يقولون أن النهايات مخيفة.. من قال إنها وحدها النهايات قد تكون مخيفة؟! البدايات كثيرًا ما تكون أكثر إشاعةً للخوف، صحيح أنها مبهجة، وتثير الحماسة وتطرح الأمل بلا أسقف، والنهايات قد تنذرنا فيستعد القلب، فتبعث برسلها معلنةً قدومًا لابد منه، وحينها ندرك أن الأمر مسألة وقت، وقد يخفف هذا من وقع حضورها، أو.. أنها تحضر دون مقدمات، فيصبح وقعها مؤلمًا لكنه مفاجئ فلا يُمَهد بحزنٍ سابق، وتعتمد كل التوابع على قدرتنا الحقيقية للمواجهة، وهو أمر يمكن أن تتدرب عليه ببساطة إذا أقنعت نفسك أنه لكل شىء بداية..ولابد أيضًا من نهاية، هى طبيعة الأشياء يا عزيزى، هو قانون الحياة، لا تتذاكى معه، فلا قدرة لك على تجاهله. أنا أحب البدايات، وأخاف كثيرًا من النهايات لكنى أراها بوضوح وأستطيع تمييزها بمهارة، فأحضر طاولة عشاء وأوقد شموعى، وأرحب بها غير متفاجئة على الإطلاق حتى لو ادعيت غير ذلك، بمرور الوقت صرت أتقن اللعبة، أخبئ مهارتى عسى أن يعتقد الآخرون فى جنونى، أو أننى أدعى علم الغيب لا قدر الله، لكنها كما قلت لكم مهارة لا أكثر، مع قوانين الحياة عليك أن تستسلم، فهى نافذة لابد؛ ما الداعى لمحاولات الهرب الفاشلة أصلًا؟! أحب البدايات وأستطيع تمييز مذاقها، كما أننى ماهرة فى الاحتفاظ بها لأطول فترة ممكنة، يساعد ذلك فى تحمل قسوة الحياة عمومًا (صدقوني)، وفى احتمال الارتباك الملازم لأى بداية، لكنك إن استطعت «تجميد» ذلك الشعور والاحتفاظ به لأطول فترة ممكنة، ستعبر كثيرًا من الحواجز الملازمة لها -البدايات- وستزداد مناعتك نحو «رهاب» البداية، وستحتفظ بشباب قلبك وبريق روحك، وحدهم المرحبون بالبدايات يحصلون على حياةٍ أفضل، حياة بلا خوف؛ فكل بداية هى ميلاد جديد، من ذا يخاف من أى نهايةٍ كانت طالما أن بدايةً جديدةً فى الانتظار؟! يرتعش قلبى حين يشعر بذبذبات النهاية مقبلة، أصبحت بارعةً فى تمييز ذلك، أحترف التبشير به، أو التحذير منه، لكننى أيضًا أنهى حزنى مبكرًا قبل الآخرين، هؤلاء الذين ينكرون اقتراب النهايات، أو الذين لا يشعرون بها قبل أن تصبح أمرًا واقعًا، حتى أننى صرت أستمتع بها إلى حدٍ ما! كيف ذلك؟ سأخبركم: تعنى النهاية انقضاء أملٍ كاذب، والتوقف عن دفع ثمنٍ باهظ، وتعنى النهاية ميلاد بدايةٍ جديدة، تعنى أن ظالمًا سيخسر ساحة نصره، وأن شهيدًا سيرتقى، وأن طفلًا سيولد دون ميراثٍ لذلك الألم، ألم أقل لكم أن النهاية تحمل أسبابًا للفرح! علمتنى الحياة أن لا شيء ينتهى،هو يعود فى هيئةٍ جديدةٍ فحسب، وأن التخلى أحيانًا، يسمح للحياة بأن تتخذ مسارًا أفضل. يبدو كلامى غير واقعى، أعرف أن هذا رأى بعضكم، لكننى وللأسف..واقعية للغاية، لو أننى أتخلى عن واقعيتى لارتحت كثيرًا، لكن قوانين الحياة لا ينكرها إلا جاهل، والحياة لا ترحم من لا يتعلم، وأنا قد قررت سابقًا فى زمنٍ مضى، ألا أسمح للحياة أن تخدعنى من بابٍ واحدٍ مرتين، إذا كانت هذهِ هى قوانين اللعبة؛ فأهلًا بها.. يقولون: يا أهلًا بالمعارك! وأقول: مرحى بالحياة ولعبتها.. سأقترح عليك/ عليكى لعبةً بسيطة كى تتأكد مما أقول: خذ كرسيك واجلس فى النافذة، راقب حلول الليل، ولا تستسلم للنوم، قاوم رغبتك فى الراحة، قاوم تعبك، قاوم يأسك، وانتظر حلول «السَحَر»، ثم قدوم الفجر، ثم ميلاد النهار، وسطوع الشمس، يا الله.. يا لهذهِ الروعة، أليس هذا توكيدًا ربانيًا على كل ما كنت أقول: بديهية النهايات تتبعها البدايات مجددًا، انتصار الأمل وحلول النور، أليس كل ذلك تأكيدًا على قانون الميلاد المتجدد؟! البدايات محببةٌ إلى قلبى،أراها فى عينى طفلٍ حديث الميلاد، وفى بهجته، ونقائه، فى ضحكته لغير ذى سبب، فى تمسكه بحضن أمه..بفطرة التمسك بالحب والأمن والطمأنينة، هى معرفة بالفطرة وفهم ربانى إلى ماذا علينا أن نلتجئ كى نشعر بالسكينة: إلى حضن أم، فما بالنا بمحبة الله..الحقيقة.. يقولون إن البدايات مخيفة، لكن طعمها حلو.. ويقولون إن النهايات مخيفة، لكنها عادلة.. وأنا أعيش ما بين بدايةٍ ونهاية، أتذكر بشرى ربى، وأتجه إليه، أعرف أن كل ميلادٍ منه، وكل نهايةٍ إليه، وما بينهما لا وجود لسواه، فلما علينا أن نخاف من أيٍ منهما؟ وحده من يفهم، هو القادر على أن يحيا كليهما برضاءٍ تام.