أعلنت جماعة الجهاد الإسلامية حزمة من التطمينات للمجتمع المصري الأسبوع الماضي أطلقتها من ضريح أبو الحجاج بالأقصر أكدوا علي ترحيبهم بالمسيحيين والسياح وتعهدوا بعدم هدم الأضرحة! بتلك التصريحات ينتظر الكثيرون انتهاء مسلسل التطرف الطائفي الذي بدأت أولي حوادثه بهدم كنيسة صول وانتهت بهدم أضرحة المساجد. مرورا بحوادث قطع أذن أحد الأقباط والهجوم علي مقهي لقبطي آخر قيل إنه يقدم الخمور والتهديد للمسيحيات بالقتل إذا خرجن كاشفات الرأس والتهديد باقتحام الكنائس والأديرة من أجل ما يسمي بتحرير (المسلمات الأسيرات، وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة)، وأخيرا ماحدث في المنيا في حادث أبو قرقاص، والسلفيون لايجرمون تلك الأفعال بل يعتقدون أنها جهاد لإعلاء صوت الحق وتغيير المنكرات في الدولة الإسلامية. وكما يؤكد د/ جهاد عودة بقوله: الأقباط في العقيدة السلفية، هم أهل ذمة ولذلك لا يعاملون معاملة المسلمين، فليس لهم نفس الحقوق، ولذلك فهم لا يعترفون بثورة 19 ويعتبرونها انحرافا شديدا في جهاد الأمة بسبب مشاركة الأقباط للمسلمين، لأن العقيدة السلفية لا تعترف بالمواطنة بمعني تقبل شريك لي في الوطن مختلف معي في الدين أو العقيدة، بل الوطن هو الأمة الاسلامية وهو جماعة الجهاد. وما يعلن الآن من بعض السلفيين هو رؤي خاصة لبعض المستنيرين منهم وربما يعلن من أجل التوافق السياسي في تلك المرحلة فقط، ولكن هذا لا يشكل العقيدة الأساسية لهم طبقاً لمراجعهم. ويؤكد د. جهاد عودة علي أن د.محمد إسماعيل المقدم مؤسس المدرسة السلفية بالإسكندرية لا يعترف بأن الأقباط جزء من الوطن، وفي تعاليمه عن المرأة مثلاً يعتبر أن قضية النقاب هي صراع ما بين الإسلام والكفر والهدي والضلال، وفي تعليم السلفية عن البرلمان والسياسة يصفون الديمقراطية بالسراب، والقوانين الوضعية بالكفر وأنها تخالف شرع الله ! ويفسر د. جهاد عودة بأن إعلان العهد مع الأقباط الذي تم الأسبوع الماضي في كنيسة صول هو في مضمونه تأكيد لوجهة النظر السابقة، لأن مفهوم العهد يكون مع من هو مخالف لي ولمن لا أعتبره شريكا لي في الوطن وربما عدوا. السلفيون والقانون د. عماد جاد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام يفسر ظاهرة السلفيين بقوله: إن الجماعات الأصولية ظاهرة لدي كل الأديان وفقاً لتطور المجتمعات. بمعني أن الجماعات الأصولية متواجدة في الدول الأوروبية والأمريكية، وموجودة أيضاً في الدين اليهودي لدي إسرائيل. ولكن المجتمعات المتحضرة والمتطورة التي تمارس الديمقراطية بشكل حقيقي ولديها نظام مؤسسات سياسية قوية لا تتأثر بالفكر الأصولي أو السلفي ولا ينزعج المجتمع أو إحدي طوائفه من الفكر الأصولي لأنه يظل (فكراً) ولكن إذا تحول إلي حوادث عنف أو إرهاب لفئة من المجتمع فعلي المجتمع أن يحاسب هؤلاء الأصوليين بالقانون، ويفرض عليهم القانون. ومن أشهر الحوادث المشابهة للأصوليين في العالم تعد مفارقة خطيرة، عندما قتل السادات علي أيدي الأصوليين المتهم هو نفسه بتنمية تياراتهم (لإيقاف انتشار الفكر الناصري واليساري بين الشباب المصري). وقد قتله الأصوليون الإسلاميون لعقده (معاهدة سلام). وهو نفسه ما حدث في إسرائيل حيث قتل إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل علي يدي الأصوليين اليهود للسبب نفسه. وبعض السلفيين في عهد مبارك تم توظيفهم من قبل جهاز أمن الدولة، لأغراض جميعها (تصب) لصالح نظام مبارك. وخلق صراع في المجتمع المصري. ولذلك فإن التعامل مع السلفيين بطريقة (الصلح العرفي) والعهد مع الأقباط أمر غير مقبول، فنحن لن نحاسبهم (أي السلفيين) علي أفكارهم ولكن يجب أن يعاقبوا علي أفعالهم عندما تتحول لجرائم وفقاً للقانون. ويجب تطبيق المواطنة بالقانون. السلفيون ضد الإسلام ! يؤكد الكاتب صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة أن مصر دولة قانون وأن السلفيين إذا أرادوا ممارسة السياسة فعليهم الاعتراف أولا بالقانون وعليهم الاعتراف بالأقباط كجزء من المجتمع المصري لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ولا يتم التعامل معهم (كأهل ذمة) فقط بمعني أنهم يشاركون الآن في الدفاع عن الوطن، ولذلك لا يجوز لهم (دفع الجزية) كما كان من قبل وهذا أيضاً طبقاً للقانون. وطبقاً للإسلام فإن الأفعال التي صدرت منهم ضد الأقباط بدعوي تغيير المنكر باليد، فالإسلام الصحيح فوض ذلك إلي سلطة ولي الأمر، أي القانون، وأما ما حدث خلال الأسابيع الماضية من حوادث فهو ضد الإسلام ، ويجب مناهضة ذلك من خلال حملة تنويرية لنشر ثقافة الإسلام المعتدل ونشر ثقافة الدولة المدنية المعتمدة علي ممارسة القانون، والالتفاف حول الأحزاب حتي نقضي علي شبح أي حرب أهلية أو طائفية.
الدولة المدنية تعرف علي أنها اتحاد من أفراد يعيشون في مجتمع يخضع لنظام من القوانين، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل. فمن الشروط الأساسية في قيام الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فثمة دائما سلطة عليا - هي سلطة الدولة - يلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. هذه السلطة هي التي تطبق القانون وتحفظ الحقوق لكل الأطراف، وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم. ومن ثم فإنها تجعل من القانون أداة تقف فوق الأفراد جميعا.