بمثل هذا الزمن الذي خصصه للأستاذ طلعت زكريا، ولعل زكريا قد رد الجميل عندما تصدي لوصف شباب وثوار ميدان التحرير بما لا يليق، وظن طلعت زكريا أنه يراهن علي المضمون الذي هو شخص مبارك ونظامه ولكن تبين أن كل ظنه.. إثم!!