واحد من المعارض التشكيلية المهمة التى عُرضت مؤخرًا كان المعرض الاستعادى للفنان التشكيلى الكبير ابن الإسكندرية مدحت نصر 75 عامًا بجاليرى ياسين آرت جاليرى بالزمالك، وقد تزيَّن المعرض بعشرات الأعمال التى عبرت عن عالم مدحت نصر، وقدرته على الإبداع بشكل أصيل، وقد مثلت الأعمال المعروضة عالمًا فنيًا ثريًا يعتمد على الجرأة الفنية . فى بعض أعمال المعرض يعود الفنان لفكرة النوافذ التى يقدمها كمسطحات حرة ملونة تستقبله شخوصه الطفولية أو خطوطه المتعرجة السميكة أو تراكيبه التصميمية الخطية التى تحتل بعض مسطحات اللون أو تتحرك خارجها لتكمل حوارًا متزنًا بين الخطى واللونى، وفى مجموعة أخرى يقدم الفنان أبنية من قصاصات الورق المصنع يدويًا وعجينة الورق التى زرع فيها الأوراق المفضضة والخيوط التى بدت كخطوط بارزة غير منتظمة، والمجموعة الثالثة من أعمال المعرض تستطيع كما تقول د.أمل نصر الأستاذة بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية والناقدة الفنية أن تطلق عليها مشاهد صغيرة حيث يتكرر فيها وجود الخطوط الأفقية المتتالية التى قد تمثل طرقًا أو حقولًا وكذلك بعض العمائر والنباتات المتناثرة وبعض الطيور يقدم الفنان من خلالها استخلاصًا مجردًا لبعض مفردات الطبيعة مرسومة بالأسود خطوطًا أو مساحات، ويضفر مع هذه المفردات قطع النسيج أو الأقمشة التى طبع عليها يدويًا مفردات نباتية. وترى د.أمل - فى تقديمها لأعمال المعرض- أن الفنان مدحت نصر واصل عطاءه التجريبى فى فن الطبعة الفنية؛ إذ يستمر مخلصًا لهذا الفن متجاوزًا حدود الطبعة التقليدية؛ حيث تداخل الفنان عبر رحلته الإبداعية مع العديد من الاتجاهات الفنية المعاصرة، مستمتعًا بكشوفه الجاذبة ليقدم الآن تجربته الجديدة التى يجمع فيها بين تقنيات طباعة الشاشة الحريرية وطباعة البقع اللونية، والطبعة الواحدة، ويعد هذا المعرض استيعاديًا للفنان ليس بمعنى أنه يجمع نماذج لمراحل مختلفة من أعماله، ولكن بمعنى أنه يستدعى تقنياته الخاصة وخبراته المتزايدة على مدار تجربته الفنية مضيفاً إليها ما هو جديد. وأضافت إن المعرض يمثل رسالة تنبيه لغياب حضور فن الطبعة الفنية فى المشهد التشكيلى المصرى، ويعرض الاحتمالات الواسعة التى يمكن أن يضيفها الفنان الواعى لهذا الفن بعيدًا عن مفهوم الاستنساخ، مما يؤكد صلاحية فن الطبعة الفنية لاعتراك فكرة المعاصرة إذا ما تلقفه فكر فنان مبدع. فى حين قال الفنان التشكيلى الكبير د.رضا عبدالسلام إن الفنان مدحت نصر له إنتاج غزير ومتنوع فى تقنية الأسطح الطباعية المختلفة مثل (الجلد، الخشب، الزنك ،الحجر، وكذلك الاستنساخ الرقمى، والفوتومونتاج والمونوبرنت والشاشة الحريرية) هذا فيما يتعلق بمجال التخصص، لكن شغفه فى إنتاج أعمال فنية فريدة وجذابة لا يغيب عنه، فالرسم والتصوير والتصميم يغلب عليها جميعًا نزعة التجريب، والكشف عن مفردات بصرية تساير موجات الحداثة وما بعدها. ويرى أن المعروض من الأعمال للفنان المفتون بالتجريب توضح بجلاء الفكر الواعى فى صياغة تكويناته وتصاميمه التجريدية الباعثة على الدهشة والمسرة والشجن فى بعض الأحيان، ففى الوقت الذى يرسم ويلون وينسخ على الورق والقماش مستخدمًا مهاراته التقنية وأسلوبه العفوى المرتجل نجد أن هذا وذاك يتضمن أفكارًا وأحداثًا وفانتازيات لها من المعانى والدلالات الكثير من المرح والبهجة والحزن، ويمكننا أن نتلمس ذلك بتتبع مسار تجربته الفنية والإبداعية منذ السبعينيات وحتى الألفية الثالثة وتأملها جيدا لنستوضح الفارق النسبى بين التصاميم العقلانية المجردة التى تعتمد التشكيل بحساباته وتعقيداته، وممارسة اللعب بروح الطفولة لمعالجة أحداث درامية. ويقول عبدالسلام إنه إلى جانب ما قدمه الفنان مدحت نصر من جديد وحديث الأعمال الفنية يبقى أثر الأعمال الجرافيكية بتقنياتها المتنوعة من شاشة حريرية وخشب وجلد وحجر وغيره موجودًا بمذاقه وجماله فى الذاكرة البصرية والوجدانية، لتذكرنا دائما بما آل إليه حال الأعمال الجرافيكية المصرية الرائعة.. تلك التى تخلى عنها غالبية فنانى الجرافيك فى مصر لعدم أهميتها فى سوق الفن. يذكر أن الفنان مدحت نصر من مواليد الإسكندرية يناير 1948، حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة 1971 وماجستير الفنون الجميلة سنة 1976 ودكتوراه الفلسفة فى التصميم المطبوع 1983، وشارك فى الكثير من المعارض الدولية، وحصل على جوائز بينالى الإسكندرية الدولي - جوائز المعرض العام - الجائزة الأولى فى الحفر فى مسابقة مصر فى عيون الفنانين. 1 2