أمام نماذج لقطع من الخشب مزخرفة بزخارف هندسية وإسلامية وفرعونية، وقف بفخر «سعيد محمود» بابتسامة هادئة، يلاحظ انبهار الزائرين وتأملاتهم لهذه الزخارف التى تنبض كل منها وتوحى بتشكيلات يمكن أن تصنع منها أسقف أو أثاثا خشبيًا أو أى شىء آخر. وكانت المفاجأة التى يقف أمامها منبهرًا متسائلًا بألوانها وأشكالها، كل من زار مهرجان إحياء التراث الحرفى، الذى احتضنه مسرح الهناجر بدار الأوبرا، أن هذه القطع ليست من الخشب، بل من مادة جديدة، ابتكرها الكيميائى سعيد محمود. الابتكار الجديد توصل له الكيميائى سعيد محمود كبديل للخشب، بعد سنوات من التجارب على مواد من البيئة المصرية وأطلق على هذه المادة البديلة للخشب اسم «تيكوبورد»حيث استخدم الرمال بعد تحويلها إلى سائل «عجينة» لتكون مادة رابطة باستخدام النانو تكنولوجى، إلى جانب ألياف المخلفات الزراعية مثل حطب القطن وقش الأرز وجريد النخل، بنسب معينة، ليكون هذا الخشب مقاومًا للحريق ويتحمل درجة حرارة 1000مئوية لمدة 85 دقيقة بحسب اختبارات المركز القومى لبحوث البناء، ومقاوم للماء والبكتيرياء. «تيكو بورد» صديق للبيئة، فمكوناته من الطبيعة وسهل التشكيل فى ماكينات النجارة العادية، كما أنه أرخص من الخشب الطبيعى بنسبة 50 %، وفى حال استخدام هذا الخشب الجديد سيوفر على مصر مليار ونصف المليار دولار قيمة ما تستورده من أخشاب ويخفض أسعار الموبيليا والأثاث، كما يؤكد سعيد. اختراع سعيد يعود إلى «مسابقة القاهرة تبتكر» التى نظمتها أكاديمية البحث العلمى واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وحصل على المركز السادس عن ابتكاره «بدائل الأخشاب من الرمال»، كما حصل على جائزة التميز فى معرض القاهرة الدولى للابتكار 2017. واختاره المعمارى والمصمم المصرى العالمى عبدالواحد الوكيل «الحاصل على جائزة الأغاخان فى العمارة الإسلامية»، لتنفيذ أعمال النجارة باستخدام الخشب المبتكر «تيكو بورد» من أبواب مقاومة للحريق ووحدات مزخرفة بزخارف إسلامية بأسلوب الحفر، داخل المبنى الجديد للدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد البريطانية واستغرق العمل خمس سنوات. يقول سعيد: «أنا عاشق للرمال، وأحلم بعمل أثاث منخفض التكلفة يرفع المعاناة عن الأسر المصرية، وأن استخدم العلوم الحديثة فى عمل أنواع من الخشب الجديد يساعد فى التنمية، ومؤخرًا قمت بعمل شكل جديد لديسكات مدرسية باستخدام الخشب المبتكر على الطراز الفرعونى، بخلاف الديسكات «المقاعد أو التخت» العادية بطرازها البريطانى، يمكن تركيب الديسك الفرعونى، بتعشيق 6 قطع، أو بصبه كقطعة واحدة باستخدام الخشب التيكو بورد». سعيد تعاقد مع إحدى المدارس الخاصة الشهيرة، ليصنع لها ديسكات بتصميمها الفرعونى المميز لشكل المركب الفرعونى من خشبه الجديد، وتكلفتها تقل بنسبة 50 % عن تكلفة مثيلتها التقليدية المستخدمة الآن، والمصنوعة من الخشب الموسكى، فضلًا عن أن شكل الديسك يشعر التلاميذ بالفخر بهويتهم الفرعونية. ويتمنى سعيد لو تبنت وزارة التربية والتعليم فكرته فى توفير ديسكات فرعونية لطلاب المدارس، بدلًا من تلك التى يعود شكلها وتصميمها إلى أيام الاحتلال البريطانى. يستعد سعيد الآن لافتتاح مصنعه لإنتاج صوانى التقديم، وأسرة للأطفال، كلها مصنوعة من خشب التيكو بورد، بألوان مختلفة، كبداية لخطوط إنتاج لصنع مطابخ وأثاث وموبليات وتنجيد للحوائط. عائلة أسطوات الشبابيك سعيد ورث العمل فى النجارة من أسرته التى توارثت العمل فى صناعة الأثاث على مدار 300 سنة، والده محمود سعيد الذى صنع الباب الخشبى لمنبر الروضة الشريفة بالحرم النبوى الشريف، وهو نفسه الذى نفذ أعمال الخشب بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، ومنها المنبر الذى يصعد عليه الخطيب فى خطبة الجمعة. وشارك جد سعيد الكبير فى أعمال نجارة جامع الرفاعى بالقاهرة، وجد والده كان يعمل فى نجارة المعرض الصناعى الزراعى، الذى كان يقيمه الملك فؤاد ومن بعده فاروق فيما بعد، وأغلب عائلة سعيد مازالوا يعملون فى النجارة، ويعمل أغلبهم فى ورش بمنطقة مصر القديمة بجوار حصن بابليون، ومتخصصون بشكل خاص فى نجارة الأبواب والشبابيك والمشربيات والمنابر. المهرجان الذى ضم عارضين للمصنوعات والحرف التقليدية ذات الفنون التراثية من الحلى والأرابيسك والمنسوجات واستخدامات جديدة ومبتكرة من أخشاب شجر السرسوع، والكينة الحمراء، استمر لمدة ثلاثة أيام بمشاركة جمعية التراث والفنون التقليدية والجمعية المصرية لفنون الأرابيسك والمشربية، وشارك فيه خبراء وأكاديميون الجامعات المصرية، وأوصوا باستخدام الأشكال الفنية والموتيفات التراثية الفرعونية والإسلامية، فى منتجات فنية، للحفاظ على التراث والاستفادة من عائدها الاقتصادى، وضرورة البحث عمن تبقى من أسطوات الحرف التقليدية.