كان من المفترض عرض مسرحية « البيت النفادي» منذ 3 سنوات تقريبا لكن لظروف ما تم تأجيلها وكنت أتوقع أن صناعها سيستغلون ثورة 25 يناير ليصبغوا العرض بصبغة حدث راهن لايشغلنا سواه وعندما شاهدت المسرحية الأسبوع الماضي في يوم ممطر وجدت نفسي أمام عرض ممتع يقدم فيه نماذج حية بكل متناقضاتها بأحد الأحياء الشعبية يقدم فيه كريم مغاوري تجربته المسرحية الأولي في قاعة عرض صغيرة «يوسف إدريس» بمسرح السلام وهي لا تتسع لأكثر من 60 كرسياً ومن خلالها أظهر أن لديه فكراً ورؤية فنية جيدة وظهر ذلك في مزج وتفاعل دور المحقق أحمد عثمان الذي يحقق في جريمة قتل متهم بها 9 شخصيات لكل منهم حالة خاصة، وكان هناك اقتراح من المؤلف أن يكون لشخصية المحقق ركن خاص بقاعة العرض إلا أن المخرج حسم الأمر بتفاعل المحقق مع الأبطال، التحدي الثاني لمخرج العرض من وجهة نظري هو إدارته ل 9 أبطال.. كل منهم يمثل حالة خاصة جداً في قاعة عرض صغيرة لذلك استخدم أكثر من مخرج للأبطال أثناء تأدية أدوارهم. «عالم الأضرحة والأولياء» هي الفكرة التي التقي فيها كل من المؤلف محمد محروس والمخرج كريم مغاوري ومن خلالها أكدوا علي أن الفقر والجهل والقهر هوالمناخ الطبيعي الذي ينمو فيه كل ما هو فاسد وسلبي من إرهاب وفساد وتجارة مخدرات واغتصاب أطفال واستخدام البعض للدين كمظلة للخروج علي القانون، في البيت النفادي شاهدنا 9 شخصيات كل منها يمثل حالة لواقع موجود لا يمكن إنكاره.. الأول هو محمد مبروك «الحاج علي النفادي» عضو مجلس الشعب الذي يرتدي عباءة الدين ويستغل سلطته في تجارة المخدرات مستغلا ضريح جده في تجارته المشبوهة وإقامة علاقات نسائية، أما زوجته سامية فوزي فهي تعمل ضمن منظومة حقوق الإنسان وتستغل منصبها في جمع التبرعات وترد علي خيانة زوجها لها بإقامة علاقة مع أحد أعوانه في تجارة المخدرات وهو هنداوي، الجاهل «محمد درويش داخل ضريح الجد الذي يستخدمه هنداوي» أيضا كمخزن للتجارة المشبوهة وكمكان لاغتصاب أحد أطفال الحارة وتمكن درويش من أدواته كممثل جعلني أصدق أنني أمام بلطجي محترف إجرام، سيد «فادي يسري» الذي تجبره الظروف للتسول ثم فتحي أحمد مجدي ذلك الممثل الموهوب الذي ارتدي شخصية المتطرف دينيا الرافض لحبيبته بعد تحوله لشخصية مهزوزة نتيجة تعذيبه في سجن «جوانتانامو» وانتهاك رجولته وبعد محاولات فاشلة من حبيبته مروة البحراوي لاستعادته تختار أموال الشيخ «علي النفادي» حتي إذا كان الثمن هو النيل من سمعتها، أما البنت العفريتة الموهوبة لقاء الصيرفي التي لعبت دور الأخت الصغري لمروي البحراوي التي تسعي زوجة الحاج «علي النفادي» لاستقطابها وإغرائها بالعيشة الرغدة معها لتعويض حلم الأمومة فقد لعبت دورها بتلقائية لفتت الانتباه وقد سبق لي مشاهدتها في أدوار صغيرة ببعض المسلسلات لكنني لم أكن أتوقع تألقها بهذا الشكل علي المسرح أيضا. ثم براعة سمر عبدالوهاب في دور الأم الملكومة في وفاة ابنها بحرب الخليج والتي يحاربها الحاج «علي النفادي» في قوت يومها الذي تجنيه من بيع الخضروات، جميع هذه الشخصيات متورطون في جريمة قتل بالخطأ وكان من المفترض قتل إحدي هذه الشخصيات لكن يتم قتل شخص آخر بطريق الخطأ، نحن «في البيت النفادي» أمام شخصيات مرتبكة نفسيا لديها دوافع لارتكاب الجريمة ويحاول المحقق أحمد عثمان، وهو بمثابة صوت الضمير لكل شخصية في كشف لغز الجريمة. وأخيراً: تحية لمدير مسرح الشباب شادي سرور الذي تحمس لمؤلف شاب موهوب قدم بعض التجارب بالمسرح المستقل وللمخرج كريم ابن الفنان سامي مغاوري الذي يقدم تجربته المسرحية الأولي وبنجاح شهد عليه 30 ليلة عرض حتي اليوم. لذلك نتمني أن تكون مسرحية «البيت النفادي» هي البداية الحقيقية لتقديم عروض مسرحية جيدة يحمل توقيعها مجموعة من الشباب الواعد الموهوب.