شهدت الأوساط الثقافية خلال الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة اسمها «الورش التعليمية» للتأهيل لإتقان الفنون الإبداعية كالكتابة والتمثيل والسيناريو. بعض هذه الورش معتبر، وبعضها الآخر مجرد «أكشاك ثقافية» يؤسسها غير متخصصين وأحيانًا مغمورون للتربح واستغلال شغف الشباب. ظاهرة الأكشاك الثقافية تتجلى هنا فيما يسمى بالكيانات الأدبية التى يؤسسها شباب تتراوح أعمارهم بين 25 سنة، والتى يقيمون من خلالها الورش الكتابية. أحد الكيانات أسسته فتاة عشرينية بهدف نشر كتاباتها وكتابات أصدقائها وأقاربها لتصدر أعمالًا من هذا الكيان تحمل عناوين مثل: أنين حرف، صرخة قلم .. وغيرهما. يلجأ هذا الكيان لتكريم الكتَّاب الذين يصدرون كتبهم من خلاله، وتنظيم حفلات توقيع وتوزيع شهادات التكريم، حيث يمكن لمن يرغب بالمشاركة فى كتاب مجمع فإن سعر الخاطرة أو القصيدة 10 جنيهات على ألا تزيد أى منهما عن 160 كلمة، ويحصل من يشارك بعدد 5 خواطر أو قصائد نسخة مجانية وحوار صحفى وتكريم، وفى حالة المشاركة بما يزيد على 15 خاطرة يمنح الكاتب نسخة مجانية وميدالية وحوار صحفي. قالت الكاتبة نورا ناجى ل «صباح الخير» إن أصحاب هذه الكيانات يداعبون حلم الشباب فى أن يصبحون كُتابًا، وأن يجدوا أسماءهم أو قصصهم موجودة ومنشورة ورقيًا. وتتابع: «كثيرون من الشباب فى مقتبل العمر يكونون ممتلئين بالحماس ولديهم الاستعداد للإقدام على أى سلوك فى سبيل الأمنية، ولذلك يتم استغلالهم من صاحب الكيان الذى يقدم فيما بعد ورشة ويقدم نفسه بصفته صاحب كيان ويروج لنفسه بالخارج ويتربح من هذا الاسم وهذه الصفة». وترفض «نورا» ما تفعله هذه الكيانات إلا أنها تؤكد أنه لا يمكن منع هؤلاء لأنهم لا يجبرون أحدًا على الانضمام إليهم، موضحة أن الشباب أغلب الأحيان هم من يطلبون الانضمام لهذه الكيانات. وبينت الكاتبة نورا ناجى أنه رغم الموجة الكبيرة المضادة لهذه الكيانات، فإن هناك من لا يستجيبون تحت ضغط عدم قدرتهم على مقاومة حلم نشر أعمالهم. وتشير «نورا» إلى أن من يؤسسون مثل هذه الكيانات جزء من الوسط الثقافى، مطالبة دور النشر الكبرى بإتاحة فرص النشر أمام الشباب، لأن المفترض أن تهتم هذه الدور بالمحتوى وليس بالأسماء الكبيرة المشهورة لتنشر لها. ويرى عمرو العادلى أن الورش الأدبية لا تصنع أديبًا ولا تساعد فردًا بلا موهبة، وهو يرى من زاوية أخرى أن وجود غير الموهوبين فى هذه الورش مفيد لكى يعرفوا أن الكتابة شيء آخر غير تصوراتهم. ويقول الكاتب أحمد القرملاوى: الكتابة موهبة وفن مثل باقى الفنون كالرسم والغناء، فلماذا نقبل بتعلم الرسم والتدريب على الغناء ونرفض الأمر بالنسبة للكتابة؟ ويقول: «إذا كان الإنسان موهوبًا فما الضرر أن يتعلم الكتابة بشكل صحيح حتى يصبح محترفًا؟». ويوضح «العادلي» النوع الأول من المشتركين فى ورش الكتابة الإبداعية الموهوب وهو الذى يحتاج فقط لبعض المعلومات الصحيحة عن طرق وأساليب الكتابة مثل الفرق بين الضمائر واستخدامها وكذلك الفرق بين الأزمنة وتوظيفها أو تكنيك الكتابة ومدارسه أو الأسلوب والفروق بين الكتاب من المدرسة الفرنسية الجديدة فى كتابة الرواية فى منتصف الخمسينيات ومدرسة تيار الوعى التى بدأت فى نهايات القرن ال19. ويتابع «النوع الثانى وهو متأرجح بين موهبة متواضعة وبين هوية أدبية تائهة، وذلك هو النوع الأصعب فى التعامل لكنه أحيانًا وبعد مجهود كبير ربما يصبح كاتبًا له شأن ذلك لأنه يعتمد على مجهوده بشكل كبير». ويشير «العادلى» إلى النوع الثالث الذي يشارك فى ورش الكتابة الإبداعية، وهو ذلك الشخص الذى (دخل الموضوع غلط) ويحمل تصورات مشوهة وفاقد لاتجاهات أساسية عن الكتابة فهو يدخل الخواطر فى المسرحية فى الشعر فى الأقاصيص الجانبية. يضيف: هو فى الغالب لا يقرأ، وهذا النوع يقضى وقتًا لطيفًا فى الورش، يصنع غبارًا بأسئلة غير مترابطة يحاول من خلالها إثبات وجوده وبمجرد انتهاء الورشة لا حس له ولا خبر. وعن الورش الأدبية قال «العادلى» هى ليست دراسة لكنها دردشة مفيدة حول فكرة الكتابة، لها من يؤيدها ولها من يعارضها، لكنى لستُ من مؤيديها فى شكلها الحالى وأتمنى أن أطور من شكلها، وأضع لها منهجًا وامتحانًا، لأن الموضوع يتم التعامل معه أحيانًا باستهتار شديد كأنه فى رحلة نيلية، مع أن الموضوع أكبر وأغنى من هذه التصورات البسيطة عن الأدب. فى سياق متصل، هناك عدد من الكتّاب المبدعين يقيمون ورشًا أدبية بالمجان مثل الكاتب طارق إمام المتوج بالجوائز المحلية والإقليمية عن أعماله الأدبية، كانت له ورشة بالتنظيم مع إحدى دور النشر الكبرى الخاصة وضع فيها شروطًا لاختيار الراغبين فى الالتحاق بها كأن يرسل الراغب فى الاشتراك نموذجًا سرديًا بحد أقصى 1000 كلمة وألا يكون قد سبق له نشر كتاب من قبل. ومن ناحية المحتوى التعليمى كانت تشمل الورشة تدريس المناحى المختلفة للنوڤيلا (رواية قصيرة) تاريخيًا وجماليًا وفنيًا عبر ثلاثة محاور: الأول هو المحور النقدى النظرى والنقدى التطبيقى الذى يتيح تحليل عدد أبرز من النماذج فى هذا الفن عالميًا وعربيًا فى سياقاتها الثقافية والجمالية بالتوازى مع محور إبداعى يهدف لخلق مشاريع روائية خاصة بالمشاركين فى الورشة لإنجاز نوڤيلات قابلة للنشر. وقدم طارق إمام هذه الورشة بالكامل بالمجان، مؤكدًا أن الغرض من ورائها ليس ربحيًا أو تجاريًا إنما الرغبة الحقيقية فى مساعدة جيل الشباب وتقديم المعلومات الصحيحة لهم حول صناعة الكتابة وصناعتها. وبالكيفية نفسها، قام الروائى «إبراهيم فرغلى» صاحب رواية (وادى الدوم) الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ 2021 ورواية (خير الله الجبل) الحاصلة على جائزة ساويرس فرع شباب الأدباء 2016 بتقديم ورشة للكتابة الإبداعية مارس الماضى بالمجان وبحضور مجموعة من الشباب والكبار من مختلف المحافظات بإحدى المكتبات الشهيرة بمصر الجديدة . فى المقابل، هناك شباب فى العشرينيات من أعمارهم لم تنشر لهم أعمال وأحيانًا قليلاً من الأعمال ينظمون ورشًا أدبية بمبالغ مالية مبالغ فيها، فهناك مثلا من أعلن عن ورشة لكتابة المقال إبريل الماضى، فتهافت عليه العشرات من الشباب واليافعين للاشتراك ب4 آلاف جنيه للمشترك الواحد. وتظهر على فيسبوك صفحة (ورشة كتابة الرواية) وفى المنشور الترويجى لورشتهم كتبوا: إذا ترغبين فى جعل الكتابة مصدر دخل مناسب لكِ إذن مكانك عندنا! تظهر أيضًا ورشة أخرى شهيرة باسم التجربة، هذه الورشة تُعلم (الكل شىء) فى آنٍ واحد ففى الإعلان المنشور كتبوا: الدراسة فى الورشة فى الأجناس الأربعة: الرواية والقصة وفى المسرحية والسيناريو، وهذا كله فى 9 أيام فقط وتخرّج على أيديهم 7 دُفعات يضمون 74 كاتبًا وكاتبة. صاحب الورشة يقول: حتى الشخص الذى لا يمتلك موهبة الكتابة ستصنعها الورشة له، أسعار الورش تصل ل5000 جنيه. ونعود للكاتبة نورا ناجى التى قالت: الحل فى دور النشر المعتبرة بأن تقيم ورشًا مجانية، لأن الكتابة هى الموهبة المجانية المتاحة لكل الفئات والطبقات الاجتماعية والمادية، بدلاً من محاولات البعض التربح وبدلاً من تحويلها لهواية أرستقراطية مقصورة على طبقة معينة (معاها فلوس). وتوضح «نورا» أن أسعار الورش مبالغ فيها بشكل كبير، ولا يوجد الكثيرون ممن يمكنهم تحمل تكاليفها، وأنا أقول إذا أقمت ورشة يومًا ما ستكون بالمجان، لكن للأسف لا يوجد من سيوافق على هذا، أولاً: لا بُد من حجز المكان وخلافه، لذلك لا بُد أن تساعد دور النشر الكبيرة بورش مجانية، وأن يتم تعميم هذه السياسة مرة أو مرتين فى العام لاكتشاف أصحاب الموهبة الذين يستحقون فعلاً بدلًا من أن يكون الشباب عرضة للابتزاز الأدبى. وبخصوص ورش التمثيل، فيوضح «ي.أ» أن أغلب القائمين على ورش التمثيل المشهورة والتى تزج بالممثلين الجدد فى الأعمال الفنية غير دارسين ولا يعرفون أقل القليل عن هذه المهنة وللهروب من مصيدة التساؤلات عن ماهية المادة العلمية التى يدرسونها لمُلتحقى الورشة يتحججون بأنهم ليسوا المُعلمين أو المدربين وأنهم القائمون فقط على الورشة، بينما يقولون أنهم يستعينون بأسماء فنانين كبار.. وغالبًا لا يكون هذا صحيحًا. ويضيف: غرض المشتركين الأساسى أن يقوم صاحب الورشة بترشيحه فى أعمال فنية، أى أن غرضهم الرئيسى ليس التعلم إنما دخول الوسط الفنى بأى شكل، فإذا كان لصاحب الورشة علاقات ببعض المخرجين فإن الترشحات والاختيارات تقع على المقربين من صاحب الورشة. ويستكمل قائلاً: جاءنى أحد الأشخاص الذين التحقوا بواحدة من هذه الورش أثناء أحد عروضى بالمسرح، وحكى أنه دفع 10 آلاف جنيه فى ورشة مشهورة وبعد انتهاء مدتها لم يرشحه صاحب الورشة فى أى عمل وعندما استفسر عن الأمر أبلغه أن يحتاج لورشة أخرى بتكاليف إضافية. ويوضح المخرج الشاب «ألبير أنطون»: حاولت فى فيلمى القصير(الفنكوش) أن أُصور وأجسد مشاكل هذه الورش إذ نجد مثلا فى أحد المشاهد (قهوجى) يعلن عن ورشة ومكتب كاستينج مقابل 500 جنيه لاستمارة الاشتراك فى الورشة ويطلب منهم أن يأتوا أول الشهر لبدء الورشة، وعند قدومهم فى الميعاد يجدون لافتة على الورشة مكتوبة عليها (شقة للايجار) وجانبها سلة مهملات موضوع داخلها ورق الاستمارات ليكتشفوا العملية فى النهاية. الدكتور «محمد عبدالهادى» أول مؤسس لورش تدريب للممثل عبر عن استيائه من أوضاع ورش التمثيل قائلاً: كنت أول من أسس ورشة لتدريب الممثل منذ أكثر من عشرين عامًا ووفق منهج علمى، ولم أكن أعلم ما سيكون عليه الحال من ورش (بير السلم) يقوم عليها غير مؤهلين وبلا خبرات يستغلون أحلام الشباب الطامحين فى التمثيل. يضيف: وزاد الأمر بأن تحولت مكاتب الكاستينج لورش تدريب الممثلين بحجة إيجاد فرصة ذهبية للظهور أمام الكاميرا. 2 3 4