منذ عدة سنوات، اتصل بى أخى من القاهرة وهو رجل أعمال، يستفسر عن عرض مغرٍ من أحد بنوك لندنوجده على بريده الإلكترونى، وعندما اطلعت عليه حذّرته من أن البنوك لا تقدم عروضا مالية، وأن وراء هذه الرسالة عملية نصب إلكترونى، وفخ يجب ألا يقع فيه.. فنجا منه. ومنذ أيام قليلة، اتصلت بنا من شيكاغو صديقة أمريكية عزيزة هى أرملة كاتب صديق، تحكى كيف أنها وهى خريجة الجامعة المثقفة قد وقعت فى مصيدة نصبتها لها إحدى عصابات الاحتيال عبر وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة برسائل على الإنترنت ثم اتصالات تليفونية مباشرة. وتحت تأثير استدرار العواطف الإنسانية، صعب عليها حال من يحدّثها، فحوّلت له مبلغًا من المال لمساعدته، لكنها اكتشفت بعد ذلك بقليل أن كل «تحويشة العمر» التى احتفظت بها فى البنك قد تم سحبها، وهى عدة آلاف من الدولارات، بعد أن تمكنت العصابة بهذه الحيلة من اختراق حسابها البنكى، وسحب «تحويشة العمر» البالغة عشرة آلاف دولار. لم تكن صديقتنا متألمة فقط لفقدان المال، لكنها كانت تؤنب نفسها، كيف لمثلها خريجة الجامعة المتعلمة المثقفة الذكية أن تقع فى مثل هذا الفخ؟! قالت إن كل شىء كان مقنعًا ومنطقيا، وما أوقعها فى الشرك هو الجانب الإنسانى الذى دفعها للتبرع بمال قليل لحماية أسرة من الانهيار. ومن جانبنا شكونا لها، زوجتى وأنا، المطاردات اليومية التى تلاحقنا، ونعرف أنها تطارد كثيرين، سواء عبر التليفون والرسائل النصية أو البريد، أو الإنترنت و«الإيميل».. أحدهم اتصل بى مدعيًا أنه من شركة تأمين معلنًا أن الحادث الذى جرى لى وتحطمت بسببه سيارتى بينما كنت أقودها، تم تحديد مبلغ تعويضى ضخم يمكننى تحصيله، كل المطلوب منى هو أن أترك بيانات حسابى البنكى له ليضع فيه المبلغ. ضحكت كثيرًا بعد المكالمة التى أنهيتها بأننى لم يحدث طوال حياتى أن قدت سيارة، فالسيارة تقودها زوجتى ولم تحدث لنا أى حوادث وأننى سأعطى رقمه للبوليس. بعد ذلك بعدة أيام اتصلت امرأة بزوجتى على تليفونها المحمول، لتبلغها أن هناك 12 ألف جنيه إسترلينى موجودة فى حساب لها، وأنها من الهيئة المعنية بمساعدة الناس على استرداد أموالهم المنسية وكل المطلوب هو الدخول على وصلة «لينك» على الانترنت أرسلتها على بريد زوجتى الإلكترونى، وترك بيانات البنك حتى تسترد مالها. قالت لى زوجتى، وهى تروى لى حكاية هذه المحادثة المريبة: المتحدثة كانت تتكلم بثقة وتمكن وإلمام بكل ما تقوله، وكانت مقنعة جدًا. لكن المشكلة هى أنه ليس لى حساب منسى فى أى بنك.. فكيف لى أن أنسى مبلغ 12 ألف جنيه؟!.. ومع أنى قلت ذلك لهذه المحتالة، إلا أنها صممت أننى الغلطانة، وأنه يجب عليّ ألا أضيّع الفرصة فبعد وقت قليل سيضيع هذا المال! سألت زوجتى: وكيف انتهى حديثكما؟ قالت: وعدتها بأن أحاول التذكر ثم أتصل بها! وقمت على الفور بمراجعة حسابنا فى البنك، فكان كله تمام.. لكن لو اتصلت هذه المحتالة مرة ثانية فسوف ألاعبها! - وماذا جرى لصديقتنا الأمريكية؟ = قدّم لها البنك تعويضا ببعض من المبلغ، ويسعى مع البوليس لمطاردة المحتال. سحب الأموال بسرعة مثيرة وهذا الأسبوع نشر تحقيق صحفى على صفحة كاملة فى جريدة «صانداى تايمز» الشهيرة عن النصب الإلكترونى، ملخصه أن الجرائم التى ترتكبها العصابات للحصول على بيانات حساب البنوك من الأفراد، بالتحايل والنصب تزايدت بصورة مثيرة خلال السنة الأخيرة بسبب ظروف العزل المنزلى،واعتماد الناس على الانترنت فى التسوق ومراجعة أحوالهم المالية، ومع تمكن عصابات النصب الإلكترونى من استغلال تقنيات تسمح لها بالحصول على البيانات وسحب الأموال بسرعة مثيرة، وتحويلها على الفور لحسابات يصعب على البوليس أو البنوك التوصل إليها. وتضمن التحقيق الصحفى إشارة إلى أن بوليس «سكوتلنديارد» البريطانى يعانى من عدم القدرة على ملاحقة هذه العصابات ويطالب شركات الانترنت العملاقة وشركات التليفونات بتسليمه بيانات عمليات الاحتيال التى تتم عبر شبكاتها، للتوصل إلى هذه العصابات التى تدعى أنها شركات تأمين أو بنوك أو هيئات البريد أو الضرائب.. وأيضا شركات توصيل الطرود وشركات التجارة الإلكترونية مثل «أمازون». وقال «روبرت هالفور» أحد أعضاء البرلمان أنه اعتاد تلقى رسالة نصية على المحمول أو مكاملة من هذا النوع مرة كل شهر، لكنه الآن يتلقى ثلاث أو أربع رسائل احتيال كل يوم! وأضاف أن هذا يحدث لملايين الناس هنا فى بريطانيا. تهديد حياة الضحايا وقال «جونشيللاند» المسئول عن قسم جرائم التحايل، فى وكالة مكافحة الجريمة: هذه الجرائم تسبب أذى شديداً وتهديداً لحياة ضحاياها بالاستيلاء على أموالهم ومدخراتهم، ولا بد من أن نحصل على بيانات هذه العصابات من شركات التليفون والانترنت، فلا يمكن أن نسمح بتحول هذه المنصات ووسائل الاتصال إلى مسرح عمليات لجرائم الاحتيال هذه. وتبين أن هؤلاء المحتالين يستطيعون باستخدام بعض الأجهزة وشرائح المكالمات التليفونية إرسال آلاف الرسائل النصية فى لحظات. ومن أين يحصلون على أرقام التليفونات للضحايا المحتملين؟ هذه مهمة سهلة فهناك تجارة غير مشروعة تقوم بها عصابات أخرى حيث تحصل على أرقام تليفونات وعناوين البريد الإلكترونى لآلاف الناس بتجميعها من ملفات وقوائم الناخبين، أو بيانات المستشفيات وغيرها وتبيعها لعصابات النصب الإلكترونى.. وتتهم البنوك وأجهزة البوليس شركات الاتصالات والانترنت بأنها توفر لهذه العصابات مجالاً واسعاً لعمليات تحويل المال من خلال بيعها أرقام تليفونات وعناوين بريد إلكترونى بالعشرات والمئات دون رصد نشاطات هذه العصابات. شركة لتزوير المواقع الرسمية وكشف التحقيق عن وجود شركة فى ولاية أريزونا الأمريكية تبيع مواقع على الكمبيوتر تحمل ملامح وتصميمات مزورة مطابقة للمواقع الأصلية لبعض البنوك ووكالات البريد وشركات التأمين وغيرها، وتشتريها منها عصابات الاحتيال بمبالغ بسيطة لاستخدامها فى جرائمها الإلكترونية فعندما تبعث برسالة عبر الانترنت وعليها شعار البنك أو هيئة البريد أو مصلحة الضرائب فإن الضحية يسقط فى الفخ بسرعة. حيث تطلب منه العصابة إرسال بياناته ورقم حساب البنك وكلمة السر الخاصة به بدعوى إرسال مستحقاته المالية المعطلة. وهناك وسيلة أخرى تحصل من خلالها العصابات على أرقام تليفونات وبيانات أخرى هى «فايس بوك» وقام جهاز مكافحة الجريمة فى يناير الماضى بتحذير مستخدمى هذه المنصة من أن أرقام تليفوناتهم تعرض على موقع آخر هو «تليجرام» وقد تم نشر أرقام تليفونات 500 مليون من مشتركى «فايس بوك» علنا فى عام 2019 وحده، عندما تمكنت عصابات إلكترونية من قرصنتها فأصبحت تجارة أرقام التليفونات شائعة الآن. ولمكافحة هذه الجرائم وضعت هيئة الرقابة على شركات الاتصالات «أوفكوم» رقمًا لخدمة مجانية يمكن لمن يتعرّض لمحاولة احتيال من هذا النوع الإبلاغ عن الجريمة فورًا. أما هيئة حماية المستهلك «ويتش؟»وهى منظمة غير حكومية فقد وجهت اتهاما مباشرا للبنوك بأنها لا تقوم بما يجب عليها القيام به لحماية أموال وودائع عملائها، فكيف يمكن سحب مبالغ ضخمة من أى حساب دون أن يدخل البنك على الخط ويتصل بصاحب الحساب ليتأكد من أنه هو وليس العصابة، الذى يسحب المبلغ؟. كما أن بعض البنوك تلوم زبائنها عندما يقعون فى فخاخ عمليات الاحتيال، بينما يكون التقصير من جانبها أيضا فى تسهيل السحب دون الرجوع لصاحب الحساب. وقد تبين أن مجموع المبالغ التى قامت عصابات النصب الإلكترونى بسحبها ونهبها من عملاء هذه البنوك فى العام الماضى هو 311 مليون جنيه إسترلينى حسب البلاغات وهى أقل من نصف ما حصده اللصوص لأن معظم الضحايا لا يبلغون عن ما جرى لهم إما خشية إتهامهم بالتقصير أو لاعتقادهم أن البنوك والبوليس لن يفيدوهم فى شىء! 1