الجمعة الماضية ذهب الراقى المُهذب لينين الرملى لأصدقاء الزمن الجميل، غادر عالمنا تاركاً إرثا مُحترما من الأعمال المسرحية والتليفزيونية والسينمائية، يعيش داخل وجدان الجمهور المصرى والعربى سواء من الأجيال الجديدة أو الجيل الذى صعد معه وشهد نجاحاته من خلال أعماله التلفزيونية الشهيرة، التى كانت تخلو الشوارع من المارة عند موعد إذاعتها، لمتابعتها لما يقدمه من جرعة ضحك راقية من خلال أشهر نجوم الكوميديا. رحل لينين الرملى بعد رحلة مع المرض لكن أعماله ستتحدث عنه عبر أجيال وأجيال، نعم رحل أحد أهم كتاب المسرح تاركاً لأسرته وجمهوره أعمالا تشرف الفن المصرى والعربى.. أعماله الفنية تابعناها ونحن صغار وعند إعادة إذاعتها نتابعها بنفس دهشة متابعتنا الأولى لها.. بنظرة سريعة لأعماله مع كبار نجومنا، سنجدها علامة فارقة فى مشوارهم الفنى، حققوا من خلالها نجاحا مدويا لدرجة أن أسماء الشخصيات بالأعمال التي جسدوها وحملت توقيع «لينين الرملى» مؤلفاً لا يزال الجمهور يطلق أسماؤها على المُمثلين الذين لعبوها. شرارة وميزو ونفيسة المؤكد أن جيل السبعينيات لا يزال يتذكر«شرارة» الذى جسده محمد عوض رحمه الله فى مسلسل « برج الحظ» وكذلك شخصية «ميزو» و« نفيسة» التى جسدها كُل سمير غانم وفردوس عبدالحميد فى مسلسل « حكاية ميزو» وكان هذا المسلسل هو أول بطولة مطلقة لسمير غانم فى التلفزيون. ونظراً للنجاح الكبير الذى حققه المسلسل وقت إذاعته قرر لينين الرملى كتابة جزء ثان منذ عامين تقريباً ويبدو أن ظروف مرضه حالت دون استكمال كتابته. أيضاً شهد مسلسل «فرصة العمر» لمحمد صبحى نجاحا كبيرا، ووقتها أطلق الجمهور اسم «على بك مظهر» التى صاغها لينين الرملى بحرفية هائلة على بطل المسلسل، لم تكن كتابة المسلسلات الكوميدية هى الهدف الرئيسى للكاتب لينين الرملى بل تابعنا إبداعه فى الكتابة التليفزيونية لنجم بحجم اسم كمال الشناوى فى مسلسل «هند والدكتور نعمان» ووقتها حقق المسلسل نجاحا كبيرا بعيداً عن نجوم الكوميديا فى ذلك الوقت ونظراً لحجم ردود الفعل الإيجابية تجاه العمل أطلق لينين الرملى اسم «هند» على ابنته. «مجنون مسرح»لا يخرج عن النص أما المسرح فحدث ولا حرج، فهو عشقه الأول والأخير، كسب الكثير من المسرح وصرف عليه ما كسبه والدليل كم المسرحيات التى أنتجها على نفقته- بعد انفصاله فنياً عن محمد صبحى- وكانت جميعها تنتمى للمسرح التجريبى، أظهر من خلالها المواهب الجديدة.. قبل هذه المرحلة، كانت أعماله بمسرح القطاع الخاص تتحدث عن نفسها وتظهر بعبقريته فى التأليف المسرحى، والدليل أنه حقق نجاحات رائعة مع نجوم متنوعين، على رأسهم فؤاد المهندس فى «سك على بناتك» وسلسلة مسرحياته مع زميل دراسته محمد صبحى التى بدأها عام 1975بمسرحية «انتهى الدرس يا غبى» ومروراً بمسرحيات «أنت حر»، «الهمجى»، «وتخاريف» ونهاية بمسرحية «وجهة نظر» التى شهدت الانفصال الفني بين لينين الرملى وبطل العرض محمد صبحى، ولم يكن سبب الانفصال خافيا على أحد بل وأعلنه بنفسه لينين الرملى رحمه الله، فى الكثير من اللقاءات الصحفية، مؤكداً أن «الخروج عن النص» من قبل محمد صبحى هو السبب المباشر لانفصالهما الفنى، فهو يرفض تماماً فكرة تدخل نجم العرض المسرحى فى كتابته، مؤكداً أنه عمل مع فؤاد المهندس وسمير غانم وكُل منهما مدرسة فنية خاصةً بذاتها لكنهما لم يقتربا من النص الذى كتبه، إلا فى حدود طفيفة للغاية وبرضاه.. لكن خروج محمد صبحى عن النص فى مسرحياته لم يكن برضاه لتأتى مسرحية «وجهة نظر» التى فجرت الأزمة بينهما ليختار لينين الرملى وضع حد لممارسات محمد صبحى على المسرح، سواء بالخروج عن النص أو التدخل فى اختيارات أبطال العرض، خاصة أن صبحى وقتها كان مُعترضا على مشاركة عبلة كامل وكان يحاول توجيه ملاحظاته لها من خلال لينين الرملى، لكن الأخير طلب منه أن يفعل ذلك بنفسه حتى يحدث اندماج وانسجام بينهما على خشبة المسرح، وأمام رفض محمد صبحى التعامل مع عبلة كامل ووصوله لقرار استبدالها بممثلة أخرى، وقتها تأكد لينين الرملى باستحالة تعاونه مع محمد صبحى مرة أخرى.. فى هذا الصدد هناك موقف يستحق التوقف عنده، عندما سألوا سمير غانم عنه فقال: لينين الرملى أفضل من يكتب حوارات وهو الوحيد الذى لا أستطيع الخروج عن النص فى أعماله إلا بحدود معينة يسمح لى بذلك بعد نقاش بيننا. يكره الشيوعية واسمه لينين من المواقف الطريفة التى تعرض لها لينين الرملى فى بداياته وقبل شهرته فنيا كانت عندما ذهب لفؤاد المهندس فى مسرح الزمالك ليعرض عليه إحدى رواياته وطار فؤاد المهندس بالمسرحية لدرجة دفعته لتمثيل بعض مشاهدها أثناء لقائهما، ويسأله المهندس بعفوية ممكن تفكرنى باسمك فيقول له «لينين الرملى»- والمعروف أن والده ووالدته ينتميان للحركة الشيوعية وأطلقا عليه هذا الاسم إعجابا بالزعيم الشيوعى «فلاديمير لينين»، لكن لينين الرملى نفسه يكره الفكر الشيوعى وعاشق للحرية- ليرد عليه المهندس وهل لديك نية فى كتابة هذا الاسم على الأفيش فقال له أكيد، وهنا تظاهر فؤاد المهندس بأنه ينادى على أحد الأشخاص ليفهم لينين الرملى الرسالة ويخرج فى هدوء.. تمر سنوات الكفاح والشقا ويحقق لينين الرملى نجاحات كبيرة و يطلب منه فؤاد المهندس كتابة رواية مسرحية ليخرجها مخرج شهير و كانت «سك على بناتك» التى لا يمل منها الجمهور حتى وقتنا هذا- وأثناء البروفات حدث خلاف بين المخرج ولينين وطلب المخرخ من المهندس الاختيار بينهم و اختار فؤاد لينينو كتب اسمه على الأفيش. «الإرهابى» وبخيت وعديلة رغم قلة أفلامه السينمائية إلا أن معظم أفلامه علامات مضيئة فى الأرشيف السينمائى منها «البداية» للمخرج صلاح أبو سيف و«الإرهابى» الذى عرض فى النصف الأول من التسعينيات والطريف أن لينين الرملى أرسل سيناريو الفيلم لأحمد زكى الله يرحمه على وعد من الأخير بالرد عليه فى موعد محدد وفوجئ لينين الرملى بالفنان مصطفى متولى يبلغه برغبة عادل إمام فى تجسيد شخصية «الإرهابى» فقال له إذا لم أتلقّ ردا من أحمد زكى فى الموعد المُحدد بيننا سيكون الفيلم من نصيب عادل إمام وقد كان ووقتها غضب أحمد زكى، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا عند عرضه رغم تهديدات القتل لصناع الفيلم وتوالت نجاحاته السينمائية مع عادل إمام فى بخيت وعديلة بأجزائه الثلاثة. وأخيراً: رحل أحد نجوم التأليف الذى أمتع أجيالا وأجيالا، و بعد أن حصل لمصر على على جائزة الدولة التقديرية، لكن لا يختلف أحد على استحقاق لينين الرملى لما هو أكثر من ذلك فهو ليس مؤلفا مسرحياً عادياً بل كان سابقا لعصره بعمق أفكاره فقد رحل المؤلف الفيلسوف.