تري هو زجال أم كاتب مسرحي أم سيناريست أم شاعر أم منتج.. لم لا يكون كل هؤلاء ولكن علي نفس الدرجة من الحرفية التي صنعت منه فنانا شاملا يمسك بزمام الكلمة لتصل إلي جميع طبقات الشعب، ولاسيما الطبقات الكادحة منه والتي شكلت جزءا لا بأس به من نسيجه الفني أنه صاحب الكلمات التي يرددها الشعب المصري والتي حفظها في وجدانه دون أن يعرف صاحبها.. أنه ابن الشعب ولسان حاله.. الفنان بديع خيري. ولكن تراث بديع خيري عاني الإهمال والنسيان وربما الجحود، حتي خرج الدكتور نبيل بهجت بكتابه الفريد والذي اكتفي بوضع اسم الراحل وصورته عنواناً له. • طلعت يا محلي نورها بديع خيري من مواليد عام 1893حيث ولد بحي المغربلين أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، وتوفي في 3 فبراير 1966، وينحدر نسبه من أصول تركية، نزح والده من الدولة العثمانية وعمل مراقب حسابات في دائرة والدة الخديو عباس الثاني.. أما والدته فتنحدر من أصول مصرية، وكان جده لأمه أحد كبار تجار الغورية. أرسله والده إلي الكتاب فحفظ بديع القرآن الكريم كاملاً، وحصل علي دبلوم المعلمين 1914، وثقف نفسه منذ نعومة أظافره بالثقافة الشعبية فانصهر في مقاهي الجمالية والإمام الشافعي، يستمع إلي ماينشده شاعر الربابة من السير والأشعار متأملا ما تزخر به هذه المقاهي من فئات مختلفة، ويقول عن هذه المقاهي «هي مدرستي الأولي في التأليف المسرحي، حتي لهجات البلاد العربية عرفتها وحفظتها في هذه المقاهي، إذ كان يتردد عليها أبناء تلك البلاد الشقيقة الذين يدرسون أو يتاجرون أو يسيحون في القاهرة». • حكم قراقوش وعاش بديع آمال تلك الفئات وآلامهم، وذاق مرارة الاحتلال، فانتسب للحزب الوطني الذي أسسه مصطفي كامل منذ صباه، ونشر وهو في الثالثة عشرة من عمره في جريدة الحزب الوطني. وكرر النشر بعد ذلك في جريدة المؤيد بمناسبة اختيار الشيخ علي يوسف رئيساً لجمعية الهلال الأحمر بعد تكوينها، فكانت بدايته الأولي في كتابة الشعر الفصيح فلاقت أشعاره قبولاً ورواجا فيروي في مقال نشره في مجلة ''الاستوديو'' تحت عنوان ''كتبت الشعر قبل الزجل'' فيقول: «كنت من كتاب الشعر اللامعين منذ أكثر من ثلاثين عاما، وكانت هذه الهواية الجميلة هي الهواية الوحيدة المتملكة علي زمام نفسي ومشاعري فقد فكرت في إرسال بعض أشعاري إلي الجرائد التي تصدر في القاهرة.. ويبدو أن هذه الأشعار التي أرسلتها إلي الجرائد قد لاقت منهم الترحيب.. فلم يبخلوا بنشر بعضها.. وبدأت أشعاري تنشر علي صفحات الأهرام والمؤيد والمقطم والأفكار، وكانت هذه الصحف من أكثر الصحف المصرية انتشارا في ذلك الحين ولكن كل هذا الرواج الذي لاقيته كشاعر مبتدئ لم يرض طموحي ولم يشبع آمالي». عمل بديع في بداياته الأولي مترجماً في شركة التليفونات، وفصل منها إثر إهماله لشكوي من بيت واطسون باشا ثم عمل مدرساً في مدرسة رفاعة الطهطاوي باشا في طهطا، ومن هنا ألحت عليه هواية نظم الزجل وأراد أن يحدث تغييراً في هذا اللون من النظم رغم نظرة الازدراء والاستهانة التي كان الناس ينظرونها للزجالين آنذاك.. ويقول: «وبعد أن استقر بي الحال في وظيفة التدريس، انتابتني هواية جديدة.. نظم الزجل.. وكان الزجل يؤلف من خمسين أو أربعين بيتا كلها من بحر واحد.. وكان يتزعم كتاب الزجل أربعة ''شعبان عوني'' و''عزت صقر'' الذي كان يلقب بأمير الزجالين و''محمد عبد النبي'' ودكتور العيون ''إبراهيم شدودي'' فكتبت الزجل الواحد علي أوزان مختلفة وإذا بالزجالين يثورون علي ويتهمونني بأنني شاب عابث بالقيم الزجلية».. وفي تلك الفترة كتب أول أغنية كان مطلعها: إكمنه شايف روحه قمر والناس عشقاه تقلان عليه ومهما أمر أنا روحي فداه وفي تلك الفترة مارست السلطات الإنجليزية تصرفات تعسفية ضد الشعب المصري وكان طبيعيا أن تجنح الميول إلي طلب الترفيه والتسلية تنفيسا عما في الصدور وبوحي تلك الميول بدأ بزوغ المسرح الضاحك. • قوم يا مصري وتقول ''عطية خيري'' ابنة الفنان ''عادل خيري'' وأكبر حفيدات ''بديع خيري'' كان جدي شديد الوطنية وقد برز ذلك في أكثر من عمل قدمه فقام بتأليف نشيد ثورة 1919: «قوم يا مصري.. مصر دايما بتناديك.. خد بنصري.. نصري دين واجب عليك». وبعد قيام الثورة في مارس 1919 وجاءت استعراضات تلك الفترة لتقف علي قضايا العمل الوطني حيث تعتمد بشكل كبير علي الأغاني والحوار فيها ثانوي ويهتم موضوعها بالتعليق علي الأحداث الجارية، كما ترتبط بالواقع السياسي بشكل مباشر ويعلق بديع علي ما كان يكتبه في تلك الفترة قائلا: «في الحقيقة كنا نقدم روايات استعراضية من نوع الريفيو، ولكن كنا نتناول فيها الأحداث السياسية أولا بأول وننقدها بأسلوب ساخر ولكن حماسي فكان كل استعراض مزيج من الضحك والإثارة وأيضا حث الشعب علي الكفاح ضد الاستعمار.. وقد وصلنا من مدير الأمن العام الإنجليزي إنذار بالنفي إلي جزيرة مالطة حتي نخفف من حدة استعمال الكلمات التي يمتلئ بها مسرح الإجيسيانه». ويروي أن بعض طلبة كلية الحقوق في ذلك الوقت كانوا يطلبون إليه أن ينظم في مناسبات وطنية كثيرة، كلما حدث عراك بين الإنجليز والأهالي أو بسبب تعنت في حرية النشر مع الصحافة أو القبض علي بعض الوطنيين. وفي عام 1925 أصدر بديع خيري مجلة ''ألف صنف'' وهي مجلة اجتماعية ثقافية أصدرها بالعامية، واهتم فيها بالحركة الزجلية وجعل فيها أبوابا ثابتة جاءت علي شكل حواريات درامية مثل «مشكاح وريمة» و«ماميش أغا» و«زعيط و معيط». وحرص علي نشر بعض أزجاله في هذه المجلة وكان منها ما يحمل توقيعه أو توقيعا مستعارا وأحيانا كان يتركها بدون توقيع اعتمادا علي معرفة القارئ بأسلوبه وتبني في هذه المجلة قضايا الوفد وآراءه. وأضافت: «عطية خيري» قائلة: «من المواقف الإنسانية التي لا أستطيع أن أغفلها هو موقف جدي مع فنان الشعب الزجال المشهور ''بيرم التونسي'' حيث إن جدي كان ينتج هذه المجلة و كان بيرم -علي الرغم من كونه من الشعراء المنافسين لجدي في تلك الفترة - فكان يرسل كتاباته إلي المجلة من منفاه ليقوم جدي بنشرها، وكان جدي في المقابل يرسل إليه راتبه الشهري إلي أن توقف إصدار المجلة، فما كان من جدي سوي أن يستمر في إرسال راتب بيرم في منفاه، لأنه كان يعرف مدي احتياج بيرم للمال حتي أنه ذات يوم تأخر جدي في إرسال هذا المبلغ الأمر الذي جعل بيرم يسأل أحد أصدقائه عن سبب هذا التأخير ووقتها عرف أن المجلة توقف إصدارها منذ عام. وانتشرت في هذه الفترة ظاهرة إلقاء المنولوجات خاصة التي كانت تعلق علي الأحداث التاريخية والأزمات المختلفة التي تمر بها البلاد وارتفع قدر الزجل عندما دخل المونولوج المسارح وكان يلقي بين الفصول، وأصبح له هدف ومرمي وكتب أول مونولوج عام 1917 للمنولوجست ''فاطمة قدري'' ومطلعه: ليلة العيد كنت مخدر في ميدان عابدين ماشي أتمختر وبهذا المونولوج دخل ''بديع خيري'' عالم المسرح فكانت أولي مسرحياته هي ''أما حتة ورطة''.. وسرعان ما وقع معه ''نجيب الريحاني'' عام 1918 عقداً أصبح بموجبه مؤلفاً لفرقة الريحاني وكان أول عمل مشترك لهما هو رواية ''علي كيفك''، فكتب له العديد من الاستعراضات ولكن مع بداية الاستعراض الثالث انضم ''سيد درويش'' لفرقة الريحاني، كان أوبريت ''العشرة الطيبة'' أول أوبريت يجمع هذا الثالوث فكتب بديع الأشعار ولحنها «سيد درويش» ومثلها «نجيب الريحاني»، وبعدها سافر «بديع خيري» و«نجيب الريحاني» إلي الشام واكتشفا «بديعة مصابني». في هذه المرحلة من حياة بديع خيري رحل صديقه وتوأم روحه «سيد درويش» الذي كان السبب في بزوغ شهرته عندما علم بوفاته نعاه قائلا:'' جايين يقولوا البركة في حياتك ولا حياة من بعدك يا سيد، يعوض مصر خير في مماتك بنيان يدوم للناس ويفني اللي شيد». وبعد سفر الريحاني وفرقته إلي البرازيل في عام 1924م اتجه خيري إلي كتابة المسرحيات ''لعلي الكسار'' حيث كتب له مسرحية ''الغول''، وفي العام نفسه أعادت ''منيرة المهدية'' تكوين فرقتها من جديد وكتب لها خيري أوبريت ''الغندورة'' الذي عرض في عام 1925م وقد قامت منيرة بعرضه مرة أخري باسم ''قوت القلوب'' وعندما نجح الأوبريت ولاقي استحسانا من النقاد كتب لها خيري أوبريت ''قمر الزمان'' الذي لم يكتب له النجاح مثل سابقه، لكنه مع ذلك لم يوقف تعاون مؤلفه مع ''منيرة المهدية'' فكتب لها أوبريتي ''حورية هانم'' و''الحيلة''. وعندما جاء عام 1926م قدم الكسار لبديع خيري مسرحية ''الوارث''، واستمر في كتابة المسرحيات مستفيدا من تقنية خيال الظل في صنع الحبكة الدرامية لمسرحياته ورسم بعض مشاهدها مثلما حدث في مسرحية ''ليلة جنان'' و''علشان بوسه''، كما استفاد أيضا من فن الأراجوز الذي وظفه في مسرحياته التي كتبها للسخرية من الشخصيات الأجنبية ذات السلطة في المجتمع المصري، ثم قدم بديع مسرحيات اجتماعية صور فيها الجو المصري فقدم مسرحية ''مين فيهم'' عام 1929 لفرقة ''علي الكسار'' مصوراً فيها الجو المصري، وكذلك مسرحية ''حسن ومرقص وكوهين'' تلك المسرحية التي وصلت إلي درجة من النجاح أدت إلي إعادة عرضها أكثر من مرة، وقدمت أيضا في فيلم سينمائي، وهي تقدم نماذج ثلاثة لمسلم ومسيحي ويهودي في علاقة قوية وجيدة، ورغم ذلك تلقي بديع 3 إنذارات من الأزهرلأن حسن هو نسل الرسول (علية الصلاة والسلام) والثاني من بطريركية الأقباط الأرثوذكس لأن مرقص الرسول هو أول من بشر بالمسيحية والثالث من الحاخام الأكبر لأن معني كوهين بالعبري هو الكاهن الأعظم، وكان رأي المسؤلين من رأي ''بديع خيري'' لأن تلك الأسماء موجودة في الحياة ومتداولة ولم تخل هذه المسرحية من التضمينات الاجتماعية حيث تقدم باقتدار صورة للمميزات العديدة التي تمثل مختلف الجماعات الدينية والأجناس في مصر في تهكم نقدي لايحمل ضغينة لأحد. • العزيمة بعدما بترت أصابع قدميه العشر من تأثير مرض السكر لم يعطله شيء عن الاستمرار في العطاء.. فكان يدير العجلات بيديه ليخرج إلي الشرفة.. حيث مستقره خلف المنضدة الصغيرة التي أصبحت حدودها نطاق عالمه ليكتب ويكتب ويكتب المقال والزجل والحوار والفيلم والمسرحية.. وهنا أضافت ''عطية خيري'' قائلة:'' كان لجدي عادة غريبة أثناء كتابة المسرحيات وهي أنه كان يستخدم الأقلام الرصاص حتي يستطيع تغيير ما لا يعجبه من الحوار و كان يظل ''يبري'' القلم حتي يصبح قصيرا للغاية و يكاد يمسك باليد و كانت لديه علبة يضع فيها تلك الأقلام القصيرة لتذكره بكل مسرحية كتبها». وتستطرد عطية ضاحكة: «كان ذلك لا يمنعني من أن آخذ تلك الأقلام الأمر الذي كان يزعج جدي كثيرا فكان ينادي علي والدتي لتحضر له الأقلام لأنه كان لا يستطيع أن يركض خلفي نظرا لظروفه الصحية، هذا بالإضافة إلي أنه كان يتفاءل بالأقلام فكان دائما يقول: «بهذا القلم حققت هذا الفن». وتستطرد قائلة: «كان يندمج في كتابة الحوار فيتقمص الشخصيات لينطق بلسانها ولزماتها فيسمع من بعيد مقلدا ضحكة ''حسن فايق'' ودلال'' ماري منيب'' ولثغة ''ميمي شكيب'' وانفعال ''سراج منير'' وصفايح السمن السايحة ''للقصري'' ليستشعر بنفسه وقع الكلمات علي أذنه أولا قبل سمع المشاهد.. فكنا نضحك من فرط تقمصه لتلك الشخصيات، ومن شدة إتقانه لأدائهم، وذلك لأن جدي كان يهوي التمثيل منذ صغره ولذلك كان يود أن يبدأ مشواره الفني كممثل ولكن أبت الظروف أن تحقق له حلمه.. فعندما كان جدي يقطن ''روض الفرج'' كان قد كون مع أصدقائه فرقة من الهواة للتمثيل ووقتها كانت الفرقة في أمس الحاجة إلي مؤلف دون أن يتحملوا أعباء مادية كبيرة.. وبالفعل أجمع أعضاء الفرقة علي جعل جدي هو مؤلف الفرقة.. وبعدما أظهر جدي تفوقا ملحوظا في التأليف طلبوا منه أن يتوقف عن التمثيل ويستمر في الكتابة.. فكان ذلك من أكثر الأشياء التي ضايقت جدي ولكن رب ضارة نافعة فكان تنازله عن حلم التمثيل هو البوابة التي دخل من خلالها إلي عالم التأليف، والتي ساهمت في بزوغ اسمه كمؤلف.. وكان بمنزله عندما يضع القلم بعد ساعات يطلب وجبته وفنجان قهوته السادة.. بعدها يذهب إلي الحمام للاغتسال والوضوء ليصلي، وعندما يستدعي الأمر يذهب محمولا لمسرح الريحاني ليشرف بنفسه علي ما يدور فوق خشبته التي كتب لها في حياة الريحاني». وبمناسبة هواية جدي للتأليف تروي «عطية خيري» قائلة: «أذكر جيدا تلك الفترة التي لم يتجاوز فيها عمري الثمانية أعوام.. فكنت أحرص علي قضاء أجازتي الصيفية مع جدي في الإسكندرية.. ووقتها كنت ''اعتقله'' فكنت أمكث معه فترات طويلة و كنت أرفض أن يقاسمني هذا الوقت أي فرد من أفراد أسرتي.. فكانت تغمرني سعادة عارمة لأن جدي يمضي كل هذا الوقت في رواية القصص لي مثل ''قصص الأنبياء'' ولاسيما تلك القصص التي يؤلفها بنفسه ويجعلني أنا بطلتها.. فما أروع هذا الإحساس الذي يجعلني في قصص جدي ''بطلته'' وفي نظر نفسي الأميرة المتوجة علي عرش قصصه ورواياته». وقد كتب للسينما المصرية أفلاما كثيرة بالاشتراك مع رفيق عمره «نجيب الريحاني» منها «صاحب السعادة» و«كشكش بك» و«حواديت كشكش بك» و«ياقوت» و«بسلامته عايز يتجوز» و«سلامة في خير» و''سي عمر''و''لعبة الست'' و''أبو حلموس'' وأخيرا ''غزل البنات'' ، وعقب وفاة الريحاني في يونيو 1949، قام بتلبية حاجة فرقة الريحاني التي أراد لها مسرحية كان من بينها ''ابن مين بسلامته'' و''الرجالة ما يعرفوش يكدبوا'' و''حماتي بوليس دولي'' وآخرها ''يا سلام علي كده'' المسرحيات التي تعاقب علي بطولتها أكثر من نجم كان أولهم الابن ''عادل خيري'' و''فريد شوقي'' و''حسن يوسف''، وتضيف عطية قائلة: «أنتج جدي معظم أفلامه وكانت جميعها محورها الشعب المصري ولاسيما الطبقات الفقيرة وبذلك كسر القاعدة التي كان يسير عليها القائمون علي السينما في تلك الفترة، وهي تناول مشاكل أبناء الطبقة الراقية ولكن لأن جدي كان مهموما بالشعب كان أول شخص يتناول الحديث عن الطبقات الكادحة في فيلم ''العزيمة'' فدخل الحارة المصرية وتحدث عن العمال والفلاحين والحرفيين وقد تبلور ذلك في أكثر من أغنية مثل ''القلل القناوي'' التي كانت بمثابة دعوة لشراء المنتجات المحلية وكذلك لا نستطيع أن نغفل أغنية ''الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية والديك بيدن كو كو كو كو في البدرية يللا بنا علي باب الله يا صنايعية يجعل صباحك صباح الخير يا أسطي عطية صبح الصباح.. فتاح يا عليم والجيب ما فهش ولا مليم بس المزاج رايق و سليم.. مين في اليومين دول شاف تلطيم باب الأمل بابك يا رحيم.. زي الصنايعية المظاليم الصبر أمره طال وايش بعد وقف الحال يا اللي معاك المال برضه الفقير له رب كريم ايدي بايدك يا بو صلاح مادام علي الله تعيش مرتاح خللي اتكالك عالفتاح يللا بنا الوقت أهو راح الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية والديك بيدن كو كو كو كو في البدرية وتستطرد قائلة: «كان لا يميل إلي الكتابة الرومانسية ولكن إذا قدم أغنية تنطوي علي كلمات الحب والغرام فكان يقدمها بطريقة خفيفة مثل أغنية «لي عشم وياك يا جميل» ل«محمد فوزي».. لذلك أشعر أن جدي مظلوم لأن عادة عندما يتحدث الإعلام عن أعمال جدي فهم ينسبونها إلي فنانين آخرين قائلين أغنية ''سيد درويش'' أو مسرحية ''نجيب الريحاني'' ولكن في حقيقة الأمر العمل الفني هو ملك للمطرب والملحن والمؤلف». وتضيف عطية قائلة: «بما أن جدي كان فنانا شاملا ولكونه رائدا في كل المجالات الإبداعية فكانت أول أفلام رسوم متحركة في مصرلأخين يهوديين من تأليف جدي فهو الذي وضع السيناريو لهذه الأفلام.. فجدي خاض تجارب كثيرة». وتستطرد قائلة: «بقدر ثراء حياة بديع خيري بالإنجازات الفنية بقدر المآسي التي عاني منها لأنه فقد ابنه «عادل خيري» الذي رحل عن هذا العالم في سن صغيرة -32 عاما- فكانت وفاة أبي من أكثر الأشياء التي قضت علي نفسية جدي.. كان أبي مريضا بالسكر ولكن في مرحلة متأخرة تسببت له في تليف كبدي. أذكر جيدا اللحظة التي تلقي فيها جدي خبر وفاة أبي، فقد كان جدي وقتها في المنزل يتناول وجبة الإفطار وهو يستمع الي الراديو، ووقتها عرف مثل بقية الناس أن أبي قد فارق الحياة.. وعلي الرغم من أنني لم أكن أتجاوز وقتها الستة أعوام إلا أنني لا أستطيع أن أنسي وقع الصدمة علي جدي فقد حزن كثيرا وتألم كثيرا.. وبعدها بعامين فارقنا جدي ليترك فراغا كبيرا لا يستطيع ملؤه أحد». كانت أزجال ''بديع خيري'' البوابة الحقيقية لعالمه الذي نكتشف من خلاله الوجه الحقيقي لمصر، مصر الثورة، مصر الإبداع والتغير، حيث صاغ بديع الرؤية الشعبية لكثير من الأحداث في قصائده غير مكترث بالرؤية الرسمية.. فلم يكتف بديع بدور واحد بل سعي من خلال إسهاماته في المجالات المختلفة للتغيير والإصلاح وكتب للمسرح والسينما والإذاعة فكان مثالا للمثقف الفعال ولم يهتم بجمع أعماله قدر اهتمامه بالإبداع.