الجدران تحمل الكثير من أرواح ساكنيها، أسرار وأحلام وآلام وآمال، وحكايات لا يعلم عنها أحد بعد أصحابها إلا الله، بعض هذه الجدران احتضنت عباقرة، وفنانين ومثقفين وعلماء.. «عاش هنا» مشروع لتوثيق بيوت رحل ساكنوها وعاشت أسماؤهم محفورة فى جدرانها وفى ذاكرتنا تحكى عنهم لكل الأجيال. الماضى والتاريخ له طعم ورائحة تم استدعاؤهما فى شوارع مصر وعلى جدران مبانيها «روزاليوسف، عباس العقاد، سعاد حسنى، ليلى مراد، إبراهيم أصلان، سيد مكاوى، ممدوح الليثى، فهمى عبد الحميد، فؤاد المهندس، عبد الحليم حافظ، محمد محمود خليل وهند رستم» وغيرها من أسماء تم وضع لافتات بأسمائهم على جدران بنايات عاشوا فيها واحتضنت سنوات لبشر فوق العادة. أبو سعدة : اللوحات تحمل أكوادا عندما يتم تصويرها تظهر أعمال الشخصيات وتاريخها على شبكة الإنترنت المهندس محمد أبو سعدة رئيس مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى تحدث عن المشروع فقال: «عاش هنا» من المشاريع المهمة للحفاظ على ذاكرة المبدعين فى مصر، ليس فقط الفنانين أو الأدباء المعروفين لدى العامة، ولكن أيضًا المشروع يوثق الأماكن التى عاش فيها كل مبدع فى مجال عمله، بينها شخصيات عسكرية ودينية وعلماء، وفنانين تشكيليين وسياسيين وكل من هو مبدع وله بصمة مؤثرة فى المجال الذى يعمل فيه. أضاف: فكرة وجود لوحة تقول إن فلانا عاش فى هذا المكان ومر من هذا المكان موجودة فى أوروبا وفى فرنسا على سبيل المثال، ولكن الاختلاف الذى قدمناه أن الجهاز تعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء وأنشأوا موقعًا على الإنترنت يحتوى على ال biography أو السيرة الذاتية والمعلومات عن هذه الشخصية، بحيث إنه عندما يمر أحد أمام هذه اللوحة المعدنية يجد ال QR code وعندما يتم تصويره بالتليفون المحمول يتم التحويل أوتوماتيكيا إلى موقع lived here وتظهر معلومات عن هذه الشخصية وأهم أعمالها وروابط لأعمالها على يوتيوب، فنعرف أن فلانا عاش وأيضا نعرف كل المعلومات عنه، لتظل هذه الشخصيات مؤثرة فى ذاكرة الأجيال التى لم تعاصرها. وأوضح أبو سعدة أن الجهاز أنجز حتى الآن مائتى شخصية، ووضعنا لوحاتهم على منازلهم، وعلى الموقع الإلكترونى ونستهدف فى 2019 مائتى شخصية أخرى ونأمل أن يتطور المشروع فى أفكاره، ونفكر الآن فى كيفية عمل «walking tours » فى المناطق التى عاشت بها هذه الشخصيات والمبدعين، فهناك بعض الأماكن بها زخما من الشخصيات مثل الزمالك ووسط البلد، وعاش فيها عدد كبير من المبدعين، ونفكر فى عمل جولات سير على الأقدام يصطحب فيها الشخص خريطة أثناء جولته أو من خلال «أبليكيشن» يدل على البيوت التى عاش فيها هؤلاء الأشخاص ونتعرف أيضا من خلال الموقع على إنجازاتهم، وتكون بمثابة رحلة عبر الزمن للتعرف على المبدعين كل فى مجاله. المشروع بدأ فى 2017، ولكن الكاتب الراحل كامل زهيرى، كان يفكر فى عمل مسارات فى قلب منطقة قصر الشوق وغيرها من المسارات المحفوظة، وكذلك طرح الأديب جمال الغيطانى نفس الفكرة، عندما كان رئيسًا لمجلس إدارة مكتبة القاهرة وحاولت أن أنفذ هذه الفكرة معهم عندما كنت أتولى صندوق التنمية الثقافية من قبل وعندما توليت رئاسة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى وجدت أنها فكرة جيدة أن نقوم بالربط ما بين الفكرة والمبانى نفسها وتسجيلنا للمباني. نفس الفكرة تنبثق عنها فكرة أخرى، وهى مشروع «حكاية شارع» فهناك شوارع فى وسط البلد ومناطق عديدة تحمل أسماء شخصيات مؤثرة مثل طلعت حرب، وعبد الخالق ثروت، وعدلى، وغيرهم، نقوم بتعريف الناس من هى هذه الأسماء ولماذا سمى هذا الشارع باسمه، من خلال لوحات باسم صاحب الشارع ومعلومات عنه، وهذا المشروع خلق لدى البعض نوعًا من شغف المعرفة وفرصة للتعرف خاصة للأجيال الجديدة . وحول الصعوبات التى تواجه التنفيذ قال: أسسنا لجنة علمية بها مجموعة متخصصة من الشخصيات وأساتذة التاريخ ونقاد السينما والفن التشكيلى، ومن المثقفين كالدكتور محمد عفيفى رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة، والدكتورعماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق، والدكتور خالد عزب من مكتبة الإسكندرية، والدكتور خالد الخميسى رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة، والناقد طارق الشناوى، والشاعر أحمد عنتر، ومجموعة كبيرة لوضع السيرة الشخصية ومراجعتها واختيار الشخصيات، والصعوبة التى تواجهنا أن هناك بعض الشخصيات المهمة منازلها هُدمت بعد مرور أجيال عليها، مثل فيلا أم كلثوم وبيت سيد درويش فى الإسكندرية ولكننا وجدنا منزلا له فى شبرا، فوضعنا عليه اللوحة، وكذلك مسألة الدقة «هل عاش هنا أم لا وهل انتقل أم لا ؟» ونرجع دائما إلى أهل المبدع، فنختار المكان الذى يقولون إنه أكثر مكان عاش فيه. مدير المشروع : لجنة من المثقفين وأساتذة التاريخ لتوثيق الأماكن والشخصيات فى كل محافظات مصر المهندس عمرو سيد المدير التنفيذى للمشروع والمسئول عن تنفيذ اللوحات حتى تصل اللافتات إلى الأبنية الخاصة بها يقول: «الفكرة تقوم على إعلام الناس أنه عاش هنا مبدع مع التركيز على معلومات مهمة عن حياته من خلال تطبيق على الهاتف المحمول يستطيع معرفتها من خلال تصوير اللوحة المعدنية. وقال إن أهم أسباب طرح الفكرة أن هناك أجيالا كاملة الآن لا تعرف معلومات كافية عن الأجيال التى رحلت، ولو سألت شابا الآن عمره عشرون عاما هل تعرف نعمان عاشورأعتقد أنه لن يعرفه، فإذا مر بجوار بنايته ودخل من خلال اللافتة على موقع المشروع من خلال الكود _ _QR codeالموجود، أعتقد أن هذه الفكرة مهمة جدا لتوسيع إدراك الناس ومعلوماتهم تجاه هذه الشخصيات وما قدمته فى حياتها. فى بداية المشروع كنا نبحث عن الرعيل الأول من المبدعين لضرورة التوعية بأعمالهم وأهميتهم ثم بدأنا بإدخال الأجيال التى تليها فى المراحل المتقدمة، ومع انتشار المشروع بدأنا باستيعاب عدد أكبر من الشخصيات فى خطة المشروع ولم يكن لدينا أى أولويات سوى أولويات المرحلة، فقدمنا جميع زعماء مصر وكل الشخصيات التى أثرت فى حياتنا على مر العصور، لم نقتصر على محافظة دون أخرى، والأولوية للشخصية وليس للمكان، ونستعين فى جمع المادة الموثقة والعناوين بأهالى الشخصيات أو الجمعيات الأهلية المعنية بالتاريخ وكل من له صلة بنفس الموضوع. الشناوى : الفكرة تخلق شغفًا بالشخصيات حتى لا ننساها «المجتمع يعانى من حالة الزهايمر» هكذا بدأ الناقد طارق الشناوى عضو لجنة مشروع عاش هنا حديثه قائلا: «المشروع غرضه إنعاش الذاكرة، فقد أصبحنا لا نهتم بالتاريخ سوى بعض اللحظات بدليل أننا مسحنا العديد من الأشرطة التى تم تسجيلها فى الستينيات مع بداية التليفزيون المصرى لكثير من العمالقة وبعضها تم مسحه وبعضها لم نستطع المحافظة عليه لأسباب هندسية والبعض الآخر تمت سرقته، و«عاش هنا» فكرته تقوم على توثيق المكان الذى عاش فيه المبدع بلوحة على جدران البناية التى أقام فيها، وبالتالى ننعش ذاكرة المواطن بهذه الشخصيات فيبدأ يتذكرها والبحث عنها. وأكمل: « خلق الشغف» هو أحد أهداف المشروع ، خاصة للمواطن الذى يرى اسما لا يعرف عنه شيئا، فيبدأ فى البحث عن هذه الشخصية، وإذا نجحت خطة المشروع فى خلق هذه الحالة لدى فرد من بين كل عشرة أفراد من المصريين تكون الفكرة قد نجحت.•