قال الدكتور حسن البيلاوى، أستاذ علم اجتماع التربية والأمين العام للمجلس العربى للطفولة والتنمية،ل«صباح الخير»: إن عدم ذهاب الأولاد إلى المَدرسة خطير على المجتمع، موضحًا أن المَدرسة هى التى تصنع الثقافة والمَدرسة هى وحدة الفعل التربوى وتعلم الأولاد القيم والنظام والاستقلالية والإنجاز. وأضاف رئيس لجنة قطاع الدراسات التربوية بالمجلس الأعلى للجامعات بمصر، إن الطفل يتشكل سلوكيًا ومعرفيًا داخل المَدرسة، فالتعليم هو الأساس، قائلاً: «مَن يتصدى إلى إصلاح التعليم عليه أن يعى طبيعة المَدرسة التى سيعمل على إصلاحها ويتعامل معها».
وتابع: بناء ثقافة جديدة حرب تخوضها الدولة بكل أجهزتها، لا شك أن ذلك يتطلب وجود الشباب الواعى القادر على الحفاظ على ما يتم اليوم من تنمية فى بلادنا، والمتحمس للارتقاء بمصرنا الحبيبة. مؤكدًا أن الميدان الأول لحسم الصراع مع أيديولوچية الفكر الظلامى الدينى هو التعليم.
مع المحررة
هل التقدم التكنولوچى وسهولة الوصول للمعلومات أثر بالسلب أمْ بالإيجاب على تربية أولادنا؟ - ليست هناك إجابة قاطعة بنعم أو لا، فقد أعطتنا وسائل الاتصال الرقمية فرصة كبيرة للتغلب على الصعاب فى فترة الكورونا التى تطلبت الانقطاع عن المَدارس، فهذه ميزة، فقد كان العالم سيواجه أزمة كبيرة لولا الطفرة فى وسائل الاتصال والتى تعد بمثابة نعمة سهلت التواصل عن بُعد، ولها تأثير إيجابى فى شتى النواحى الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، ولكنها انطوت أيضًا على مشكلات، وتمثلت السلبيات فى ظهور فجوة بين من يملك التكنولوچيا ومن لا يملكها، والأخطر إنها جعلت أى فرد قادرًا أن يبث ما يريد فاختلطت الحقائق بالتزييفات، وسهل انتشار الشائعات، وزادت حالات التنمُّر، وللأسف انساق الكثيرين وراء موضوعات وترندات السوشيال ميديا وانزلقوا لمستوى متدنٍ من الأخبار. ويجب العمل مع مختلف المنظمات العربية والدولية لردم هذه الفجوة ومواكبة التحولات التكنولوچية المتسارعة عالميًا. ظهرت طفرة فى التربية الحديثة من مدارس جديدة، ونظريات علمية فهل انعكس ذلك على سلوكيات أطفالنا للأفضل؟ - المجتمع ليس كتلة صمّاء وإنما شرائح، وطبقات وكل طبقة لها سمات، والمسألة نسبية، وهناك الثقافة المحيطة والتيار السائد بالمجتمع المتعارف عليه، وهو للأسف تيار متخلف بصورة واضحة، فأين حق الطفل؟! وهل الجميع متفق على شكل التربية؟ وأين هى حرية الطفل ومشاركته؟! هناك بالفعل وسائل تربوية جديدة ولكنها لم تؤدِّ نتائجها.. فهناك دراسة علمية قام بها المجلس العربى للطفولة، وتمّت بفريق كبير فى عَشر دول عربية منها مصر ولبنان حول أساليب التنشئة، وخلصت إلى أنها لا تزال تربية سُلطوية من قِبَل الأهل.. فعندما نزعوا الكاميرات وسألوا الآباء ما هو حق الطفل فى الاختيار؟ كان الجواب أن يختار البنطلون أو لون القميص، وهذه ليست مشاركة الطفل التى نصت عليها اتفاقية الطفل سنة 89، إننا نحتاج لنسق ثقافى مرتبط بطريقتنا فى التعاطى والتعامل مع بعض، ومع السوشيال ميديا ومع وأولادنا.
الطفل يتشكل معرفيا وسلوكيا داخل المدرسة
أين أخطاؤنا فى تربيتنا لأولادنا؟ - علماء التربية والفلاسفة الكبار كانوا يقولون عَلّم ابنك العطاءَ بالأفعال واصطحبهم أثناء زيارة مريض، فيتعلم منك، فبث مفاهيم الرحمة والعطف على الفقراء هى بمشاركته الفعل، وأن يكون له دور مسئول فى الأسرة ليس فقط اللعب.. كم من الأسَر الموسرة أخذت أطفالها لأحياء فقيرة؟ وعلمتهم أن لدينا مسئولية تجاههم؟ هذا ليس كلامى وليس اتجاهًا جديدًا؛ وإنما هو كلام چاك روسو من القرن التاسع عشر، ولكنْ تربية الطفل بلين وإعطاؤه حرية وهمية دون تدريبه على المشاركة برأيه وتهميشه كان خطأنا والنتيجة شاب بشخصية ضعيفة. هل أثر أسلوب الحياة السريعة الاستهلاكية على اختفاء القدوة؟ - الحل فى الوعى، فمعركة بناء الوعى معركة قوميّة لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب، فكر الإرهاب المتطرف الأصولى نحتاج لمقاومته نسقًا ثقافيًا، يقوده تحرك قومى. الرئيس السيسى يؤكد فى خطاباته على أهمية بناء الفكر لبناء الجمهورية الجديدة.. فإذا كان هذا اتجاه الدولة فما الذى يعوقنا؟ - بالفعل تكلم الرئيس أكثر من مَرّة عن بناء الفكر وإصلاح الخطاب الدينى، حققت مصر إنجازات تنموية غير مسبوقة، وعدو التنمية الثقافية هو نفسه العدو الإرهابى، ومحاربته بالتنمية الثقافة تتطلب نظام حوكمة، وتشريعات للتفاعل مع بعضنا البعض ومع أولادنا، وفى تعاطينا مع السوشيال ميديا، إنها حرب تخوضها مصر بكل أجهزة الدولة ونحتاج أن يعود الطلبة لمدارسهم بعد أن فقدت دورها للأسف، والذى يجب ألا يقل عن دور الأسرة. الإشباع العاطفى الذى تقوم به الأسرة لا تستطيع المَدرسة القيام به، والعكس صحيح؛ فتوجيهات المَدرسة وغرس القيم المنضبطة وتوجيه السلوك هو دور المَدرسة.. المشكلة تظهر فى إعلان الطالبة الحاصلة على المركز الأول فى الثانوية أنها أخذت دروسًا ولم تذهب للمَدرسة؛ وهى صرخة أطلقها الطلاب المتفوقون جميعًا دون أن يعوا.
عدم ذهاب الأولاد إلى المدرسة خطر
يجب أن يتم بناء الثقافة عن طريق عودة دور المَدرسة، فالطفل ليأخذ حقوقه فى التشكيل الثقافى. ويجب أن نساعد الرئيس فى إرساء الجمهوية الجديدة بنمط ثقافى جديد وهو ما يحتاج لتعبئة ثقافية اجتماعية ولتكاتف الجميع. أين المعلم والمربّى المؤهل لتدريس المناهج ونظم التعليم الحديثة؟ - لا يوجد نظام جيد للتعليم من دون تدريب القائمين عليه مَهما كان المنهج حديثًا ومتطورًا، فالنظام الجيد ليس فقط الكتب، المَدرسة نظام اجتماعى، مؤسّسة تتكون من أنشطة، ومعامل وحياة اجتماعية، وقاعات الفنون، والأهم مُدرس متفهم مستنير مفكر مُعَد جيدًا، لكن اختزال كل هذا فى الكتب وحفظها للنجاح لن يؤتى ثماره. وهذا يتطلب منا نسقًا ثقافيًا مغايرًا والعمل أمامنا كبير جدًا ومخرجات المَدرسة تقاس بالقيم التى زرعتها المَدرسة وبنمط الشخصية التى تتلمذت فى المَدرسة والقدرة على الانضباط الذاتى وحب الفنون وليس فقط حفظ المناهج، والمُدرسون فى كلية التربية ينطبق عليهم نفس ما قلناه عن المَدرسة، فالكليات المستنيرة تكافح.