عندما أجد اسمين بحجم «دنزل واشنطن»، و«جاريدليتو» بالمقطع الدعائى لفيلم «التفاصيل الصغيرة» فهذا بمثابة وعد من صناع الفيلم أننى سأشاهد فيلمًا جيدًا خاصةً أننا أمام بطلين لهما رصيد محترم من النجاحات وجوائز الأوسكار بأفلامهما السابقة، وعندما يكون «رامى مالك» بجوارهما فهذا يؤكد توقعاتى تجاه الفيلم، خاصة أن الأخير كسر الدنيا بنجاحه فى فيلم «بوهيمان رابسودى»، الذى جسّد من خلاله شخصية المغنى الإنجليزى الشهير «فريدى ميركورى»، واقتنص جائزة الأوسكار لأفضل مُمثل منذ عامين من أسماء بحجم كريستيان بيل، وفيجو مورتينسين، وبرادلى كوبر. وقتها تم الاحتفاء به بشكل جيد خاصةً أن دوره بهذا الفيلم أبرز حجم موهبته بشكل أفضل من الأعمال التى سبق وشارك فيها، سواء بالسينما أو التليفزيون، لذلك عندما شاهدته بجوار «دنزل واشنطن» و«جاريد ليتو» توقعت مشاهدة مباراة فى الأداء التمثيلى بين ثلاثة أسماء لهم جاذبية ورصيد مع الجمهور، لكن للأسف ما شاهدته جاء على عكس التوقعات. تساؤلات؟ قصة فيلم «التفاصيل الصغيرة» باختصار تدور في التسعينيات، بين اثنين من المحققين أحدهما مُخضرم فى عمله، دينزل واشنطن «ديك»، يعمل فى كاليفورنيا، ويهتم كثيرًا بالتفاصيل الصغيرة بالقضايا التى يحقق بها، جمعته الظروف بمُحقق شرطة شاب رامى مالك «باكستر»، ويتعاونان للقبض على جاريد ليتو «سبارما»، وهو قاتل متسلسل، ضحاياه من الفتيات.. إذًا نحن هنا أمام فيلم ينتمى لعالم الجريمة والتشويق، والمفروض أننا نجد قدرًا مُحترمًا من المتعة الفنية على الشريط السينمائى تتلاءم مع نوعية الفيلم، لكن للأسف السيناريو والحوار الذى كتبه مخرج الفيلم فى ذات الوقت خصم من رصيد جودة العمل الفنى بشكل عام، وجعله فى «منطقة رمادية»، فهو ليس بالجيد وليس بالسيئ، لتخرج منه وأنت غير سعيد بمشاهدته. ونظرًا لسوء السيناريو والحوار فقد فشل المتفرج فى فهم ما يحدث أمامه على الشاشة، وبدأت سلسلة تساؤلاته تتزايد حول شخصيات الفيلم خاصةً دينزل واشطن ذو الكاريزما الطاغية الذى تأثر أداؤه بالكتابة السيئة للفيلم، وبدت شخصيته مليئة بالغموض والتساؤلات لدى المتفرج، هل هو رجل شرطة شريف أم هو متورط فى ماضٍ سيئ مرتبط بعمله؟ وما الذى دفعه لمساعدة المحقق الشاب رامى مالك فى القضية التى يحقق بها؟ وهل تستره على المحقق الشاب عندما تورط فى قتل متهم برىء أمر منطقى. أم يريد القول أن «التستر» على الحقيقة أمر واجب على رجال الشرطة لمساندة بعضهم البعض؟. علامات استفهام فرضت عدم تعاطفى مع الشخصية الغامضة التى يجسدها دنزل واشنطن، وتكرر الإحساس بعدم التعاطف مع رامى مالك عندما أطلق الرصاص على «جاريد ليتو» بالقرب من نهاية الفيلم عندما تحدث الأخير عن أسرته كأنه يلوح له بأذيتهم.. ورغم أن «رامى مالك» لعب دورًا أقل من قدراته التمثيلية وموهبته، إلا أن هذا لا يعنى ضعف أدائه التمثيلى للدور بالعكس، فهو فعل ما عليه لتبقى المشكلة فى الدور نفسه الذى أخفق مالك فى الموافقة عليه مثلما أخطأ المخرج فى اختياره لهذه الشخصية النمطية، المؤكد أن مالك لديه ما دفعه للمشاركة فى هذا العمل وأسبابه قد يكون لها علاقة بمشاركة أسماء بحجم كُل من «دنزل واشنطن» و«جاريد ليتو» بالفيلم، حتى إذا كان المقابل خروجه من المنافسة فى جوائز الجولدن جلوب والأوسكار بالتبعية لهذا العام، أما المجرم نفسه «جاريد ليتو» الذى هو فى ذات الوقت ضحية لم أتعاطف معه بعدما اعترف للمحقق الشاب أن لا علاقة له بجرائم القتل التى يحققون بها، ورغم ذلك اعتبر جاريد ليتو هو المستفيد الوحيد من هذا الفيلم المُترهل فى كتابته نظرا لطبيعة الشخصية التى قدمها. الخطايا السبع هذا الثالوث بفيلم «التفاصيل الصغيرة» شاهدناه فى منتصف التسعينيات فى فيلم «سبعة» أو الخطايا السبعة «لبراد بيت» في دور المحقق الشاب المُندفع، و«مورغان فريمان» فى دور مُحقق فى طريقه للتقاعد و«كيفين سبيس» فى دور المُجرم المُحتمل إخراج ديفيد فيتشر، الفيلم مستوحى من خطايا «دانتى أليغييرى» السبع المميتة ومنها الشراهة، الكسل، «الطمع»، الحسد، «الغضب»، «الكبر»، حيث يتتبع القاتل الضحايا الذين يتسمون بهذه السمات ويعذبهم وتنتهى مصائرهم بالقتل العنيف الدموى، سيناريو الفيلم وشخصياته كتبها «أندرو كيفن» بحبكة وحرفية مُتميزة جعلت الفيلم عند عرضه بمنتصف التسعينيات يحصل على رد فعل جيد من الجمهور والنقاد، لذلك اعتبروه من أهم أفلام التسعينيات التى صُنعت جيدًا وبذكاء، وليس غريبًا أننا نجد كفة فيلم «سبعة» رابحة عن فيلم «التفاصيل الصغيرة» على مستوى كل العناصر سواء أمام الكاميرا أو خلفها.