فقدت الرياضة المصرية بطلاً مميزًا من أبطالها وكبارها وبسطائها.. أصحاب الإنجازات، الملاكم الأوليمبى والعالمى عبدالمنعم الجندى «عامل المطبعة» الذى حصل بإنجازاته وميدالياته على لقب أحسن ملاكم فى تاريخ مصر والوطن العربى. رحل بهدوء الأبطال تاركًا وراءه تاريخًا بطوليًا لا يُنسى جراء حصوله على الميدالية البرونزية لمصر فى دورة الألعاب الأوليمبية بروما 1960,. وخمس بطولات للعالم.. العسكرى.. «الهواة» وحصد الذهب المتوسطى والأفريقى والعربى.. وعلى مدار سبع سنوات معتليًا صدارة «حلقة الملاكمة» فى كل أركان المعمورة أدى الجندى 261 لقاء لم ينهزم سوى فى ثلاثة لقاءات فقط.. وراح قفازه يطيح بالخصوم فى كل اتجاه.. حتى ترك الحلبة وهو بطل. إن قصة الجندى تستحق الوقوف أمامها ودراستها والاستفادة منها حول تاريخ عامل مطبعة بدأ حياته يتيمًا بأجر عشرة قروش يومية فى إحدى مطابع حى المنشية الشعبى منتصف الأربعينيات وهو فى العاشرة من عمره.. حيث إنه مواليد 1 ديسمبر 1936 بنفس الحى لأسرة غاية فى البساطة والفقر.. فعمل بديلاً لوالده المتوفى فى ذات المطبعة لأجل مساعدة أسرته والعيش بشرف.. وواصل مشواره مع القروش العشرة.. والكد فى المطبعة.. حتى بداية الخمسينيات وكانت الإسكندرية تهتز وتعزف وترقص لإنجازات أبنائها شمس وفياض ومصباح وصيف أبطال «الحديد» فى أوليمبياد برلين 36 ولندن 48,. وراح صبية الثغر.. وأشبالها يقتفون أثر هؤلاء الكبار وضمنهم الجندى الذى داعب «بار الحديد» ولكن لم ير نفسه فيه.. فاتجه بعد أسابيع للمصارعة.. ولم يفلح أيضًا.. فكانت الملاكمة هى علامة الجذب.. والموطن.. وبعد شهور لفت أنظار المتابعين للعبة وتم قيده فى نادى الأوليمبى.. والتقطته العين الخبيرة للمدرب غريب عفيفى.. وقدمه لإبراهيم الجوينى سكرتير عام الاتحاد الرياضى للقوات البحرية.. الذى على الفور قام بتعيينه فى مطبعة الاتحاد ب36 قرشًا يوميًا لأجل إعانة الأسرة البسيطة.. ودون الحصول على تفرغ رياضى وراحت يد الجندى تداعب المطبعة.. وتحصد البطولات.. حتى لعب باسم القوات المسلحة المصرية فى خمس بطولات للعالم حقق لقبها جميعًا ما بين الفوز بالنقاط.. أو الضربة القاضية.. ثم كان الانتصار الأكبر بإحراز الميدالية البرونزية فى أولمبياد روما 1960 كأول وآخر ميدالية لمصر فى الملاكمة بالقرن العشرين.. وكانت الميدالية الوحيدة للبعثة المصرية فى تلك الأولمبياد 60، وبعد العودة قام الفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية بترقيته إلى رتبة ملازم شرف وكرمه الرئيس عبدالناصر بمنحه وسام الدولة من الطبقة الأولى تقديرًا لإنجازه ورفع العلم المصرى فى واحدة من أشرف ساحات التنافس.. الأولمبياد. فى عام 65 حصل على لقب بطل أفريقيا.. وأحسن لاعب ثم أعلن اعتزاله صعود الحلبة وهو فى القمة.. واتجه للتدريب قليلاً بنادى الأوليمبى والاتحاد الرياضى للقوات المسلحة وعاش بهدوء مؤديًا دوره فى الحياة وفى المطبعة بالقوات البحرية حتى ترقى ووصل لرتبة رائد شرف، ولم ينل سوى التكريم المعنوى لمحبى هواة الملاكمة.. قاصًا لهم بعض ذكرياته ومتحدثًا بنفس البساطة عن بطولاته.. حتى وافته المنية ظهر الخميس الماضى عن 75 عامًا.. تاركًا خلفه قدرًا من الإنجازات والميداليات ما يضعه فى برواز التألق كواحد من أحسن الشخصيات والأبطال الرياضيين فى تاريخ مصر.. رغم أنه طوال عمره لم يتخل عن مهنته.. «كمطبعجى».