لا داعى للتأكيد على محدودية مواردنا المائية فى مواجهة طلب متزايد وزيادة سكانية تضيف لمصر كل سنة دولة قوامها 2،2 مليون نسمة.. يزيد الأمر تعقيدًًا أن مصدرنا الرئيسى للمياه العذبة عابرة الحدود إلينا وتأثر أحجامها وتدفقها بما يجرى فى دول المنبع من ظروف طبيعية ومن عمليات تعويق الانسياب الطبيعى لنا وتؤثر سلبًًا على حقوقنا . وبعيدًًا عن مقولات أن هذا القرن وما بعده يشهد مواجهات وحروبًا لتأمين المياه العذبة والمتزايد الطلب عليها.. فإننا فى مصر نواجه بإشكالية مُركبة ليس فقط لعجز المتاح من مياه لتأمين حق الحياه للمصرى وإنما أيضًا لعدم وجود مصادر بديلة مواتية غير ما هو متاح من النيل وبافتراض ثبات حصة مصر من المياه 55.5 مليار م3 سنويًّا وتعظيم وزيادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى المعالج وبالتوازى مع ترشيد التركيب المحصولى وتطوير نظم الرى.. إلخ، يظل هناك عجز مائى دائمًا بل متزايد بمعدل المتوالية الهندسية، كما يظل فى الضمير المصرى ضرورة عدم المساس بمستوى الخزان الجوفى ليبقى، وليفى باحتياجات أجيال قادمة، واجبنا توفير البنية والبيئة اللازمة لحياتهم ولمستقبلهم ولتقدمهم ولتبقى مصر بتاريخها وبأجيالها المستقبلية منارة حضارة.. فتؤكد الاستقرار والسلم كأساس للتعاون النافع مع دول العالم.
فلنتساءل: هل تصبح عملية تحلية مياه البحر ضرورة ولازمة حتى مع استمرار وانتظام تدفق حصتنا من مياه النيل الأزرق، وفقًا لحقنا التاريخى ولحق الحياة للمصريين، رُغم علمنا بمدى الجهد والتكلفة الباهظة لعمليات التحلية هذه والتى تعتمد بالأساس على توافر وانتظام الكم الكبير من الطاقة والتى لا يمكن لمصادرنا التقليدية أن تفى بالمطلوب ولا أن تواكب الطلب المستقبلى المتزايد..
ونسترجع معًًا محاولات مستمرة ودؤوبة من الغير لحصار بل إجهاض خطط وبرامج مصر للاستخدامات السلمية للطاقة النووية والاستفادة منها فى عملية تحلية المياه.. والتى بدأ التخطيط لتنفيذها من منتصف خمسينيات القرن الماضى بإنشاء لجنة الطاقة الذرية عام 1955 برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر وإنشاء مؤسّسة الطاقة الذرية؛ حيث نجحت مصر فى هذا الوقت فى تجهيز البنية التحتية العلمية والفنية وتم تشغيل أول مفاعل نووى تجريبى للأبحاث فى عام 1961 وأصبح لنا معه جيشًٌ من الخبراء والعلماء فى المجال.. وانتقلت مصر فى هذه الفترة أيضًا لمرحلة البحث والتفكير فى استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، إلّا أن ذلك توقف كله بنشوب حرب 67، ثم تم استغلال حادث تشرنوبل بالتزامن مع انخفاض أسعار البترول وتوافره لوأد المشروع المصرى..وقد يكون ما نواجهه من تعثر مفاوضات سد النهضة بالمعارضة الشرسة غير المبررة من إثيوبيا، ما يؤكد دعمها ومساندتها من أطراف لها المصلحة ولها استراتيجيتها للتأثير على مصر وباستغلال وضعية رئيس الوزراء الإثيوبى الداخلية وتطلعه ليكون البطل القومى لبلاده.. وهو تقدير متوقع وحاضر فى حساباتنا وبالضرورة يقابله بدائل متاح استخدامها وفقًا لما تفرضه الأحداث والواقع على الأرض..- وقد يكون مفاعل الضبعة نموذجًا ويصبح تطوير وتحديث البنية النووية للاستخدامات السلمية لإتاحة مصدر الطاقة اللازم لتحلية مياه البحر - فرض عين - وشعب مصر كله يدفع لذلك، والقوى الدولية المؤثرة التى يهمها سلام واستقرار العالم ومنطقتنا على وجه الخصوص تتفهم هذا المنطلق لتأمين حقوقنا.. خصوصًا لوضعية مصر باعتبارها وكما فى السابق العنصر الأساسى والفاعل لتامين سلام واستقرار المنطقة وسلام العالم ونتعاون مع كل القوى والمؤسّسات الدولية لتحقيق ذلك.. وهو الأمر الذى تقدره القوة الرئيسية فى عالمنا والذى يجب أن تأخذه فى الاعتبار وكذا قوى اخرى والتى أخذت على عاتقها عمليات التجهيز وبناء هذا السد وتجهيزه وتزويده بالمعدات اللازمة وتوفير التمويل لذلك ، رُغمًا عن يقينها بالتأثيرات السلبية لهذا لسد وبهذه المواصفات على شعب مصر.. وتجاهلها لدراسات علمية كان يجب أن ينظر فيها قبل بناء السد لضمان معايير السلامة باعتبار أن أى خلل فى أساسه ولظروف التربة الركامية المقام عليها يمكن أن يكون له تأثير خطير - خاصة مع هذا تعليته وكم وضغط المياه خلفه - يتعدى إثيوبيا إلى كل الأراضى السودانية.. وفى كل الأحوال يكون مناسبًا أن تتقدم مصر بمشروع متكامل لنشر مفاعلاتنا النووية إلى الوكالة الدولية للطاقة النووية ولجهات التمويل وإلى دول العالم المعنية، ليصبح البحر المتوسط الخزان الطبيعى لمياهنا العذبة..وليصبح نشر هذه المفاعلات رسالة للسلام مؤكدة التعاون النافع للاستخدامات السلمية للطاقة النووية بانعكاسات ذلك الإيجابية.