تُعرَّف الدبلوماسية الثقافية بأنها استخدام الثقافة والتراث والفنون والتعليم كوسائل لتعزيز التفاهم المتبادل والتقارب بين الشعوب. وهى شكل من أشكال القوة الناعمة التى لا تعتمد على السياسة أو المصالح الاقتصادية المباشرة، بل على الحوار الثقافى والتفاعل الإنسانى، من أجل بناء صورة إيجابية عن الدولة وتوطيد علاقاتها الدولية. ومن هنا، فإن الدبلوماسية الثقافية لا تقتصر على الحكومات والمؤسسات، بل تُمارس أيضًا من خلال الأفراد والجماهير الذين يعبرون عن ثقافتهم وسلوكهم وقيمهم أمام العالم. ومن هذا المنطلق أيضا تُعد السياحة أحد أهم ميادين تطبيق الدبلوماسية الثقافية فى العصر الحديث، إذ تمثل التجسيد العملى للتبادل الثقافى بين الشعوب. فمن خلال الزيارات للمواقع الأثرية والمتاحف والمهرجانات، يتعرف الزائر على هوية المجتمع وتاريخه، ويمارس تقاليده الشعبية ويتناول أطعمته التقليدية بينما يقدم البلد المضيف نموذجًا لكرم الضيافة واحترام التنوع الثقافى. وعندما تكون السياحة قائمة على الوعى والاحترام المتبادل، فإنها تتحول إلى جسر حضارى يربط الماضى بالحاضر، والوطنى بالعالمي. ولذا فإن الجمهور سواء أكان سائحًا أجنبيًا أو زائرًا محليًا – يلعب دورًا محوريًا فى نجاح الدبلوماسية الثقافية، فهو الوجه الحى لحضارته، وصورته وسلوكه داخل المواقع الأثرية والمتاحف تعكسان للعالم مدى احترام المجتمع لتراثه وللثقافة الإنسانية عامة. كل تصرف بسيط، مثل الحفاظ على النظافة أو احترام الهدوء أو الامتناع عن لمس الآثار، هو رسالة غير مباشرة للعالم تعبّر عن وعى الشعب واحترامه لذاته وتحضّ على احترام تاريخه. فمن المتطلبات الحديثة للسائح عند قدومه لدولة الزيارة أن يتفاعل مع السكان المحليين، لا يكتفى بمشاهدة آثار الحجر، بل يختبر ثقافة الإنسان التى أنتجت تلك الحضارة. فابتسامة المرشد، أو لباقة تعامل البائع، أو اهتمام المجتمع بحماية تراثه، كلها عناصر تصنع انطباعًا دائمًا لدى الزائر، وتؤسس لحوار ثقافى غير معلن، وهكذا، تتحول الزيارة إلى تجربة دبلوماسية ناعمة، تمارسها الشعوب بأفعالها اليومية دون حاجة إلى خطاب رسمي. ولذا فإن المؤسسات الثقافية والسياحية مطالبة بتعزيز هذا الدور عبر برامج توعية وتدريب تشجع الزوار على الفهم والمشاركة فى صون التراث. كما أن كل فرد عليه مسئولية وواجب تجاه تراثه وتجاه صورته أمام العالم وأمام نفسه من حيث حسن الظهور بالمظهر المناسب الواعى والمدرك لقيمة هذا التراث وقيمة ما يقدمه من خير وفائدة للبلاد والعباد ليصبح جزءًا من شبكة دبلوماسية ثقافية شعبية تصنعها القيم أكثر مما تصنعها القرارات. وحينما يتفاعل الزائر مع هذه الرسائل ويمارسها، يتحول من متفرج إلى سفير للهوية، ينقل صورة إيجابية عن البلد من خلال رؤيته وتجربته الشخصية. إن تحقيق الاستدامة فى السياحة لم يعد أمرًا ثانويًا، بل هو مطلب أساسى وعاجل فهو أسرع الطرق التى تؤدى إلى ترسيخ ثقافة تُوازن بين المتعة والمعرفة، بين الحاضر والمستقبل. فوعى الجمهور بأهمية الحفاظ على التراث، واحترامه لقواعد الزيارة، ومشاركته فى حماية المواقع الأثرية، كل ذلك يشكل استثمارًا ثقافيًا طويل المدى. إنه تعبير عن دبلوماسية تقوم على الفعل والمسئولية، لا على الشعارات.