فى الستينيات من القرن الماضى شهد المسرح المصرى نهضة لم يعرف لها مثيلا من قبل ولا من بعد ومن بين الأعمال التى قدمت على مسارح التليفزيون فى هذا الزمن الأجمل مسرحية «السكرتير الفنى» وهى مأخوذة من نص للكاتب الفرنسى «مارسيل بانيول» مصرها عبقرى زمانه وكل العصور نجيب الريحانى بالاشتراك مع توأم روحه الأستاذ بديع خيرى ولكن أطلق عليها اسم «الجنيه المصرى». ومع شديد الأسف كان هذا العرض هو الأقل حظا بين كل أعمال الريحانى، فقرر أن يقدمها بعد ذلك باسم جديد «الأستاذ ياقوت» ولم يكن الاسم كافيا لجلب الحظ وتحقيق النجاح.. وبعد ذلك بسنوات قرر الفنان الكبير سيد بدير أن يعيد تقديم الرواية.. على أن يلعب هو بطولتها واختار السيدة برلنتى عبدالحميد لتلعب أمامه الدور النسائى.. ولكن حدث أن استدعى السيد بدير من قبل جهة ما وكلفوه بمهمة خارج الحدود وبالتحديد إلى الولاياتالمتحدة، فغاب السيد بدير وتقرر تأجيل العمل لحين العثور على بديل.. وكان مخرج العرض هو الفنان حمدى غيث، ولكن ما جرى لسيد بدير وقع أيضا لحمدى غيث فاستبعد من هذا العمل وأسندوا له مهمة إخراج «الشوارع الخلفية».. وجاء مدبولى ليتولى عملية إحياء عرض «السكرتير الفنى» ولأن السيدة برلنتى عبدالحميد كنت تملك نوعا من النفوذ.. فقد أصرت على تعديل النص لصالحها حتى لو على حساب بطل الرواية.. وهكذا استغرق عبدالمنعم مدبولى وقتا طويلا للغاية لا من أجل مباشرة دوره كمخرج ولكن من أجل تعديل النص حسب رغبة وهوى السيدة برلنتى عبدالحميد.. وفى النهاية اكتشف مدبولى أنه يقدم عملا آخر غير «السكرتير الفنى» وأنه شخصيا سوف يتحولى إلى سكرتير خاص للسيدة برلنتى عبدالحميد يحمل عصا سحرية لتحقيق كل ما تحلم به.. وهنا أخذ مدبولى النص الأصلى والنص «البرلنتى» نسبة إلى برلنتى عبدالحميد.. وذهب إلى السيد حسن حلمى الذى حل محل السيد بدير فى إدارة شئون التليفزيون واعترف الفنان الكبير بأن العمل إلى جانب السيدة برلنتى عبدالحميد مستحيل، فقد قامت بتغيير جوهرى على النص وأصرت على أن يكون دورها هو الدور المحورى فى العمل وأن التعديل فيه إهانة بالغة للنص الأصلى ثم قال مدبولى.. ده افترا على النص.. أنا مش ح اقدر أكمل.. وسأله مدير التليفزيون وماذا تقترح يا أستاذ.. أنا متمسك بك ومؤمن بأنك ح تقدم عمل عظيم.. فقال مدبولى على الفور فى ست اسمها شويكار ممتازة.. رائعة هى من بنات المجتمع الراقى وبتعشق الفن وقدمت كذا تجربة ناجحة ولو أخذت فرصة حقيقية ح نعمل منها نجمة من طراز فريد.. ويسأل مدير التليفزيون.. وأنت شوفت لها أعمال مسرحية؟، فأجاب مدبولى.. أمال دى اشتغلت فى فرقة «أنصار المسرح» وقدمت كذا رواية.. البنت هايله يا أفندم ووافق الرجل على اقتراح مدبولى، أما أدور سيد بدير.. فقد استقر الرأى على أن يلعبه فؤاد المهندس فهو البديل الوحيد والأفضل وفاتح مدبولى شويكار بالأمر ورحبت بالعرض وقالت ده أمر يسعدنى جدا.. ولكن شويكار ظنت بأن البطل هو الفنان الكبير سيد بدير.. فكانت فرحتها غامرة.. ولكن أثناء البروفة.. وهناك بروفات اسمها بروفة ترابيزة.. يقوم فيها كل الممثلين بقراءة العمل والتعود على الأداء الصوتى والحفظ.. ويومها اكتشفت شويكار أن السيد بدير لن يلعب أمامها دور البطولة فحدث لها إحباط ووضعت يدها على قلبها فى انتظار البديل حتى شاهدت للمرة الأولى فؤاد المهندس ولم تكن تعرف اسمه ويا سبحان الله العمل الذى حاول نجيب الريحانى أن يقدمه للناس وفشل فى مهمته عدة مرات حقق نجاحات مذهلة فى مسرح التليفزيون بعد أن شهد عليه إحلال لكل نجومه المرشحين.. وقد اتفق الجميع على أن أنانية وحب الذات الذى اتصفت به برلنتى عبدالحميد كان هو السبب فى ظهور أحد ألمع نجوم المسرح العربى من الجنس اللطيف السيدة الأجمل فى كل تاريخ المسرح العربى شويكار.. ومع فؤاد المهندس بدأ ميلاد ثنائى فنى لانظير له فى عالم المسرح.. فقد كانت شويكار تملك ملامح سكنها جمال آخاذ وعيون تسحر القلوب وصوت هو كما السهام التى تخترق سويداء القلب وتجعل صاحبه أسيرا له مسلوب الإرادة لا يملك سوى أن يبحلق فى قدرة الخالق عز وجل فى خلقه.. وفوق ذلك كانت شويكار ترقص فتسعدك وتغنى فتطربك وتمثل فتهبرك.. وفى كل عمل فنى مسرحى كان الجمهور ينجذب للمسرح بفضل تاريخ المهندس العظيم ولكنهم يخرجون ومعهم شويكار فى قلبهم وفكرهم.. هذه النادرة التكرار ذكرتنى بمارلين مونرو.. فهى إحدى أجمل نساء هوليوود والكرة الأرضية وقد تزوجت من الكاتب الأمريكى الشهير آرثر ميلر.. بعد أن أدهشها بكلامه وثقافته وأفكاره.. وذات يوم نظرت إليه فى ود وإعجاب لا مثيل لهما قائلة ما أجملها من هدية لو أن الله منحنا طفلا له من عقلك نصيب.. وله من جمالى نصيب آخر.. فضحك ميلر وقال: أخشى أن يمنحنا الله طفلا له شكلى أنا وعقلك أنت.. فقد كانت المعادلة دوما ألا يلتقى الجمال الآخاذ والعقل المنير ولكن شويكار استطاعت أن تضم لهذه المعجزة خفة ظل لامثيل لها وقدرة هائلة على التلون فهى تستطيع أن تقدم أى دور على المسرح فقد كانت بمثابة الجوكر بين بنات حواء.. وقد استولت شويكار على قلب وعقل فؤاد المهندس لدرجة أن خلافا حادا نشب بينها أدى إلى الطلاق.. بعدها تدهورت الحالة الصحية للفنان الكبير وأدرك أنه لا يستطيع الحياة بدون شويكار وعندما عادا عادت النجاحات وعاد التألق.. ولكن المهندس اختار أن يضحى بالشىء الكثير للسيدة التى تربعت على عرش القلب ولذلك انسحب المهندس بعض الشىء وترك شويكار تمرح وحدها فوق المسرح وكان هو شخصيا أحد عشاق فنها يستمتع بأداء شويكار وهو يشاهده فى مكان أثير فوق خشبة المسرح.. ولذلك فقد خرجت شويكار من هذا العمل كنجمة لايشق لها غبار وبدأت العروض تنهال على الثنائى فى السينما والمسرح بشكل لم يحدث من قبل.. ولحسن الحظ أن مسرحية «سيدتى الجميلة» تم تصويرها واستمر عرضها بعد ذلك حتى تعرضت الفنانة الجميلة لكسر فى الساق.. بعد الفصل الأول وتقدم سمير خفاجى باعتذار للجمهور وأعاد لهم ثمن التذاكر على أن يواصل العرض بعد شفاء نجمة الفرقة وهو الأمر الذى لم يحدث على الإطلاق، فقد كان هذا الحادث هو نهاية للتعاون الفنى الرائع المتألق بين الثنائى شويكار والمهندس من جانب وفرقة الفنانين المتحدين لصاحبها سمير خفاجى، فقد بلغ أسماع الجميلة شويكار أن سمير خفاجى ومعه جيش جرار من الكتاب والملحنين ومهندس الديكور ومخرج كبير يعدون لعمل فنى استعراضى ضخم «ايرما الغانية» وأن بطلة هذا العمل هى الفنانة التى أدهشت العالم العربى بأسره سعاد حسنى سندريلا الشاشة العربية.. هنا بدأت الغيرة تتسلل إلى قلب الفنانة الكبيرة شويكار وقررت أن توجه ضربة وقائية فأعلنت اعتذارها عن العمل مع سمير خفاجى وصرحت لمجلة الكواكب.. إنها وفؤاد المهندس قد قررا الانضمام إلى فرقة محمد عوض المسرحية.. هنا أدرك سمير خفاجى أن بداية الحرب قد بدأت وأن الأمل فى البقاء دون المهندس أعظم من وقف على خشبة المسرح كما كان يقول خفاجى.. وشويكار.. بدونهما لن تقوم قائمة لفرقة الفنانين المتحدين.. ويا سبحان الله كان استبعاد برلنتى عبدالحميد.. بالفعل عملا حميدا لأنه أنتج لنا هذه النجمة العبقرية التى تركت بصمة لا يمكن لغيرها أن يصل إليها.. وعندما قررت الابتعاد عن فرقة الفنانين المتحدين وانسحبت هى والنجم الكبير فى عالمنا العربى فؤاد المهندس، كان هذا الانسحاب هو الذى أجبر سمير خفاجى على المغامرة بحيل الشباب سعيد صالح وعادل إمام وتحقق فشل وخسارة وإحباط.. حتى جاءت مدرسة المشاغبين.. التى أعادت الحياة إلى الفرقة التى قدمت أجيالا للفن لن يجود الزمان لهم بمثيل على رأسهم فى عالم الحريم.. هذه المدهشة صاحبة الصوت الذى يخترق جدران القلوب ويسكن فيها والشكل الذى كان فى حاجةإلى دافنشى ليخلد به لوحة أجمل ألف مرة من الموناليزا.. سيدتى الجميلة الرائعة.. شويكار.. من أسباب سعادتى أننى قدمت إليك واستمعت بعقل يزن الأمور بميزان من دهب وتشرفت بإنسانة كانت تعشق أصحابها وتقدرهم وتدافع عنهم فى غيبتهم.. ما أعظم الوفاء الذى فاض من بين جنباتك.. وأنت دائمة السؤال عن كل مريض.. حتى إنك قبل الوفاة بأيام قليلة كنت حرية على السؤال عن النجم الجميل المنتصر بالله والاستماع إلى صوته والاطمئنان على حالته من زوجته العزيزة بالفعل وبالاسم. رحم الله فنانة أسعدت العرب من المحيط إلى الخليج وإنسانة كانت بمثابة شمس دافئة لمن حولها.