اخترع المصرى القديم التاريخ فى سبتمبر، وكان شهر سبتمبر هو بداية لأقدم تقويم سنوى عرفه التاريخ، حيث تمر على سبتمبر هذا العام السنة المصرية رقم 6265، على بداية أول التقاويم التى عرفتها البشرية. التقويم المصرى السنوى هو نظام حسابى وضعه المصريون القدماء، تم فيه تقسيم السنة إلى 13 شهرًا، جرت فيه الحسابات وفقًا لدوران الشمس، أى اعتمادًا على «دورة الشمس». والتقويم المصرى القديم، يعتبر أول وأدق تقويم عرفه العالم، ويطلق عليه «التقويم الشمسى»، وما زال يعتمد المزارعون عليه حتى الآن فى تحديد المواسم الزراعية للمحاصيل المختلفة، رغم التغيرات المناخية. المعنى أنه حتى تقويم المصريين السنوى قاوم هو الآخر الزمن فاستمر على ما بدأ به رغم التغيرات المناخية.
تحوت
نقطة إيزيس تحدث الدكتور مجدى شاكر، الخبير الأثرى، عن أكبر وأقدم حضارة عرفها العالم، والتى سجلت على جدران المعابد، وأوراق البردى، والمسلات، والمقابر الملكية، وهى الحضارة المصرية القديمة «الفرعونية»، التى ارتبط تقويمها بالسماء والنيل، حيث تختفى نجمة «سبدت» 70 يومًا، وتلمع فى السماء قبل شروق الشمس ب 10 دقائق، وعندما تظهر الشمس تحترق. وفى ذلك الوقت يبدأ حلول فيضان النيل مع شروق الشمس، والذى يبدأ من شهر يوليو ويستمر حتى أوائل سبتمبر، وأطلقوا على يوم بداية الفيضان عيد «نقطة إيزيس»، حيث اعتقد المصريون أن النيل ينبع نتيجة بكاء إيزيس على زوجها أوزوريس. وسرد الخبير الأثرى 3 تقويمات اعتمد عليها قدماء المصريون، قائلًا: «هناك التقويم «النيلى»، وهو «فصل الفيضان، وبذر البذور، وفصل الحصاد»، ويضم كلا منها 4 أشهر تتزامن مع ارتفاع منسوب مياه نهر النيل وانخفاضه». وهناك التقويم «القمرى» والخاص بكهنة المعابد، والذى ينظمون فيه المناسبات الدينية. والثالث هو «الشمسى»، وفيه قسموا السنة إلى 360 يومًا، وآخر 5 أيام أطلقوا عليها شهر «النسىء»، وكان خاصًا بالاحتفالات والأعياد. ويعتبر هذا التقويم أدق التقاويم التى يعتمد عليها حتى الآن، من حيث الظروف المناخية والزراعية خلال العام.
وقال شاكر إنه فى القرن الثالث قبل الميلاد، لم يستطع الملك «بطليموس الثالث» تغيير التقويم المصرى القديم، رغم إصداره قرار «كانوب» توجد نسخته فى المتحف المصرى، حيث كان فى عهد «يوليوس قيصر»، أن أشار أحد المصريين بإضافة يوم فى السنة، لملاحظتهم تغير يوم حلول الفيضان، ولذلك أصبح شهر يوليو 31 يومًا، وسار على خطاه الإمبراطور أغسطس، الذى جعل شهر 5 أيضًا 31 يومًا. ولكن أقباط مصر حافظوا على أن يستمر على التقويم المصرى القديم، وأخذوا من حادثة الشهداء فى عصر الإمبراطور «دقلديانوس» بداية لما سمى بالتقويم القبطى. وأوضح شاكر: واستمرت أسماء الشهور المصرية القديمة ال13، والتى تبدأ بشهر «توت» نسبة إلى المعبود «تحت» إله العلم والحكمة والموازين فى مصر القديمة، وتنتهى بشهر «مسرى». وأشار إلى أن الريف المصرى ما زال يتبع نفس هذا التقويم للآن، الذى يظهر صداه فى أمثالنا الشعبية، فيقولون مثلًا على «توت» قول للحر موت، و«طوبة» يخلى الشابة كركوبة، و«هاتور» أبو الدهب منثور، و«أمشير» أبو الزعابيب.
النجم الشمسى من جانبها قالت الدكتورة منى زهير، أستاذ الآثار والحضارات القديمة بجامعة القاهرة: إن ما يسمى بالتقويم النجمى القديم هو مزيج بين التقويمين الشمسى والقمرى، والحضارة المصرية القديمة هى الوحيدة التى توصلت للتقويم «النجم شمسى»، قبل عهد الملك «زوسر» فى الأسرة الثالثة. وتضيف: «لاحظ المصريون القدماء مزامنة السنة النيلية مع الدورة السنوية لنجم ثابت، يشرق بوضوح مع بدء حلول الفيضان لمدينة منف، وقبل شروق الشمس مرة كل عام، أطلقوا عليه اسم «سبدت»، وهو نجم «الشعرى اليمانية»، وتعادل دورة هذا النجم تقريبًا دورة الشمس فى عام، وصوره قدماء المصريين على أنه من صور «إيزيس»، وهذا هو التقويم الذى يطلق عليه فى وقتنا المعاصر «اليوليانى». وأشارت زهير إلى أقدم «فلك بروج» كان التقويم المصرى القديم المرسوم على سقف مقبرة «سنن موت» من عصر الأسرة ال18، ثم مقبرة «ستى الأول» فى وادى الملوك عصر الأسرة ال19. قائلة: إن التقويم المرسوم على مقصورة «أوزير الثانية» فى معبد «دندرة»، يرجع للعصور البطلمية الرومانية اليونانية، وهو تقويم مصرى قديم مدمج، ونجد فيه الكواكب الخمسة عند الفراعنة، وهو التقويم المرتبط بفيضان النيل، الذى يعتمد عليه المزارعون حتى الآن فى تحديد أوقات زراعة المحاصيل المختلفة.
وحسب زهير، يبدأ الرى مع سقوط أول قطرة ماء من السماء، حيث اعتماد المصريون منذ عصورهم الأولى على فيضان النيل، وقسموا السنة النيلية إلى 3 فصول، يحتوى كل فصل على 4 شهور، مقسمة إلى فترات زمنية عشرية، وهو ما يعرف ب«التقويم العشرى» أى أن الأسبوع 10 أيام، أما عن آخر 5 أيام فى السنة، وهى ما اعتبرها المصريون الأيام التى ولد فيها الآلهة ال 5: «إيزيس، وأوزوريس، وست، ونفتيس، وحورس». وأكدت زهير أنه من الصعب تحديد متى استطاع المصرى القديم معرفة قيمة حساب السنة، ولكنه جعل بدء الفيضان أول العام الجديد. وقالت زهير: «كان أول الشهور «تحوت»، وأطلقوا على أصغر وحدة زمنية لليوم اسم «ألت» أى اللحظة، وإلى الآن لم يعرف المدى الزمنى لها، وكان ذلك قبل عصر الأسرة الأولى. أضافت زهير: ونظرًا لتكوين السنة المصرية القديمة من 365 يومًا فقط، لاحظوا تأخر بدء الفيضان عن موعده المحدد، حيث تحول بمرور الزمن من شهر تحوت إلى «بى ثب وت» وهو شهر «بابة»، ولذلك تم زيادة ربع اليوم فى عصر البطالمة ليصبح العام 365 يومًا وربع».
وأشارت إلى أن قدماء المصريين رمزوا إلى كل شهر باسم معبود، مثل شهر «تحوت» نسبة إلى إله الحكمة، و«مسرى» أى «مس رع» بمعنى مولد رع إله الشمس، «برأم حات» أى الخروج إلى الحقل، ويعنى نضج المحاصيل وبداية الحصاد، وشهر «با أونيت» وهو إله المعادن ويسمى أيضًا ب «بؤونة الحجر»، وهكذا إلى آخر الشهور المعروفة عند المزارعين. وأوضحت زهير أن عام 4241 قبل الميلاد، كان افتراضيًا لبداية التقويم المصرى، حيث أخذ وزير الملك «زوسر» لقب فلكى وهو «كبير الرائين أو المتطلعين» إلى السماء، وأخذ كلامه على أنه وثيقة يمكن الاعتماد عليها، إضافة إلى أن هناك دلائل أخرى مثل عصور ما قبل التاريخ، فهناك مرصد فلكى فى «نبتا بلاى» بجنوب مصر، وتعود مدته الزمنية لنحو 7000 عام قبل الميلاد، وهو مرصد لحركة الشمس. الشمسية «الزراعية» من جانبه قال الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز تغير المناخ: إن التقويم المصرى القديم اعتمد على دورة الشمس خلال العام، وهو تقويم خاص بمصر فقط، وهو أقرب للتقويم القبطى «عصر الشهداء»، ونجد ذلك فى ارتباط بعض أعياد الأقباط بتلك الشهور، حيث تحتفل الكنيسة المصرية فى 11 سبتمبر، ويتناول الأقباط «البلح والجوافة» فيرمز لون البلح لدماء الشهداء، أما بذور ثمرة الجوافة فهى دليل على كثرة عددهم. وأكد فهيم، على اعتماد المزارعين على التقويم المصرى فى تحديد بداية ونهاية العروات الزراعية، وأنواع المحاصيل، بحسب الظروف المناخية وموسم الزراعة، لارتباط أسماء تلك الشهور بالمناخ، حيث تبدأ السنة بشهر «توت» بداية من 11 سبتمبر وحتى 10 أكتوبر، يليه «بابة» ثم «هاتور»، وهذا هو شهر زراعة القمح، ولذلك فهو مميز عند المصريين، لأنه من أهم المحاصيل الزراعية. وأكد فهيم أن جدول المواعيد المناخية، لم يختلف كثيرًا عن المواعيد الزراعية المتعارف عليها، مشيرًا إلى أن محصول القطن هو الوحيد الذى تتغير مواعيد زراعته فى مصر، فكان يزرع فى 15 فبراير إلى 15 مارس، أى شهر «أمشير»، ولكن الآن يزرع فى شهر «بشنس» مايو أو فى «بؤونة» يونيو.
وتابع رئيس مركز تغير المناخ: إن المسمى الأقرب للتقويم المصرى القديم، هى الأشهر القبطية، والتى ما زال يستخدمها الفلاح المصرى، والتى تشير الأمثلة الشعبية المرتبطة بتلك الشهور بين المصريين إلى دلالات خصائص المناخ فى الفترة الزمنية ومواصفاته، فمثلا يتميز «أمشير» بالبرد والرياح، و«برمهات» بنضج المحصول، و«برمودة» بدق سنابل القمح بعد نضجها، و«طوبة يخلى الصبية عرقوبة» من شدة البرودة، و«بشنس يكنس الأرض كنس» فى دلالة على جمع وحصاد المحصول شهر مايو، «أبيب أبو اللهيب» لشدة الحرارة، «بابة خش واقفل البوابة» وهو بداية برودة الجو، و«برمهات روح الغيط وهات» وهو جمع المحاصيل من الحقول فى شهر أبريل.